جامعة أم إمبراطورية خاصة؟
د. علي أحمد الزبيدي
في السنوات الأخيرة، شهد التعليم الأهلي في العراق تحوّلات لافتة لم تقتصر على التوسع العمراني أو زيادة عدد الجامعات، بل امتدت إلى أنماط جديدة من الإدارة أقرب إلى السلطة منها إلى الأكاديمية. وفي هذا السياق، أستعيد حادثتين، إحداهما قديمة والأخرى حديثة، لأقارب من خلالهما واقعاً بات يفرض نفسه بقوة: جامعات تُدار بعقلية المستثمر، لا بروح الجامعة.
على هامش إحدى الورش التي أقمناها سابقاً، كان لي لقاء مع أحد عمداء الكليات الأهلية قبل أن تتحول كليته إلى جامعة في الوقت الحاضر. جمعني اللقاء في غرفته الكبيرة؛ ولعلها لم تكن غرفة بقدر ما كانت طابقاً واسعاً يضم مجموعة غرف. والجميل في الأمر أنّه كان يجلس فيها وحيداً قبل أن آتي أنا وبعض الشخصيات العلمية والثقافية.
وفي خضم اللقاء، دار بيننا حوار سريع مفاده أنّ لديه دعماً كبيراً من الوزارة التي ينتمي إليها. سألته: من أين هذا الدعم؟ فقال لي إنّه يتصل بشكل مباشر مع رئيس قسم في الوزارة، وقالها بكل شموخ! كنتُ، كأي مستمع عابر في لقاء ودي مع شخصية نلتقي بها أو تجلس معنا، لم أركّز كثيراً في حديثه، وذلك بسبب وصول بعض الضيوف إلى الغرفة… عفواً، القاعة الكبيرة، التي علق عليها أحد الوزراء في الحكومة السابقة قائلاً: إن هذه القاعة أو الغرفة لا يوجد مثيل لها في مجلس الوزراء. وكان هذا الوزير مع مجموعة من الضيوف الحاضرين.
الأمر لم يكن غريباً؛ فهذا العميد الذي تحول اليوم إلى رئيس جامعة هو نفسه “المستثمر”، ومن الطبيعي أن يعتني بمكان عمله وجلوسه، وهذا حق مشروع، وكما يقال: بفلوسه. لكن هذه الحادثة تغير معناها الآن، بعد أن حصل ما حصل من دعم ولقاءات واتصالات وعلاقات لم تعد مع رئيس قسم فقط، بل مع رؤسائه ورؤسائهم.
تذكرت هذه الحادثة بعد أن أبلغني بعض الزملاء الذين توجهوا إلى إحدى الكليات الأهلية… عفواً، أصبحت (جامعة)، وطلبوا اللقاء مع رئيس الجامعة أو مع المستثمر بشكل مباشر.
الزملاء هم قامات علمية وأكاديمية، لكنهم تفاجؤوا بأن اللقاء مع رئيس الجامعة الأهلية “صعب”، أمّا مع “المستثمر” فهو صعب جداً.
تفاجأ الزملاء أيضاً بلغة الحوار من الشخص الذي استقبلهم. وقال أحدهم: باب الوزير يكاد يكون مفتوحاً، وجامعة أهلية أبوابها موصدة، ويصعب لقاء شخصية ربما كانت في السابق طالباً لدينا! وانتهى الأمر بأن التقوا مدير مكتب رئيس الجامعة، الذي كان – حسب قول الزملاء – “نافش ريشه” ويتحدث معهم بتعالٍ. فقاطعه أحدهم قائلاً: نحن لسنا بطالبي تعيين، لدينا فقط كتاب رسمي نسلمه لكم وانتهى الموضوع. لكن مدير المكتب استمر في التحقيق معهم، ويسأل عن أشياء ربما هو نفسه لا يعرف إجابتها.
انتهت الزيارة، وخرج الزملاء، وبينما كانوا يتحدثون عند باب الخروج عن زيارتهم المُضجِرة ، سمعهم الحارس الذي في الشارع وقال لهم: الكل هنا ليس لديه صلاحية، حتى الكلام… سوى المستثمر!.
جامعات تُكبر جدرانها… وتُصغّر بابها.