ثقافة إيلام الفيلية تحت ظل الحداثة: ناقوس خطر الانفصال الهويّاتي في قلب زاغروس

ثقافة إيلام الفيلية تحت ظل الحداثة: ناقوس خطر الانفصال الهويّاتي في قلب زاغروس
2025-10-29T17:47:07+00:00

شفق نيوز- إيلام الفيلية

لقرون طويلة، تنفّست في قلب جبال زاغروس ثقافة صنعت هوية شعب إيلام من خلال لغته وأزيائه وطقوسه وموسيقاه، غير أنّ هذه الثقافة اليوم، وفي ظلّ صمت متزايد وتحت وطأة الحداثة والإهمال، آخذة في الاندثار تدريجيا.

وذكر تقرير لوكالة مهر الإيرانية، ترجمته وكالة شفق نيوز، إن الثقافة تشكل مجموعة من العناصر تشمل اللغة والأزياء والعادات والطقوس والموسيقى والمأكولات وأساليب التفاعل الاجتماعي، وقد تشكّلت هذه المكوّنات عبر الأجيال وتوارثتها المجتمعات عبر الزمن. وفي محافظة إيلام الفيلية، ترسّخ هذا الإرث الغنيّ والعميق في نسيج الحياة اليومية للناس، متجلّيا في تنوّع اللهجات المحلية، والأزياء الكوردية التقليدية، والطقوس الدينية، والموسيقى الشعبية ذات الطابع الطقسي.

ومع أنّ إيلام تمتلك تاريخا عريقا وتقاليد متأصلة من اللغة الكوردية الفيلية الإيلامية واللباس التقليدي والموسيقى الطقسية والعادات الاجتماعية الفريدة التي كانت يوما ما جزءا من الحياة اليومية، إلا أنّ العديد من هذه العناصر الثقافية باتت اليوم عرضة للنسيان في ظلّ تأثيرات الحداثة والهجرة وتغيّر أنماط الحياة وإهمال المؤسسات الثقافية.

لقد أصبحت مظاهر الثقافة الكوردية في إيلام تشاهد فقط في المناسبات والاحتفالات الخاصة، فاللباس الكوردي لم يعد يرتدى إلا في بعض الأعياد، واللغة الأمّ لم تعد تسمع كثيرا بين الأجيال الجديدة، والموسيقى المحلية حلت محلها الأغاني التجارية، وحتى الأطعمة التقليدية مثل "ترْخينة" و"آش دوغ" بدأت تتحول إلى مجرد ذكرى.

تشير الدراسات إلى أن تراجع الثقافة المحلية بين أبناء إيلام يعود إلى غياب السياسات الداعمة من المؤسسات الثقافية والتعليمية لحماية وتعزيز التراث المحلي، إضافة إلى تأثير الهجرة والانفتاح الواسع على ثقافات أخرى، وضعف الإعلام المحلي في عرض المكوّنات الثقافية الإيلامية، مقابل هيمنة المحتوى غير المحلي، فضلا عن الاستخدام المفرط لوسائل التواصل الاجتماعي واستلهام أنماط الحياة من ثقافات خارجية.

إنّ نسيان الثقافة المحلية لا يعني فقط فقدان نمط حياة تقليدي، بل يؤدي إلى انقطاع هويّاتي بين الأجيال؛ فحين لا يتحدث الأطفال الإيلاميون لغتهم الأم، ولا يعيشون طقوسهم المحلية، ينقطع ارتباطهم بجذورهم الثقافية، ما قد يفضي مع مرور الوقت إلى فقدان الهوية الثقافية، وضعف الثقة الاجتماعية، وأزمات نفسية محتملة.

ورغم ذلك، تبذل بعض الجهود الفردية لإحياء الثقافة الإيلامية، من خلال إقامة المهرجانات المحلية، وتصميم الأزياء التقليدية على أيدي نساء رائدات في مجال ريادة الأعمال، ومحاولات الفنانين إحياء الموسيقى التراثية؛ إلا أن هذه المبادرات تبقى محدودة، متفرقة، ومن دون دعم مؤسسيّ كاف، ولذلك لا تحدث تأثيرا مستداما في حفظ هذا التراث العريق ونقله للأجيال القادمة.

