إحالة الموظفين عند الستين.. هل آن أوان مراجعة القانون لتحقيق العدالة الاجتماعية؟

إحالة الموظفين عند الستين.. هل آن أوان مراجعة القانون لتحقيق العدالة الاجتماعية؟

ماجد سوره ميري

2025-08-12T21:35:48+00:00

منذ إقرار قانون التقاعد الموحد في العراق عام 2014، والذي نصّ على الإحالة الإلزامية للموظف عند بلوغه سن الستين، بدأت ترتسم تداعيات اجتماعية واقتصادية خطيرة، مست فئة واسعة من الموظفين، لاسيما من الذين تعيّنوا في وقت متأخر لأسباب خارجة عن إرادتهم، نتيجة للظروف السياسية والاقتصادية التي مرّ بها البلد.

ورغم مرور أكثر من عقد على صدور هذا القانون، إلا أن الواقع الحالي يشير إلى أن الكثير من النصوص فيه أصبحت غير منسجمة مع احتياجات الناس، ولا تتماشى مع معايير العدالة الاجتماعية ولا مع طبيعة سوق العمل، الذي بات يواجه شحا في الكفاءات والخبرات، خاصة في المؤسسات الحكومية.

تأخير قسري في التعيين، ونهاية مبكرة للمسيرة

عانى العديد من الموظفين، خصوصا المولودين في الفترة بين الستينيات ومنتصف السبعينيات، من التهميش والإقصاء خلال العقود الماضية، لأسباب سياسية وأمنية. لم يتح لهم التعيين إلا بعد عام 2003، وغالبا بعد تجاوزهم سن الأربعين، وهو ما حال دون استكمالهم الحد الأدنى من الخدمة (25 سنة) للحصول على مكافئة نهاية خدمة لائقة وراتب تقاعدي يضمن الكرامة.

ومع إحالتهم إلى التقاعد عند الستين، وجد هؤلاء أنفسهم خارج الخدمة العامة في توقيت حساس، دون تعويض عادل عن سنوات الحرمان السابقة، ودون اعتبار لخبراتهم الطويلة أو لحاجتهم المستمرة إلى دخل كريم.

راتب لا يغطي الحد الأدنى من المعيشة

تشير بيانات الهيئة الوطنية للتقاعد إلى أن آلاف المتقاعدين يتقاضون رواتب لا تتجاوز 600,000 دينار شهريا، وهو مبلغ لا يكفي لتغطية الاحتياجات الأساسية في ظل ارتفاع تكاليف المعيشة وتدهور القوة الشرائية للدينار. ويحال هؤلاء إلى التقاعد وهم في ذروة التزاماتهم العائلية، حيث لا يزال لديهم أبناء في الجامعات أو مدارس خاصة، ويواجهون مصاريف طبية متزايدة، دون دعم حقيقي من الدولة.

هدر للخبرات، وفقدان للكفاءات

إن إحالة الموظف تلقائيا عند سن الستين، بصرف النظر عن حالته الصحية أو طبيعة عمله، يمثّل إقصاء تعسفيا للخبرات، وهدرا لطاقات بشرية مؤهلة ومجربة... اذ لا تزال أغلب هذه الكفاءات قادرة على العطاء، خاصة في القطاعات الحيوية كالصحة، والتعليم، والخدمات، التي تعاني أصلا من نقص الكوادر الكفوءة.

في المقابل، تستورد مؤسسات الدولة أحيانا "خبراء" بعقود مرتفعة الرواتب، بينما تُقصي أبناء البلد من ذوي الخبرة بعقدين أو أكثر من الخدمة.

معاناة صحية بلا مظلة تأمينية

تفاقمت التحديات الصحية التي تواجه المتقاعدين، مع غياب منظومة تأمين صحي فعّالة. يعاني كثيرون من أمراض مزمنة كضغط الدم، السكري، وأمراض القلب والمفاصل، بينما لا يغطي الراتب التقاعدي ثمن الأدوية أو الاستشارات الطبية، ناهيك عن العمليات أو الفحوصات الدورية.

هل من إصلاح تشريعي منصف؟

إن الدولة، في سعيها لبناء مجتمع عادل، مطالبة اليوم بمراجعة القانون بما يحقق التوازن بين حاجة المؤسسات للدماء الشابة، وحق الموظف في إكمال مسيرته المهنية بكرامة.. ومن بين الحلول الواقعية التي يمكن دراستها نقترح الآتي:

*رفع سن التقاعد إلى 63 أو 65 عاما، خاصة لمن تم تعيينهم بعد الأربعين.

*احتساب خدمة اعتبارية تعوّض سنوات التأخير القسري في التعيين.

*ربط الحد الأدنى للراتب التقاعدي بمؤشر تكاليف المعيشة والتضخم السنوي.

*إتاحة فرص التعاقد الاختياري للمتقاعدين ذوي الخبرة ضمن عقود استشارية أو جزئية.

*إطلاق برنامج تأمين صحي وطني شامل للمتقاعدين، خاصة من أصحاب الأمراض المزمنة.

إصلاح قانون التقاعد... ضرورة وطنية لا ترف تشريعي

إن إعادة النظر في قانون التقاعد الموحد لا يجب أن يُنظر إليه كترف قانوني أو عبء مالي، بل كضرورة إنسانية ووطنية؛ فمن غير المنصف أن يعامل من تأخر في التعيين قسرا، بنفس معايير من نال فرصته في وقتها؛ ومن غير الحكمة أن تفرّط الدولة بخبراتها الوطنية وهي بأمسّ الحاجة إليها.

والعدالة الاجتماعية تبدأ من هنا: من تشريع منصف يضع الإنسان أولا، ويضمن له ختاما كريما لمسيرته، لا إحالة مبكرة إلى الظل.

Shafaq Live
Shafaq Live
Radio radio icon