محاولة تكريس السيطرة بتصعيد الطائفية

محاولة تكريس السيطرة بتصعيد الطائفية

صادق الازرقي

2021-06-15T18:18:41+00:00

يحاول سياسيون ومناصروهم من بعض رجال الدين بعد فشلهم المريع في تحقيق امن البلد واستقراره، وانكشاف فقرهم الاداري والسياسي الكبير، يحاولون جاهدين ادامة بقائهم في السلطة بأي ثمن كان، حتى لو استمر انحدار العراق من سيء الى أسوأ؛ ولتحقيق ذلك يجاهدون وبسبب اقتراب موعد الانتخابات "على افتراض تحققها" لحرف توجه السكان ومطالبهم المتصاعدة بإقامة مجتمع مدني متحضر.

فطفق سياسيون ورجال دين كرة أخرى يستعملون الاسلوب والسلاح ذاته الذي خبروا نجاعة الاعتماد عليه، سلاحا وحيدا اوحد لتوجيه الجماهير باتجاه التصويت لهم مجددا في الانتخابات وهو الورقة الطائفية، ولكنهم في هذه المرة أرادوا ان يفعلونها بقوة وبصورة مباشرة في سباق مع الزمن قبيل الانتخابات.

ان السبب الأساس الذي تحاول فيه تلك القوى مناهزة الوقت، هو ما رأوه من توحد الشباب العراقي في ساحات الاحتجاجات لاسيما منذ تشرين الاول 2019 وبخاصة في المناطق التي يحلو لهؤلاء ان يتصوروا انها معقلهم الدائم في المحافظات الجنوبية والفرات الأوسط والعاصمة بغداد؛ لقد وحدت تلك الاحتجاجات الناس بتعدد اديانهم ومذاهبهم وقومياتهم وآلفت بينهم على اهداف إنسانية واضحة؛ الامر الذي سبب صدمة كبرى للقوى الطائفية، وتنامت خشيتها من فقدان سلطتها، فهي تريد تكرار اساليبها بالشحن الطائفي بعد ان رأت المقاطعة الكبيرة لجموع الشعب لانتخابات عام 2018 التي فاقت 80% من السكان، وهذه القوى لم تفز بتلك الانتخابات الا بوساطة النسبة القليلة من مريديهم وبالتزوير.

ويظهر انهم وجدوا ان أسلم طريقة بتصورهم لتصويت محافظات الجنوب والوسط لهم هو مغازلة الحس الطائفي الذي قد يتبقى لدى بعض الناس، وهو متواجد فعلا، فارتفعت دعوات من دون حياء لهدم مراقد يقدسها عراقيون آخرون كما انبثقت مطالب لهدم تماثيل ارتبطت بحقب زمنية غابرة مثلما حصل مع تمثال "أبو جعفر المنصور" مؤسس مدينة بغداد؛ والوضع مرشح لمزيد من التصعيد في هذا الإطار مع كل يوم يقترب على موعد الانتخابات التي أعلنت بعض القوى لاسيما من "المدنيين" مقاطعتها منذ الآن.

ان العودة الى استعمال الورقة الطائفية البغيضة يعود بالدرجة الاولى وكما أسلفنا الى تنامي وعي الأجيال الجديدة من الشباب في جنوب ووسط العراق، التي عبرت بتظاهراتها وشعارتها عن سعيها الى وطن يحتويهم ويلبي طموحاتهم في العدالة الاجتماعية والحرية والكرامة ويوفر لهم العمل والسكن والأوضاع المعيشية التي تليق بإنسانيتهم ومنها توفير الدرجة المتميزة من الخدمات، وبعدم تحقيق ذلك وغيره لن يجدوا وطنهم وهو ما قالته شعاراتهم التي رفعوها في جميع ميادين الاحتجاج.

