رئيس حكومة يتبرع؟!
احمد حسين
يعد التكافل الاجتماعي من أنبل المبادرات الإنسانية فردية كانت أو جماعية، فهي تدل على حيوية المشاعر والتعاون والتعاطف فيما بين أفراد المجتمعات كما أنه يساعد بشكل فاعل على تقوية الوشائج والعلاقات الاجتماعية، فضلاً عن أنه يمثل وسيلة لمعالجة مشكلة فردية أو عائلية أو فئوية تحافظ على كرامة الشخص أو الفئة المستهدفة لكونه عملاً جماعياً تطوعياً لا يضطر المستهدف إلى الاستعطاء من الآخرين على الرغم من حاجته الماسة لهذه المعونة.
وكما هو معروف فإن المتبرعين أو المتطوعين أربعة أصناف، أكثرهم نبلاً هو الذي يقدم المساعدة من دون أن يعلن عن نفسه ولا عمن ساعده، وهناك صنف يبادرون للمساعدة ويعلنون عنها لكنهم في داخلهم لا يقصدون بذلك المنّة بل يحاولون تشجيع الآخرين على المبادرة أو لأنهم يحبون أن يُظهروا للناس أنهم يحملون مشاعر إنسانية، لكن الصنف الثالث ذاك الذي يجعل من المساعدة وكأنها مزايدة وتحدٍ لمن يدفع أكثر، أما الرابع وهو فهو الذي لا همّ له ولا هدف سوى الاستعراض أمام الآخرين والظهور بمظهر مغاير تماماً لحقيقته وغايته تجميل صورة قبيحة هو يعلم جيداً أنها مفضوحة للآخرين فيحاول تجميلها بمثل هكذا مبادرات.
هؤلاء الأربعة هم من نعرفهم واعتدنا عليهم منذ سنين وعقود من الزمن في العراق، لكن في الأيام الأخيرة ظهر صنف آخر من العدم غير مألوف ولا معهود سابقاً، والفضل في ظهوره هو "فعالية الغرفة الزجاجية"، هذه الغرفة التي ادعى من يقفون خلفها بأنها تعد الأولى من نوعها في العراق وهذا غير صحيح، فصناديق التبرعات سواء كانت زجاجية أو خشبية أو حديدية منتشرة منذ سنين طويلة في المحال والأسواق والشوارع والمساجد والحسينيات والمراقد المقدسة في جميع المحافظات العراقية.
كما أن "الغرفة الزجاجية" نفسها التي ظهرت فجأة في ساحة التحرير وسط العاصمة بغداد ليست بالجديدة فقد سبقتها غرف أو بوصف أدق أكشاك زجاجية -تختلف قليلاً في الشكل والحجم- تابعة لمؤسسة "العين" الخيرية، منذ سنوات عدة.
ليس هذا ما يعنيني، بل الصنف الخامس هو ما أثارني، وهم المتنفذون في الحكومة ودائرة صنع القرار، هم من أثاروا استغرابي وضحكي حتى، إذ يبدو وبما لا يقبل الشك أنهم لا يعرفون مهامهم وواجباتهم وما عليهم فعله وما يجب أن يفعلوه نهائياً لأنه يدل على أنه يجهلون وظيفتهم.
أيها السادة التكافل الاجتماعي والمبادرات والمساعدات الإنسانية هي من مهام المنظمات الخيرية وليس الحكومات، وهي عمل تطوعي فردي أو شعبي لكون المواطن ليس بصاحب قرار ولا سلطة لديه لمساعدة المحتاجين فيجد في التكافل ضالته، أما أنتم فلديكم دولة وحكومة ومجلس نواب ومؤسسات جميعها وظيفتها وواجبها ومهامها هي إعداد القوانين وإقرارها لحل المشاكل التي يعاني منها المواطن، لديكم وزارة العمل والشؤون الاجتماعية التي تمتلك ميزانية تعادل ميزانية إحدى دول الجوار ومهمتها الأساسية هي مساعدة المحتاجين، فعندما تقومون أنتم بالتبرع ضمن حملات شعبية فهذا دليل على أنكم لا تفقهون شيئاً من تكليفكم، أو أنكم بالأساس المسؤولون عن هذه الغرفة، وفي كلا الحالتين الأجدر بكم ترك مواقعكم التنفيذية والتشريعية والحزبية وتأسيس منظمة خيرية لتبهرونا بجودكم وكرمكم وإنسانيتكم.