زلزال "الوقائع" العراقية.. ما حدث في بغداد يستشعره لبنان واليمن
شفق نيوز- بغداد/ بيروت/ صنعاء
رغم مرور 17 يوماً على نشر قرار إدراج حزب الله اللبناني وجماعة أنصار الله اليمنية (الحوثيون) ضمن قوائم "تجميد أموال الإرهابيين" في جريدة الوقائع العراقية الرسمية، أثار القرار اليوم الخميس عاصفة سياسية وإعلامية واسعة، ما اضطر الحكومة العراقية إلى التراجع عملياً عنه ووصفت ما حدث بـ"الخطأ الفني"، بعد أن كان القرار قد أصبح نافذاً قانونياً منذ الشهر الماضي.
وتزامن هذا الجدل مع تداعيات إقليمية حساسة تتعلق بالصراع الدائر في المنطقة ومنظومة التحالفات الممتدة بين العراق و"محور المقاومة"، إضافة إلى ضغوط دولية متصاعدة للحد من نفوذ الأذرع المسلحة المرتبطة بإيران.
الضغوط الإقليمية
وفي هذا السياق، يرى الكاتب والمحلل السياسي اللبناني أمين بشير أن ما حصل في العراق لا يمكن فصله عن المشهد الإقليمي، "فما جرى ينسجم مع سياق دولي يسعى إلى تحجيم إيران وتقليص نفوذ أذرعها المسلحة في الدول العربية، خصوصاً بعد عملية طوفان الأقصى عام 2023 بات واضحاً أن هناك توجهاً دولياً لسحب الأذرع الإيرانية من المنطقة وحصر السلاح بيد الدول".
ويشير بشير، خلال حديثه لوكالة شفق نيوز إلى أن العراق، مثل لبنان، يواجه ملف السلاح غير الرسمي، لذلك "القرار يأتي كرسالة لإيران بضرورة سحب فصائلها من الدول التي تنشط فيها".
ويلفت الانتباه إلى أن "تردد العراق بعد اتخاذ القرار هي محاولة لجس نبض الشارع، وثم التراجع عنه هو أمر مفهوم، لتجنب أي صِدام داخلي وإراقة للدماء، على غرار ما اختارته الحكومة اللبنانية حين دفعت باتجاه تدويل ملف السلاح لتفادي فتنة داخلية".
الموقف اليمني
ومن صنعاء، يقول الكاتب والمحلل السياسي المقرب من جماعة الحوثيين، حامد البخيتي، إن الحكومة اليمنية في صنعاء لا ترى القرار مدعاة لتأزيم العلاقات مع بغداد: "نحترم أن القرار صادر عن لجنة حكومية عراقية، وقد يكون اتخذ عن طريق الخطأ، كما أن العلاقة بين اليمن والعراق تاريخية وأخوية ولن تتأثر بمثل هذه الإجراءات".
ويؤكد البخيتي لوكالة شفق نيوز، أن "أنصار الله تنظر إلى العراق بمحبة وتقدير كبير، ولا نعتقد أن قراراً فنياً (خاطئاً) من هذا النوع يمكن أن يؤثر على مستوى العلاقات بين البلدين".
تفسير سياسي
أما في الداخل العراقي، فيعبر الباحث في الشأن السياسي صباح العكيلي عن صدمة واسعة عقب نشر القرار قائلاً: "تفاجأنا بقيام البنك المركزي بتصنيف حزب الله والحوثيين كمنظمات إرهابية، فهذا القرار غير مسبوق ويخالف توجهات الدولة العراقية التي كانت وما تزال تدعم القضية الفلسطينية، كما يتعارض مع المزاج الشعبي والمرجعيات الدينية".
ويعتبر العكيلي، خلال حديثه للوكالة، أن تصنيف جهات تواجه "الاحتلال الإسرائيلي على أنها إرهابية أمر معيب"، مرجحاً وجود ضغوط مورست على اللجنة، أو "تنسيق مسبق" قد يكون هدفه – بحسب قوله – كسب رضا الإدارة الأميركية ودعم فرص محمد شياع السوداني في الحصول على ولاية ثانية.
"خطأ فني"
من جانبه، يوضح رئيس حزب أمارجي قصي محبوبة أن ما جرى لا يحمل أبعاداً سياسية، بل هو خطأ إداري في آلية التعامل مع القوائم الدولية.
