بين الأناقة وغلاء الأسعار.. نساء العراق في مأزق الثياب اليومية
شفق نيوز- بغداد
تنفق النساء على شراء الثياب كما هو معروف أضعاف ما ينفقه الرجال على ذلك، لكن مصروفات النساء على الثياب تتباين تبعاً لموقع المرأة الاجتماعي ووضعها المالي، فثمة شريحة الموظفات والعاملات في شركات القطاع الخاص وربات البيوت، أما اللواتي ينتمين إلى طبقات اجتماعية أرستقراطية، فوضعهن يكون مختلفاً، ومعدلات إنفاقهن ترتفع بشكل يفوق الخيال.
أما في المستويات الاعتيادية، تتقدم الفتيات والنساء الموظفات في القطاعين العام والخاص من حيث الإنفاق والإقبال المتواصل على شراء الثياب على أقرانهن من الشرائح الاجتماعية الأخرى، إذ يفرض الدوام على الموظفات تغيير ملابسهن وحقائبهن باستمرار، إلا أن ارتفاع أسعار الملابس النسائية يعد من أبرز المشاكل التي تواجهها النساء في هذا المجال.
في هذا الصدد، تقول بسمة الأغا الموظفة في وزارة الكهرباء، إنها "كانت تشتري من 8 إلى 10 قطع من الثياب لكل فصل من فصول العام، لأن الأسعار كانت مناسبة نوعاً ما خلال الفترة الماضية".
وتضيف في حديثها لوكالة شفق نيوز، أنها "تنفق حالياً أكثر من 400 ألف دينار شهرياً على شراء الملابس والأحذية والحقائب والمستلزمات الضرورية الأخرى"، مشيرة إلى أن "الدوام اليومي يتطلب تغيير الملابس، وأنها اعتادت أن لا ترتدي ذات الثياب إلا بعد مرور أكثر من عشرة أيام على ارتدائها آخر مرة".
وتنوه أن "ارتفاع أسعار الثياب أصبح من المشاكل الكبيرة التي تستنزف رواتب الموظفين، لأن أسعار الثياب في الأسواق المحلية توازي أسعار الماركات، لكنها لا تتمتع بذات الجودة".
بعض النساء والفتيات لا يحددن مبلغاً معيناً لشراء الثياب شهرياً، بل يقتنين في كل مرة يخرجن فيها ما يشاهدنه ويعجبهن من الثياب، ومن هؤلاء النسوة، التدريسية حنان البحراني التي تؤكد أنها "لا تضع ميزانية محددة لشراء الثياب".
وتوضح في حديثها للوكالة، إن "شراء الثياب
يكون بحسب الحاجة، فحين أكون مدعوة في سهرة أو احتفالية أو مناسبة خاصة، فاشتري
فستاناً مناسباً"، لافتة إلى أن كلفة الفساتين في هذه الفترة لا تقل عن 500
ألف دينار.
تشير البحراني أنها "تشتري في الأيام العادية الملابس التي
تراها مناسبة، وحين تخرج إلى السوق لم تكن تخطط لشراء ثياب، لكن تجذبها بعض الثياب
في المحال التجارية فتشتري ما يناسبها".
وتلفت البحراني إلى أن "الأناقة مطلوبة جداً بالنسبة للنساء، وأن تغيير الثياب يجدد النشاط والحيوية ويجعل المرء يشعر بالغبطة والرضا"، مؤكدة أن معدل إنفاقها الشهري على الثياب لا يقل عن 300 ولا يزيد عن 500 ألف دينار شهرياً، إلا في الحالات الخاصة، فعندها يتجاوز صرفها على الثياب عتبة المليون دينار".
وارتفعت في السنوات الأخيرة أسعار الملابس النسائية في العراق بشكل لافت، ويعزو بعض المختصين ذلك إلى ارتفاع تكاليف الإنتاج والتصاميم.
ويوضح الخبير الاقتصادي مصطفى أكرم حنتوش في تصريح خاص لوكالة شفق نيوز، أن "العراق يدخل حالياً في مرحلة قلة الطلب العالي، وأصبح استيراده من الثياب يتناسب مع الإيراد المتوسط للأسرة العراقية".
كما يبين حنتوش، أن "عمليات الشراء أصبحت لا تخضع إلى التكرار مثل ما كانت عليه عامي 2003 و2004، حيث انفتحت الأسر العراقية على الشراء بعد حرمان طويل، وكانت رواتب الموظفين جيدة، وهناك حركة عالية من الإنفاق، لذا كانت المحال التجارية تبيع أعداداً جيدة من قطع الثياب".
