الكورد الفيليون.. "بيضة القبان" المهمشة في المعركة الانتخابية

الكورد الفيليون.. "بيضة القبان" المهمشة في المعركة الانتخابية
2025-10-18T18:02:46+00:00

شفق نيوز- بغداد/ واسط

تستعد شريحة الكورد الفيليين إلى المشاركة في الانتخابات البرلمانية العراقية المقررة في 11 تشرين الثاني/ نوفمبر 2025 وسط تحديات سياسية واجتماعية معقدة.

ورغم تخصيص مقعد كوتا واحد فقط للكورد الفيليين في محافظة واسط، إلا أن النظام الانتخابي الجديد الذي جعل العراق دائرة واحدة يمنح أبناء هذا المكون الفرصة للتصويت من أي محافظة لمرشحهم الفيلي.

وتمثل هذه الكوتا، رغم رمزيتها، شريحة واجهت واحدة من أعتى حملات الإبادة والتهميش في تاريخ العراق الحديث، بدءاً من التهجير القسري وسحب الجنسية، وانتهاءً بإقصائهم من مؤسسات الدولة، إبّان حقبتي البكر (1968-1979) وصدام حسين (1979-2003).

لكن في المقابل، تثار تساؤلات وشكاوى حول التمثيل المحدود، ووجود محاولات لاستغلال الكوتا من قبل جهات حزبية، إضافة إلى التحديات المتعلقة بالنفوذ السياسي والمال الانتخابي.

ما يطرح تساؤلات حول التمثيل الحقيقي لهذه الشريحة، ومدى قدرتها على فرض مرشحيها بعيداً عن نفوذ القوى السياسية الكبرى.

وتؤكد المتحدثة باسم المفوضية العليا المستقلة للانتخابات، جمانة الغلاي، لوكالة شفق نيوز، أن "للكورد الفيليين مقعد كوتا واحد في محافظة واسط، لكن لأن العراق دائرة انتخابية واحدة، فإن أي ناخب من المحافظات كافة يمكنه التصويت لمرشح الكوتا الفيلي، ما يوسع قاعدة الدعم للمرشحين".

هذا الإجراء، من وجهة نظر البعض، قد يُسهم في رفع حظوظ المرشحين الفعليين من أبناء هذه الشريحة، لكنه في المقابل يفتح الباب أمام الأحزاب السياسية للتدخل في اختيار المرشحين عبر التمويل والدعم السياسي.

مرشحون فيليون

وفي هذا السياق، يرى السياسي الكوردي الفيلي والمرشح للانتخابات حيدر هشام، أن الكوتا الفيلية في هذه الدورة "ستكون رقماً صعباً لا يُستهان به"، مشيراً إلى أن هناك "إقبالاً كبيراً من الجمهور العراقي، وخاصة الفيلي، على التصويت لمرشح يمثل مظلوميتهم".

ويضيف هشام لوكالة شفق نيوز: "لأول مرة في تاريخ العراق، هناك مرشح شاب فيلي مدعوم من رئيس الوزراء وليس من أحزاب، وهذه نقطة قوة تُحسب لهذا الترشيح".

ويرجح أن المتغيرات التي ستطرأ في الانتخابات المقبلة "ستصب في مصلحة الشعب العراقي عموماً، والكورد الفيليين خصوصاً، لرفع المظلومية".

لكن التحديات لم تغب، إذ يشير مرشح آخر على مقعد كوتا الكورد الفيلية، حيدر علي (أبو تارة)، إلى أن التنافس في واسط "قوي"، لكن المال السياسي يعوق العملية النزيهة.

ويوضح علي لوكالة شفق نيوز أن "بعض المرشحين مدعومون من جهات سياسية تملك المال والنفوذ وتستخدمه لشراء الأصوات".

ويبيّن أن "هناك ثمانية مرشحين على كوتا الفيليين في واسط، سبعة منهم من أبناء المحافظة، وواحد فقط من بغداد، لكن المشكلة أن بعض المرشحين مدعومون من جهات سياسية تمتلك المال والنفوذ، مما يعرقل إمكانية التنافس النزيه".

الجبهة الكوردية الفيلية

من جانب آخر، يشير أمين عام الجبهة الكوردية الفيلية، ماهر رشيد الفيلي، إلى أن الجبهة - تأسست قبل 8 سنوات - تشارك في هذه الانتخابات بقائمة رسمية في بغداد فقط، تضم 15 مرشحاً فيلياً.

ويعبّر رشيد خلال حديثه لوكالة شفق نيوز عن أسفه لنقل مقعد الكوتا من بغداد إلى واسط قائلاً: "كان من المفترض أن تبقى الكوتا في بغداد حيث التعداد الأكبر للفيليين، لكن الاتفاقات السياسية أبعدتها إلى واسط، بينما يشارك في الكوتا هناك أفراد وليس أحزاب".

ويرى كثير من الناشطين والمهتمين بالشأن الفيلي أن هذا التوزيع الجغرافي غير المتوازن، انعكاساً لتهميش ممنهج، إذ تُقدّر أعداد الكورد الفيليين في بغداد وحدها بنحو مليون نسمة، بحسب تقديرات غير رسمية، بينما لا يتم تمثيلهم بشكل حقيقي في البرلمان.