السياسيون ورجال الدين الطائفيون يلمسون بمرارة ان الأجيال الجديدة من الشباب لاسيما من الذين ولدوا بعد عام 2000 نسوا او تناسوا الطرح الطائفي الكريه وهم يتابعون عن طريق وسائل الاتصال كيف تعيش معظم الدول الأخرى متنعمة بخيراتها وتحقق أرقي المنجزات، فيما ترقد مدن العراق في ظل اكوام القمامة وانعدام الخدمات وغياب التصنيع والعمران؛ وترسف في كآبة مطلقة فرضتها عليهم أحزاب انبرت للخطاب الديني والطائفي وروجت له وتمكنت تحت غطائه من سرقة الأموال وتخريب البلد.

هم يفترضون ان خطابهم بالتصعيد الطائفي يقابله تصعيد من الجهة الدينية والسياسية المقابلة التي ارتكبت الأخطاء نفسها، وانهم سيجيشون الجماهير للتصويت لهم ضمن المنطلق الطائفي فيضمن ذلك بقاءهم في السلطة.

لقد حذر مفكرون اوربيون بوقت مبكر من مخاطر تحريض الناس على ما يخالف الطبع البشري في التسامح، قبل ان تستقر دولهم وتغادر لغة التحريض والحروب، وفي هذا يقول، غوستاف لوبون، الطبيب والمؤرخ الفرنسي الشهير في مؤلفه "سيكولوجية الجماهير" ان الجمهور من الممكن ان يسير نحو الأفضل او نحو الأسوأ وكل شيء يعتمد على الطريقة التي يجري تحريضه او تحريكه بها؛ محذرا بالقول ان الفرد المنخرط في الجمهور لا يختلف فقط عن نفسه وهو في الحالة الاعتيادية، وانما نلاحظ انه حتى قبل ان يفقد كل استقلالية فان أفكاره وعواطفه قد تحولت وتغيرت الى درجة القدرة على تحويل البخيل الى كريم والمرتاب الى مؤمن والرجل الشريف الى مجرم والجبان الى بطل.

ان سياسيي الطوائف في العراق الذين تمكنوا بالشحن والتحريض المذهبي من البقاء في واجهة إدارة البلد منذ اسقاط النظام المباد في عام 2003 يسعون الآن وقد اهتزت سلطتهم بفضل وعي الجيل الجديد وبسبب اخفاقهم المخزي في بناء العراق وتحقيق الأفضل لسكانه، الى تسيد الموقف من جديد وأملهم الوحيد بذلك هو اثارة "الفتنة" الطائفية التي كثيرا ما يحلو لهم ان يحذروا منها زورا وبهتانا؛ وفي هذه المرة ارتأوا ان عليهم اثارة الطائفية بأعلى المستويات ليتهجموا على رموز يعدهم آخرون من العراقيين أئمة لهم، او تهديم شواخص رموز تاريخية بحجج مهيأة لمغازلة مشاعر الجمهور، الذي اصبح غير معني بترهاتهم بحسابات الواقع المعاش، ومقاطعة النسبة الأكبر من الجمهور للانتخابات السابقة؛ كما ان الاقتراع المقبل على افتراض انه ينفذ في تشرين الأول 2021 يتعرض منذ الآن الى دعوات كبيرة للمقاطعة من قبل قوى هامة في الحياة السياسية؛ بسبب ما يرونه من تهديد بالتصفية اغتيالا للمرشحين، وهي عمليات طالت بالفعل ناشطين حتى قبل ان يرشحوا انفسهم لأي انتخابات؛ كما ان الناخبين مهددون أيضا بالضغط عليهم لإجبارهم على التصويت لجهات متنفذه تحت تهديد السلاح "المنفلت"، وبالتأكيد فان الجماهير العراقية، وبخاصة من الشباب والنساء، الذين لمس الجميع مواقفهم الموحدة ابان الاحتجاجات، تمقت بأغلبيتها أي خطاب طائفي قد تحاول بعض القوى والجهات التي ثبت فشلها في إدارة البلد اثارته من جديد لغرض الصعود مرة أخرى؛ الجماهير تريد من يحقق لها تطلعاتها في العيش بكرامة؛ بالقضاء على الفقر، وتوفير فرص العمل والسكن، وتصنيع البلد والشروع بالعمران، وتأسيس خدمات متكاملة والسير على نهج النزاهة والعدالة الاجتماعية.

Shafaq Live
Shafaq Live
Radio radio icon