بعد أن صمد بوجه صدام وبغداد.. "حليب سباع" في مواجهة أكبر المخاوف

بعد أن صمد بوجه صدام وبغداد.. "حليب سباع" في مواجهة أكبر المخاوف
2020-08-20T17:21:11+00:00

شفق نيوز/ في ناحية كاني ماسي شمالي قضاء زاخو بمحافظة دهوك، يقطن بطرس برواري وهو رجل مسيحي قضى جل حياته في مهنة صناعة العرق المحلي. 

يملك بطرس بستاناً يمتد على مساحة واسعة في منطقة جبلية خلابة، ويستمد من البستان مواده الخام وخاصة العنب لصناعة العرق بطريقة يدوية بدائية.

ويقول بطرس لوكالة شفق نيوز إنه توارث مهنة صناعة العرق المحلي أباً عن جد، وأنه يواصل العمل منذ أن كان شاباً يافعاً يساعد والده في صناعة العرق.

وبشأن طريقة صناعة العرق المحلي وخطواته، يوضح بطرس، "هذا هو الموسم الآن (في الصيف) نقوم بقطف ثمار العنب ونقله الى المنزل ومن ثم نقوم بغليه على النار لثلاث مرات لكي نتجنب الحموضة".

ويضيف أن "العملية سهلة، تحتاج إلى فترة ما بين 15 و20 يوماً، وحسب الأجواء ودرجات الحرارة كي ننتج العرق المحلي".

وبطرس أحد المسيحيين العراقيين الذين كانوا إلى جانب كنائسهم عرضة لهجمات بين فترات متباينة من مسلحين إسلاميين متشددين منذ 2003.

لكن اجتياح تنظيم داعش لشمال وغرب العراق كان له الأثر الأكبر في مغادرة الكثير من المسيحيين لبلادهم إلى خارج البلاد، وذلك عندما خيرهم التنظيم بين المغادرة أو دفع الجزية أو مواجهة حد السيف.

ووفق أرقام رجال دين مسيحيين، فإنه منذ الغزو الأمريكي للعراق الذي أطاح بنظام صدام حسين في عام 2003، تضاءل عدد المسيحيين بنسبة 83 في المئة، من حوالي 1.5 مليون إلى 250 ألف فقط.

ويعيش نحو 85 في المئة من مسيحيي العراق في إقليم كوردستان، حيث يحظون بالأمان على خلاف بقية مناطق العراق.

وبالعودة إلى بطرس فإنه يشكو من ضعف تسويق منتجه بسبب تدفق المنتجات الأجنبية إلى البلاد من خلال الاستيراد.

لكنه يعود بالذاكرة إلى "الفترة الذهبية" لصناعته بالقول، إن "حقبة التسعينيات كانت الفترة الذهبية لإنتاج العرق المحلي، وذلك بسبب ندرة المستورد منه".

ويضيف أن "قنينة واحدة من العرق المحلي كانت تباع بـ25 ديناراً أي ما يعادل أكثر من 50 ألف دينار حالياً (نحو 42 دولاراً)".

وفي العراق اُطلق على العرق "حليب سباع"- السبع=الأسد-، بالإضافة إلى شدته فأن العرق بعد إضافة الماء عليه يصبح كلون الحليب، وسابقاً كان يسخر العراقيون ممن يشرب البيرة والنبيذ، ويربطون شرب العرق بالرجال الشجعان.

لكن اليوم، وكحال العراق المضطرب منذ عقود، شهدت صناعة العرق المحلي تقلبات وصلت في بعض المراحل إلى الزج بأصحابها خلف القضبان.

ويقول بطرس إنه في فترة الثمانينيات إبان حكم نظام صدام حسين كانت صناعة الخمور محظورة محلياً، وأطلق عليه الناس في ذلك الوقت اسم "العرق القجاغ" أي العرق المحظور ويتم تهريبه، مشيراً إلى أن سلطات النظام السابق اعتقلت أبناء عمومته مرات عديدة وزجتهم في السجون بسبب صناعتهم للعرق.

ويردف بالقول، إنه بعد الانتفاضة في إقليم كوردستان مطلع تسعينيات القرن الماضي، تحرر أصحاب صناعة العرق المحلي من القيود وباتوا يعملون بحرية تامة.

وبخلاف إقليم كوردستان، كانت متاجر بيع الخمور عرضة لهجمات متكررة شنها في الغالب متشددون إسلاميون من المذهبين السني والشيعي.

كما أن البرلمان العراقي، وعلى غرار حقبة صدام، أصدر قانونا يحظر فيه استيراد وصناعة الخمور. 

فقد صادق البرلمان العراقي، يوم 22 أكتوبر/تشرين الأول 2016، على قانون يحظر استيراد وتصنيع وبيع المشروبات الكحولية.

وجاء في المادة 14-أ من القانون، أنه "يمنع استيراد وصناعة وبيع المشروبات الكحولية". ويعاقب من يخالف هذا القانون بغرامة تتراوح بين 10 إلى 25 مليون دينار، وفقا للقانون.

وأثار القانون، آنذاك، استنكار المسيحيين وأبناء الديانات الأخرى غير الإسلامية، معتبرين بأنه يخالف الدستور العراقي الذي يمنع أي تشريعات تتناقض مع الحقوق والحريات الفردية.

لكن هذا القانون لم يشكل لحد الآن، أية عقبة أمام بطرس لمواصلة صناعة العرق المحلي الخاص به، رغم تراجع تجارته بفعل السلع المستوردة زهيدة الثمن.

ويقول بطرس إن المنتج المحلي لا يلقى رواجاً بصورة عامة جراء ضعف القدرة الشرائية للمستهلكين وإغراق السوق بالمنتجات المستوردة رخيصة الثمن.

ومثلما تلقى بطرس أولى مفاتيح معرفة صناعة العرق المحلي من والده، فإنه يقوم بتمرير هذه المعرفة إلى أبنائه الذين يقدمون له العون في جميع مراحل صناعة المنتج وصولاً إلى تسويقه ليحافظوا على إرث واحدة من أقدم الصناعات اليدوية في تاريخ العراق والعالم.

Shafaq Live
Shafaq Live
Radio radio icon