أنين الأمهات

أنين الأمهات

خديجة الحمداني

2025-07-20T16:45:09+00:00

في العراق، لا تمر الفواجع مرور الكرام، لكنها أيضًا لا تجد من ينصت جيدًا لأنين الأمهات. في الكوت، حيث امتزجت رائحة الدخان بدموع الأمهات، خسرنا أكثر من 60 نفسًا بشرية في حريق مأساوي واحد… أكثر من 60 روحًا احترقت، وترك كل منها خلفه قلب أم مكسور.

من يتجوّل في مستشفيات واسط بعد الحادث لا يسمع سوى الصراخ، ولا يرى إلا وجوهًا غارقة في الحزن. امرأة تمسح وجه ابنتها الميتة وكأنها ترفض أن تصدّق أن جسدها صار رمادًا. أخرى ترتجف وهي تصرخ: "كان ابني نازل يشتري عشاء، ما ذنبه؟"

لم يكن الحريق الأول، ولن يكون الأخير ما دام الردّ الرسمي هو بيانٌ بارد، يتحدث عن "لجنة تحقيق"، و"محاسبة مقصرين". أي مقصّرين؟ ومن سيعيد الحياة لمن رحل؟ ومن سيضمّد كسر قلوب الأمهات؟

البيوت في الكوت باتت مرتعًا للحزن. امرأة مسنّة تنظر إلى سقف بيتها وتتمتم: "كان حفيدي يتعلّم ويفرح… راح، وراح الضحك وياه". كأن الحياة كلها توقفت، وكأن العراق يعيد نفس المشهد كل مرة، ولكن بأسماء جديدة، وبأمهات جدد.

لماذا تتحوّل الكوارث في العراق إلى أرقام؟ لماذا لا يهتز الضمير الحكومي إلّا للكاميرات؟ من يكتب قدر هذه البلاد بحيث تكون اللا مبالاة عنوان كل مأساة؟

لم تكن فاجعة الكوت مجرد حريق، بل كانت صرخة في وجه الصمت، ودمًا على جبين الإهمال. أكثر من 60 روحًا خمدت في لحظة، وخمسون بيتًا خيم عليه السواد، وأمهات ما زلن يفتشن في الرماد عن رائحة فلذات أكبادهن.

في بلد باتت فيه الحياة رخيصة، والموت بلا معنى، من يعوّض تلك الأذرع الصغيرة التي احترقت قبل أن تعانق الحياة؟ ومن يواسي قلب أم تنتظر ابنها على الباب، ولن يعود أبدًا؟

يا أمهات العراق… أنينكن وجع لا يسكن، ودموعكن لا تجف.

إن كانوا يظنون أن البيان الرسمي يطفئ الحريق، أو أن لجنةً ما ستحمل الحزن عنكن، فليجربوا الجلوس ليلة واحدة إلى جانب أم ثكلى…

عندها فقط، سيعرفون أن الوجع لا يُكتب في البيانات، بل يسكن القلوب إلى الأبد

Shafaq Live
Shafaq Live
Radio radio icon