منظوري للدينار والإصلاح الاقتصادي من خلال ما كتبه د. نبيل المرسومي عنهما

منظوري للدينار والإصلاح الاقتصادي من خلال ما كتبه د. نبيل المرسومي عنهما

د. شوان زنكَنة

2025-12-14T13:03:20+00:00

مع جلِّ احترامي لكم، عزيزي وأستاذي د. نبيل المرسومي، وجلِّ تقديري لعلومكم ومعارفكم، التي طالما استفدتُ منها، آملُ أن تسمحوا لي أن أضعَ النقاط التالية تحت أيديكم، ردًّا وتعقيبًا على ما كتبتموه حول الإصلاح الاقتصادي، قبل أيام، وكما يلي:

1- لم تكن "الورقةُ البيضاء" ورقةَ إصلاحٍ، قطُُّ، ولن تكون، ففيها تسلّطتِ التدابيرُ الخاطئة وفسادُ الحكومة على رقاب الناس، إذ تعرّضُوا للتضخّم بفعلِ تخفيضِ سعر صرف الدينار، وسادَ الركودُ في الأسواق بفعلِ التناقضات في التدابير الاقتصادية، ناهيك عن استغلال مَنْ في السلطة وحاشياتِهم للأزمات الاقتصادية واستغلالها لِجَنْيِ الأرباح وتسريعِ عجلة التهريب.

2- اتّفقُ معكم، أستاذي الكريم، على أن الأزماتِ الاقتصاديةَ في البلدان النامية ناجمةٌ عن أخطاء السياسات الاقتصادية الكلية، واتّفقُ مع جنابكم، أيضا، على ضرورة التعاون مع صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، ولكن، لا اتّفقُ معكم، ولا مع أركان الحكومة العراقية التي صادقتْ على "الورقة البيضاء" المُعَدَّةِ من قِبل البنك الدولي، بمشاركةٍ عراقية صورية، بشأنِ الكثير من البنود والتدابير التي وردة في الورقة البيضاء المشؤومَة.

لا اتّفقُ مع وضع خُططِ معالجة الأزمات الاقتصادية العراقية تحت إمْرَةِ البنك الدولي أو غيره، وإنما أدعو إلى أن تكون الحلولُ عراقيةً بحتةً، وبالتعاون مع المؤسسات المالية الأممية، فالعراق زاخرٌ بالكوادر الاقتصادية الجيدة، سواء داخل الحكومة أو خارجها.

3- السّعْيُ لتخفيضِ سعر صرف الدينار العراقي، في منظوري، جريمةٌ اقتصاديةٌ، لا يجوز اللجوءُ إليه إلا في الحالات الطارئة القصوى، حينما تنعدمُ السبلُ الأخرى، وأمامَ العراق سبلٌ متعدّدةٌ متاحةٌ يمكنها معالجة الأزمات الاقتصادية فيه، كالاقتراض وترشيد الموازنة وإعادة صياغة التموينية والرعاية الاجتماعية، وتنظيم الرواتب والحدِّ من التعيينات وإنهاء العمالة الناقصة، وغيرها، وستكون هذه التدابيرُ مؤلمةً، كما تفضلتم، ولكنها أفضل، حتمًا، من آثار الركود التضخمي التي ستُثقِلُ كاهلَ الأغنياء قبل الفقراء.

4- تعويمُ الدينار العراقي، في الوضع الحالي للاقتصاد العراقي، يتنافَى مع أبسط قواعد الاقتصاد، ناهيك عن تعارضِه مع العقل والمنطق، فالتعويمُ يكون، اقتصادًا، في سوقٍ حرّةٍ مُتوازِنَةٍ، تتوفّر فيها فرصةٌ حقيقيةٌ لتحقيق سعرٍ عادل للصرف، وهذا يستحيلُ تَحقيقُه في اقتصاد العراق الحالي، إذ الطرفُ الوحيدُ الذي يملكُ الدولارَ والعُمْلاتِ الصعبةَ هو البنكُ المركزي العراقي، أما السوقُ العراقية، فهي تحصلُ على العملات الصعبة من البنك المركزي، لأن العراقَ بلدٌ مُستورِدٌ وليس مُصدِّرًا، ومعظمُ التجار لا يملكون العملةَ الصعبة، لأنهم لا يصدرون، بل هم يعتمدون على البنك المركزي في توفير السيولة النقدية الأجنبية، وبالتالي، فليس هناك سوقٌ متوازنة، تتوفّرُ فيها العملةُ الصعبة لدى الجميع، وهي سوقٌ مَحكومَةٌ بما يوفّرُلها البنكُ المركزي من العُمْلات الصعبة، فتستحيلُ المنافسةُ، ويستحيلُ تحقّقُ سعرِ الصرف العادل.

5- سَوْقُ فكرةِ تعويمِ الدينار وخفضِ سعر صرفِه في الأسواق وبين العوام أمرٌ في غاية الخطورة، وهو استباقٌ لاحتمالِِ إجراءات مستقبلية قد لا تقعُ، وإن وقعتْ، فقد لا تكونُ قريبةً، واشغالُ الأسواقِ بهذا النمطِ من الأفكار المَعروضَةِ على شكل حلولٍ، يضرُّ ولا ينفعُ، لذلك، أُوصِي بالابتعادِ عنه، وتركِ فكرة تعويم الدينار وخفض سعر صرفه للحكومة القادمة.

6- عمليةُ الإصلاح الاقتصادي ستكون قاسيةً وكُلفتُها باهضةً على الفقراء وذوي الدخل المحدود والمتوسط، كما تفضلتم، وعلى الحكومة أن تسعَى لتخفيف وَطْأَةِ هذه القساوة والكُلفة من خلال تحسين الأداء الاقتصادي، والأمني، والاجتماعي، وصياغةِ ورقةِ اصلاحٍ وطنيةٍ، بمشاركةِ الجهات المعنية، الحكومة والمجتمع والأسواق، وبمعونةِ المؤسسات المالية المحلية والدولية والأممية.

6- التدابيرُ الاقتصاديةُ الإصلاحيةُ لن تكونَ ناجعةً إلا إذا كانت مقرونةً بنوايا حسنة من ُمتَّخِذِيها، فالفسادُ وسوءُ الإدارة والتدبير أوصلَ العراقَ إلى هذه الحال، واستمرارُه يعني فشل التدابير الإصلاحية، حتما، وأظنّ أن الوقت قد حانَ لأن تأخذَ الطبقةُ المُهمَّشَةُ من النُّخبةِ الوطنية، ورواد الأعمال في الأسواق موقعها في المساهمة البناءة الفاعلة لإدارة دفة الاقتصاد في العراق، سواء قَبلَ مَنْ في السلطةِ أم لم يَقْبَلْ.

Shafaq Live
Shafaq Live
Radio radio icon