ويشرح محبوبة، وهو - قيادي في ائتلاف الإعمار والتنمية بزعامة السوداني، في حديثه لوكالة شفق نيوز أن "العملية كانت فنية بحتة، إذ أن لجنة البنك المركزي العراقي تتعامل مع قوائم تصلها من الأمم المتحدة بشكل روتيني، ومن الواضح أنها نقلت القائمة كما هي دون تدقيق أو الرجوع إلى الموقف الرسمي العراقي حيال الجهات المذكورة".
ويضيف أن "العراق لديه قوائمه الخاصة ولا يتخذ مواقف سياسية تجاه حزب الله أو الحوثيين، لكن اللجنة تعاملت مع القائمة بوصفها أمراً مسلّماً، بينما هي ليست كذلك، حيث إن العراق يتعامل بحيادية مع جهات قد تكون مصنفة في دول أخرى، ولا يدخل ذلك ضمن توجهات أو مواقف عراقية".
وخلص محبوبة إلى أن الخطأ تم اكتشافه ومعالجته، وهو ما ينسجم مع التوضيحات التي صدرت عن البنك المركزي ولجنة تجميد أموال الإرهابيين، والتي أشارت إلى أن إدراج الحزبين جاء نتيجة نشر القائمة قبل تنقيحها.
توضيح وتحقيق
يذكر أن السلطات العراقية سرعان ما تراجعت عملياً عن إدراج حزب الله اللبناني وجماعة "أنصار الله– الحوثيين" في قوائم تجميد أموال الإرهابيين، بعد نشر توضيح رسمي ووثيقة صادرة عن البنك المركزي العراقي، تؤكد أن موافقة بغداد اقتصرت على الكيانات والأفراد المرتبطين بتنظيمي داعش والقاعدة حصراً.
كما وجه رئيس مجلس الوزراء العراقي المنتهية ولايته محمد شياع السوداني، بإجراء تحقيق "عاجل" بشأن قرار تجميد أموال حزب الله اللبناني وجماعة الحوثي المدرج ضمن جريدة الواقع الرسمية العراقية، والذي أثار جدلاً واسعاً في الأوساط السياسية خاصة التي تدعم ما يسمى "محور المقاومة" في البلاد.
وكانت السلطات العراقية- لجنة تجميد أموال الإرهابيين، أدرجت حزب الله اللبناني، وجماعة "أنصار الله- الحوثيين" في اليمن على قوائمها، تنفيذاً لحزم من قرارات مجلس الأمن الخاصة بمكافحة الإرهاب وتمويله، وذلك بحسب ما ورد في العدد 4848 من جريدة الوقائع العراقية الصادر في 17 تشرين الثاني/ نوفمبر 2025.
ومنذ عام 2003 حاولت الحكومات العراقية الحفاظ على مسافة رسمية من الصراع في اليمن ومن المواجهة بين إسرائيل وما يعرف بـ"محور المقاومة"، واكتفت غالباً بالدعوة إلى حلول سياسية وتخفيف التصعيد.
في المقابل نشأت على مستوى الفصائل الشيعية المقربة من إيران شبكة أوسع من الارتباطات مع جماعة الحوثيين في اليمن وحزب الله اللبناني، سواء على مستوى التنسيق السياسي والإعلامي أو عبر قنوات الدعم اللوجستي والمالي.
"وحدة الجبهات"
ومع اندلاع حرب غزة عام 2023 برزت أكثر فأكثر فكرة "وحدة الجبهات" داخل هذا المحور، إذ أعلنت فصائل عراقية مسلحة والحوثيون عن سلسلة عمليات مشتركة بطائرات مسيرة وصواريخ استهدفت أهدافاً في إسرائيل والملاحة البحرية، في حين نظمت فصائل أخرى حملات تبرع علنية لصالح الحوثيين وقدمت نفسها جزءاً من جبهة واحدة تمتد من بغداد إلى صنعاء وبيروت.
أما في ما يخص حزب الله اللبناني فالعلاقة تتموضع ضمن الإطار نفسه، إذ تنتمي فصائل عراقية نافذة إلى محور تدعمه طهران وتستند إلى تجربة حزب الله العسكرية والتنظيمية.
ووثقت الخزانة الأميركية في الأعوام الأخيرة شبكات عراقية متهمة بتهريب النفط الإيراني على أنه نفط عراقي، أو بتبييض أموال لصالح الحرس الثوري، وحزب الله، عبر شركات واجهة وعقود حكومية، ما أدى إلى إدراج رجال أعمال وشركات عراقية على قوائم العقوبات بدعوى دعم جماعات تصنفها واشنطن "إرهابية".