الطبيبة "بان" قضية من؟!

الطبيبة "بان" قضية من؟!

احمد حسين

2025-08-17T14:23:32+00:00

قُتلت أم انتحرت؟

كل يوم وفي كل مدينة عراقية من جنوبه إلى شماله ومن شرقه إلى غربه، تحدث جريمة أو جرائم قتل، وحالة أو حالات انتحار، وبالتأكيد ومن دون مزايدات فجميع الجرائم مدانة وكل حالات الانتحار محزنة، وبحكم عملي كصحفي فقد أصبحت هذه الأخبار روتينية لكثرة ما تردنا يومياً من المراسلين والمصادر الأمنية والمحلية الخاصة، طبعاً لكل جريمة وحالة انتحار ظروفها وتأثيرها لكنها في النهاية موت إنسان مهما كان جنسه وعمره ووظيفته ومركزه الاجتماعي.

جريمة قتل الطبيبة النفسية "بان زياد طارق" من محافظة البصرة لا تختلف عن غيرها من جرائم، في حال ثبت فعلاً أنها قُتلت، وكذلك الأمر في حال أنها انتحرت قضيتها، فلماذا هذه الضجة "المفتعلة" حتى وصل الأمر إلى أن مجلس النواب العراقية يشكل لجنة نيابية خاصة لمتابعة القضية، وهنا من حقي كمواطن عراقي ومن حق أهالي جميع الضحايا ممن قُتل أو انتحر أبنائهم أو بناتهم، أن نتساءل: هل الطبيبة بان أهم لدى مجلس النواب ووسائل الإعلام ومنظمات المجتمع المدني من غيرها، وما الذي يميزها عن آلاف الضحايا الآخرين؟، أليسوا هم عراقيون أيضاً وبشر، أم أن مجلس النواب والإعلام و"النسويين والنسويات" لا يقيمون للضحايا الآخرين أية قيمة؟!.

بالنسبة ليّ وبحكم التجربة، أرى أن الضجة الإعلامية بخصوص قضية الطبيبة "بان" تقف خلفها جهتان، إحداهما "مشعلو الحرائق" وهي جهة لا يهدأ لها بال إلا عندما تكون الأوضاع في العراق مضطربة وتحديداً في وسط وجنوب العراق، وهذه الجهة متعددة الجنسيات وهي على أربعة أقسام: بعثية، طائفية، سياسية، مدنية (منظمات وتجمعات تتستر بستار حقوق الإنسان والمرأة والطفل..... إلخ).

القسم الأول هو حاقد على التغيير السياسي في العراق لأن التغيير طرده من دائرة الضوء (البعث)، والثاني ناقم على وصول الشيعة والكورد إلى سدة الحكم وتحوله هو من "الحاكم بأمر الله" إلى المحكوم بأمر الشيعة والكورد ومجرد لاعب احتياطي لا أكثر (الطائفيون)، والثالث أحزاب وشخصيات كانت تحظى بمساحة في دائرة صنع القرارات لكنها باتت خارج هذه الدائرة ولذلك فهي تعمد إلى التسقيط بأي وسيلة كانت من دون حتى مراعاة شرف الخصومة، والقسم الرابع هم "الببغاوات" التي لا وظيفة لها سوى نقل رسائل السفارات والعمل على تنفيذ إجندات خارجية بغض النظر عن الحقيقة أو تلاءم هذه الإجندات مع ثقافة أو وعي أو متبنيات المجتمعات العراقية (المنظمات المدنية).

أما الجهة الأخرى فهي "الناعقون مع كل ناعق" وهؤلاء المساكين بلا عقل ولا وعي ولا فكر ولا ثقافة، وهم الفئة الأكبر، وهؤلاء يمثلون "عقلية القطيع" وهم وللأسف الشديد يرددون من حيث يعلمون أو لا يعلمون ما تضخه الماكنة الإعلامية للجهة الأولى "مشعلو الحرائق".

لكن هناك جهة ثالثة وهي الأقل عدداً والأكثر صدقاً، وهم الباحثون عن الحقيقة بتجرد كامل من المشاعر والعواطف والضجيج الإعلامي، وهذه هي الجهة المغلوبة على أمرها والتي لا يُسمع لها قول، على الرغم من أنها لا تبحث عن الحقيقة فقط من أجل إرضاء نفسها بل لتوضيح الحقيقة للآخرين لكي يغادرون "عقلية القطيع"، لكن لا صوت لهم، ورغم ذلك هم لا يسكتون في محاولة "يائسة" منهم لانتشال الناس من الصحافة والإعلام والسوشال ميديا "المأجورة".

بداية دعونا نسأل أنفسنا، من هي الجهة الأحق قانونياً وعشائرياً واجتماعياً وثقافياً بالمطالبة بالحقيقة، "مشعلو الحرائق"، أم "عقلية القطيع"، أم "الباحثون عن الحقيقة"، أم عائلة الضحية -سواء كانت منتحرة أم مقتولة-؟.

لا يحق لأي جهة كانت الادعاء أنها الأحرص على دم الضحية "بان" سواء كانت مقتولة أم منتحرة سوى عائلة الضحية نفسها، إن كانت العائلة تقول إنها انتحرت فلا يحق لأحد ادعاء غير ذلك، إلا أن كان حاضراً وقت تنفيذ الجريمة إن كانت مقتولة، كما لا يحق لأحد الادعاء أنها انتحرت إلا إذا كان شاهداً على أنها قتلت نفسها.

لا يحق لأحد الجزم بكيفية انتهاء حياة الطبيبة "بان" إلا من حضر الواقعة في لحظتها أو الأدلة الجنائية، وكل من يدعي غير ذلك فهو أما من "مشعلي الحرائق" أو "منقاد"، ولا يحق لأي أحد أن يتبنى قضية "بان" سوى عائلتها وعشيرتها وكل من يتصدر لذلك بالنيابة عن ذويها فهو صاحب أجندة سياسية بلا أدنى شك لديّ.

هذا ملخص سريع ومختصر لواقع الحال، لكن الأهم منه هو هذا السؤال: هل تعلم أن الصحفي والإعلامي -إلا ما ندر- بإمكانه أن يقنعك بشكل تام وواقعي ومنطقي بأن ما تراه بعينيك وتسمعه بأذنيك هو غير ما تراه عيناك وما تسمعه أذناك؟، هل تصدق ذلك؟.

سأجزم وأؤكد أنك تصدق ذلك وتقدم عقلك بكل امتنان لهذا الصحفي أو الإعلامي الذي يتلاعب بك وبعائلتك ومجتمعك ووطنك، لماذا أجزم بهذا وأنا من الوسط الصحفي؟، بكل بساطة لأنك تجزم مقدماً ومن دون أي دليل أن الضحية "بان" انتحرت، أو أنها قُتلت، هكذا هو الأمر ببساطة، نحن من نجعل من الشيطان نبياً ومن النبي شيطاناً وأنتم تصدقوننا عندما يتناغم الأمر مع مشاعركم وعواطفكم ومتبنياتكم الفكرية والعقائدية والثقافية والسياسية والاجتماعية سواء كانت بعثية أو حزبية أو طائفية أو عنصرية أو مناطقية أو مدنية أو ثقافية، نعم هذه هي الحقيقة المرة، نحن من نتلاعب بكم، نحن من يؤجج الرأي العام من أجل لا شيء، ونحن من يهدء الرأي العام من أجل قضية حقيقية.

Shafaq Live
Shafaq Live
Radio radio icon