وينبه إلى أن "التكاليف الثابتة من الرواتب والإيجارات يجب أن تُقسم على قطع أكثر وعلى المبيعات التي أصبحت محدودة، خاصة في السنوات الأخيرة التي تلت وباء كورونا، وبالنتيجة فإن المحلات التجارية وغيرها التي تمتلك تكاليف ثابتة أصبحت تحمل الملابس النسائية والفساتين مبالغ كبيرة بعكس الأعوام الأولى من سقوط النظام السياسي السابق، بسبب كميات البيع".
ويتابع: "أصبحت التجارة الإلكترونية مثل البيجات والبث المباشر الذي يتبعه مجموعة من الشباب الذين يبيعون بضاعتهم دون امتلاك محل بأسعار مناسبة، لكن هذه المبيعات لا تخضع لقانون العرض والطلب الكامل الذي يحتاج إلى موقع تنافسي وموثوقية عالية، خاصة وأن التجارة الإلكترونية ما تزال في بدايتها ببلادنا".
وقد تكون الطالبات الجامعيات الفئة الأكثر تضرراً من ارتفاع أسعار الثياب، إذ إن معظمهن يعتمدن على الأهل في مصروفاتهن وكثير منهن لا يلتزمن بالزي الموحد.
تقول الطالبة الجامعية ريتا البكّاك، إن "معدل إنفاقها الشهري على شراء الثياب يصل إلى نحو 500 ألف دينار"، مؤكدة أن "أهلها لا يقصرون معها في هذا الجانب لأنها ابنتهم الوحيدة".
وتشدد ريتا، على أن "أسعار الملابس لا تتناسب مع الجودة والنوع والتصميم"، مشيرة في ذات الوقت إلى أن "الثياب المنزلية أغلى من الملابس الخارجية، حيث يبلغ سعر (الدشداشة) أو التراك المنزلي أكثر من 60 ألف دينار".
ويتسبب ارتفاع أسعار الثياب المنزلية بمشاكل لربات البيوت على وجه الخصوص، واللواتي يعتبرن الأقل إنفاقاً على شراء الثياب من بين الشرائح الأخرى.
بهذا الجانب، تحدثت المواطنة رويدا عادل 35 عاماً، قائلة إن "الملابس أصبحت مشكلة حقيقية بالنسبة لي، لأن الراتب الذي يتقاضاه زوجي لا يكاد يغطي نفقات الأسرة"، كما أضافت أن "شراء قطعة من الثياب المنزلية كل شهر يتسبب بضرر لميزانية الأسرة، لذا فإن شرائي للملابس يكون موسمياً وعن طريق الادخار".
آية سعدون، ربة بيت، تقول: "أصبحت لا أشتري الملابس إلا للضرورة، فالملابس مبالغ بها وأشعر أن أطفالي بحاجة إلى تلك المبالغ، فأضطر إلى شراء ملابس حسب الحاجة فقط، مردفة: "أنفق ما يقارب 100 ألف دينار إذا احتجت لشراء ملابس فقط".
ويعزو الخبير الاقتصادي دريد العنزي ارتفاع أسعار الملابس النسائية إلى "زيادة الطلب على هذه الملابس، مبيناً أن "السبب الآخر وراء ارتفاع الأسعار يتعلق بالموديلات المتوفرة، وهي موديلات كثيرة ومتعددة، لذا أصبحت الخيارات واسعة أمام المتبضعين في اختيار ما يريدون".
ويلفت العنزي إلى "ارتفاع نسبة الضريبة على البضائع المستوردة، ومنها الملابس باعتبارها من الحاجيات غير الأساسية، ولا يقتنيها إلا أصحاب الدخول العالية"، مؤكداً أن "التجار وجدوا في هذه الظروف فرصاً سانحة، فأخذوا يستوردون من الشركات التي تعرف بوجود طلب كبير في السوق العراقية، وهذا أثر بشكل كبير على التسعيرة".
وينوه إلى أن "التجار اعتمدوا شركات معينة في الاستيراد، وهي الشركات التي تدرك تزايد طلب السوق العراقية على الملابس، وهو ما دعاهم إلى رفع الأسعار، وأن استمرار الطلب يعكس نمواً نسبياً لدخل الأسرة مع تنوع الذوق العام"، لافتاً في الوقت نفسه إلى "تعدد منافذ الاستيراد وتعدد الشركات وتعدد المنتجين والوكلاء، وهذه العوامل لها تأثير كبير على النوعية والسعر".