ويؤكد الخبراء أنه إذا أتيح للثقافة الإيلامية أن تتجلّى في تفاصيل الحياة اليومية، وأن تجد مكانها في التعليم والإعلام والسلوك الاجتماعي، فإنها لن تنجو فقط من خطر النسيان، بل ستتحول إلى عنصر حيّ ومتجدّد في هوية الإنسان الإيلامي المعاصر؛ ثقافة تمتد من الماضي لتتصل بالمستقبل، وتنشئ جيلا يعتزّ بلباسه الكوردي، ويتحدث بلغته الأم، ويعيش أنغام زاغروس لا سماعا فقط، بل روحا وحياة.

ضرورة إحياء الثقافة الإيلامية

ونقل التقرير عن أحد الخبراء في الشأن قوله: "إنّ الثقافة والحضارة الإيلامية تعدّ من أقدم وأغنى الموروثات الثقافية في إيران، وقد تشكّلت في قلب جبال زاغروس، وظلّت قرونا حاضرة في حياة سكان المنطقة؛ هذه الثقافة ليست مجرد مجموعة من اللغة والأزياء والعادات والموسيقى، بل هي انعكاس لهوية وتاريخ ورؤية عالمية لشعب ارتبط بعمق مع طبيعته ومعتقداته ونظامه الاجتماعي".

وأضاف إحسان قاسمي: "رغم هذا العمق التاريخي، نشهد في العقود الأخيرة اتجاها مقلقا نحو نسيان تدريجي لهذه الثقافة. فالهجرة الواسعة إلى المدن الكبرى، وتغيّر أنماط الحياة، وتراجع دور الأسرة في نقل القيم الثقافية، واستنساخ نماذج ثقافية أجنبية عبر الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي، كلها عوامل أدت إلى تلاشي العديد من العناصر الثقافية الإيلامية من الحياة اليومية؛ كما أن غياب السياسات الداعمة من المؤسسات الثقافية والتعليمية سرّع من هذا التراجع وجعل الثقافة المحلية تهمّش أمام التيارات الثقافية السائدة".

وأكد قاسمي أنّ انعكاسات هذا النسيان لا تقتصر على اختفاء الرموز الثقافية، بل تتعداها إلى آثار اجتماعية ونفسية عميقة، منها الانفصال بين الأجيال، وضعف الانتماء للجذور، وتراجع الثقة بالنفس الجماعية، وتكوّن نوع من الفراغ الهويّاتي لدى الجيل الجديد.

وقال إن "اندثار اللغة الأمّ والطقوس التقليدية والزي المحلي والموسيقى الشعبية لا يمسّ الفرد فقط، بل يهدد التماسك الاجتماعي والاستقرار الثقافي في المنطقة."

ودعا قاسمي إلى اتخاذ خطوات عملية لإحياء الثقافة الإيلامية، مثل: تدريس اللغة الأمّ في المدارس، وإنتاج محتوى ثقافي محلي في وسائل الإعلام، دعم الفنانين والنشطاء الثقافيين، وإقامة المهرجانات والمناسبات التراثية، وتهيئة الفضاءات العامة لإحياء الطقوس والموسيقى التقليدية.

كما شدّد على ضرورة تعزيز دور الأسرة في نقل التراث الثقافي، واستلهام النماذج المحلية الإيجابية في الفضاء الرقمي، لما لذلك من أثر في إعادة بناء جسور التواصل بين الأجيال وترسيخ الهوية الثقافية لإيلام.

وفي الختام، فإن الثقافة الإيلامية، رغم غناها التاريخي والروحي، تواجه اليوم خطر الاندثار والضعف، غير أنّ هذا المسار قابل للعكس إن تكاتفت جهود الجميع، من المواطنين إلى المسؤولين، في سبيل حفظ هذا الإرث وإحيائه.

الأمل معقود على أن تتوحّد الإرادة العامة لإعادة الحياة إلى الثقافة المحلية في إيلام، لتبقى نابضة في وجدان الأجيال القادمة، شاهدة على أصالة الماضي وركيزة لمستقبل أكثر وعيا واعتزازا بالهوية.

ترجمة: وكالة شفق نيوز

Shafaq Live
Shafaq Live
Radio radio icon