حين صار العلم تجارة والثقافة سلعة

حين صار العلم تجارة والثقافة سلعة

د. علي أحمد الزبيدي

2025-11-06T08:33:40+00:00

مع بداية هذا الشهر الخريفي، ومع انطفاء الكهرباء الوطنية وبدء جمع (الاشتراك المالي) للمولدات الأهلية، أبدأ مقالي هذا :-

ليس جديدًا على الساحة العراقية أن تظهر فيها ظواهر سلبية لا تسرّ الناظرين، وتكاد تكون مفضوحة للعيان. والمتسبب في كثير من تلك الظواهر ليس المواطن البسيط، بل بعض مؤسسات الدولة وعدد من السياسيين والمسؤولين الذين تتكرر في إدارتهم الأزمات والمشكلات. فكل يوم تطفو إلى السطح قضية جديدة أو أزمة أو فضيحة، ناهيك عن الصراع والتسقيط فيما بينهم.

ويا ليتها كانت لأجل هدف سامٍ أو منافسة شريفة، لكنها في الحقيقة من أجل المنصب والكرسي والغنائم.

إن ما يجري الآن في الموسم الانتخابي من احتدام وصراع وتشهير وتصفية حسابات هو أمر متوقع، ويكاد يكون أشبه بالروتين الاعتيادي. فبالله عليك، كيف يُعقل أن يكون المسؤول، الذي يعمل ضمن مجال خدمته ومسؤوليته أمام الشعب والبلد، يطالب بمقابل على أداء واجبه؟! فإذا بنى أو عمّر أو أصلح، يريد من المواطن أن يضمن له صوته الانتخابي. وإن فاز أو انتصر بجولة المقاعد النيابية، تراه يسعى لأن يكون "زعيمًا" أو "قائد ضرورة"، وتبدأ بعدها الملاحم والاضطرابات و(السوالف التعبانة).

لماذا لا يعي بعض المسؤولين أن واجبهم يحتم عليهم تقديم خدمة جيدة، وأن عملهم هذا يقابله أجر مالي كبير جدًا، إضافة إلى الامتيازات والسلطة والحمايات والسفر والثراء الفاحش؟

المواطن اليوم على يقين بأن ما يجري قبيل الانتخابات هو مجرد (استهلاك دعائي) سيتبخر بعد إعلان النتائج، وسينسحب المرشحون، خاسرهم ورابحهم، ليعودوا بعد ثلاث سنوات أخرى لتكرار نفس الأساليب في كسب الأصوات والضحك على الناس البسطاء.

أغرب ما نشهده اليوم هو حملات مفوضية الانتخابات ضد بعض المرشحين، فتلك الحملات تبدو مشوّهة بعض الشيء. فكيف يمكن أن يكون نائب حالي أو سياسي معروف أو رجل عسكري ومسؤول في الدولة عليه شبهات فساد أو قضايا مسائلة وعدالة أو حتى شهادة دراسية مزوّرة؟

تُثار هنا تساؤلات مشروعة حول آليات الرقابة في عمل المفوضية ومدى استقلاليتها عن التأثيرات السياسية، وهي تساؤلات يتداولها الشارع العراقي منذ دورات انتخابية عديدة.

لقد أصبح التلاعب بالشهادات الدراسية وتزويرها "موضة" مؤسفة لدى بعض الأشخاص في مواقع المسؤولية، وكأن الشهادة هي التي تكمل شخصيتهم، والعكس هو الصحيح.

فالفرد العراقي لا يريد من المسؤول أن يكون ذا شهادة عالية بقدر ما يريد أن يكون صادقًا، مخلصًا، حريصًا على أداء واجبه، وبعيدًا عن الحرام الذي عشّش في بطون البعض.

يريد المواطن حقوقه البسيطة التي سُلبت منه منذ سنين، وأبرزها أزمات الكهرباء والسكن.

فماذا تقدّم لك الشهادة إن كانت مجرد (ورقة A4) بلا قيمة، إن كان حاملها فاشلًا أو متدنّي المستوى؟

حقيقة الفرد هي التي تضيف للشهادة قيمتها، وليس العكس.

أين خبرة العمل؟ وأين خبرة الحياة؟ وأين التجارب؟

هل كان علماؤنا جميعهم يحملون شهادات أكاديمية؟ الجواب: لا.

وهل كان مسؤولو الأمس يهتمون بها كما يفعل البعض اليوم؟ بالطبع لا.

يا أيها المسؤول، عندما تسعى للحصول على شهادة بأي وسيلة، فاسأل نفسك: بماذا ستضيف إليك؟

هل بمجرد أن يُنادى عليك بلقب (دكتور، مهندس، حقوقي) تصبح مؤهلاً لقيادة الناس؟

الأفضل أن نبتعد جميعًا عن هذه الحالات الشاذة، فالمجتمع أصبح أكثر وعيًا، ويتابع بدقة كل ما يُثار من تساؤلات حول نزاهة بعض المسارات الدراسية والشهادات الرسمية.

وحين أصبحت السلطة بأيدي البعض، بدأوا يتحكمون في مقدّرات البلد، وامتدت أيديهم إلى مواقع القرار، فظهرت مؤسسات تعليمية خاصة لا تهدف بالضرورة إلى تطوير التعليم بقدر ما تمثل مشاريع ربحية، أضعفت الثقة بالقطاع الأكاديمي الأهلي.

فكيف نُفسّر أن قرارات حكومية سابقة ووزارة التعليم العالي حينها كانت تمنع تأسيس كليات وجامعات أهلية جديدة، والاكتفاء بالموجود وتحسين أدائها، بينما جاءت الحكومة الحالية ووزارتها لتفتح عشرات الجامعات الأهلية الجديدة؟

الغاية – كما يراها كثير من المراقبين – هي فتح المجال أمام الاستثمار التعليمي، الذي قد يتداخل أحيانًا مع المصالح السياسية أو الانتخابية، وهو ما يثير علامات استفهام مشروعة تحتاج إلى توضيح رسمي شفاف.

مهزلة بكل ما للكلمة من معنى.

أكتفي بما كتبت هنا، مع كامل الاحترام والتقدير للمؤسسات العلمية الرصينة، التي ما زالت تحفظ للتعليم هيبته ومكانته.

والسلام.

Shafaq Live
Shafaq Live
Radio radio icon