وفي هذا الجانب، يصف مستشار شؤون الكورد الفيليين في البرلمان العراقي، فؤاد علي أكبر، تمثيل الكورد الفيليين في مجلس النواب بـ"المجحف".

ويقول أكبر لوكالة شفق نيوز: "لدينا مقعد كوتا واحد فقط في البرلمان، بينما في مجلس محافظة واسط لدينا مقعدين، وفي بغداد مقعد واحد أيضاً، وهذه مفارقة غير منطقية".

ويضيف: "بحسب قرارات المحكمة الاتحادية، من المفترض مساواة الفيليين بباقي الأقليات، فالمسيحيون مثلاً يمتلكون خمسة مقاعد، بينما أعداد الفيليين تفوقهم، لكن البرلمان لم يطبق هذه القرارات، وهناك استغلال حزبي لكوتا الفيليين، حيث يُدفع بأشخاص لا يمثلون المكون فعلياً، بل يخدمون أجندات سياسية".

"بيضة القبان"

من جانبه، يرى عضو كادر الحزب الديمقراطي الكوردستاني علي حسين قلي خان الفيلي، أن الكورد الفيليين يمثلون "بيضة القبان" في السياسة العراقية، كونهم ينتمون إلى القومية الكوردية والمذهب الشيعي.

ويقول قلي خان لوكالة شفق نيوز إن "الفيلي دعم الأحزاب والتيارات في الماضي، لكن اليوم الفيلي نفسه هو من يحتاج إلى دعم، وللأسف، لا يوجد أي دعم حقيقي لهذه الشريحة منذ عام 2003 حتى الآن، فيما تم حصر كوتا الفيليين في واسط فقط رغم تواجدهم الكبير في بغداد وديالى وغيرها".

ويلفت إلى أن بعض المرشحين مستقلون فعلاً، لكن آخرين مدعومون من جهات سياسية تريد استغلال المقعد لصالحها.

صوت مستهدف

أما أستاذ العلوم السياسية في الجامعة المستنصرية، عصام الفيلي فهو يضع يده على جوهر الأزمة، مؤكداً أن "البيت الفيلي يعاني من محاولات إذابة هويته ضمن قوالب مذهبية أو قومية، وسط صراع سياسي على صوته".

ويقول عصام الفيلي لوكالة شفق نيوز إن "الصوت الفيلي يُستهدف ويُستغل، فبعض القوى تسعى لجره مذهبياً، وأخرى قومياً، وهناك جهات خارجية لا ترغب بظهور هوية فيلية مستقلة، لأنها ترى فيها تهديداً للهوية الجامعة".

ويتابع: "للأسف، الشخصيات التي تصدرت تمثيل الفيليين لم تكن مؤهلة، وغالباً تحولت إلى أدوات حزبية، حتى من دخلوا البرلمان لم يدافعوا عن قضايا المكون، بل تلاشى وجودهم بعد الانتخابات".

ويؤكد أن تمثيلهم النيابي ينبغي أن يكون بخمسة مقاعد على الأقل أسوة بالمسيحيين، بسبب امتدادهم في بغداد وواسط وديالى وكركوك.

ويقترح عصام الفيلي استحداث هيئة عليا لتنظيم شؤون الكورد الفيليين، تكون بمثابة مؤسسة رسمية تعمل على تثبيت الحقوق وتعزيز الهوية الفيلية داخل إطار الأمة الكوردية.

الهيئة التنسيقية للكورد الفيليين

وفي موقف موحد، أصدرت الهيئة التنسيقية للكورد الفيليين في أيلول/سبتمبر 2025 بياناً بشأن الانتخابات المقبلة، دعت فيه إلى "عدم التفريط بالصوت الانتخابي مقابل المغريات"، مشددة على أن "المرشح الفيلي لا يمثل قوميته فقط، بل هو مسؤول عن خدمة العراقيين جميعاً".

وأكدت الهيئة أن "مقعد الكوتا سيكون مفتوحاً لتصويت جميع العراقيين"، مطالبة باختيار "المرشح الكفوء والنزيه والشجاع الذي يدافع عن الحقوق بجرأة".

يُذكر أن الكورد الفيليين - وهم شريحة كوردية شيعية - تعرضوا لجرائم تهجير واعتقال وإبادة ممنهجة إبان نظام البعث في سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي بسبب انتماءاتهم القومية والمذهبية.

وتم ترحيل نحو نصف مليون منهم إلى إيران، وسحب الجنسية من عشرات الآلاف، وغيّب ما لا يقل عن 15 ألف شاب فيلي لم يُعثر على رفاتهم حتى اليوم، رغم الاعتراف الرسمي بجرائم الإبادة الجماعية التي ارتُكبت بحقهم.

وبعد أكثر من عقدين على سقوط النظام السابق، لم تُحل غالبية ملفاتهم العالقة، وأبرزها الجنسية والمفقودين والتعويضات واسترجاع الأملاك والتمثيل السياسي.

Shafaq Live
Shafaq Live
Radio radio icon