"الزي الآشوري".. حين يتحدث القماش بلسان التاريخ (صور)
شفق نيوز- كركوك/
أربيل/ دهوك
في قلب التاريخ
العريق لشعب آشور، حيث تمتد جذوره آلاف السنين، يقف الزي التقليدي شاهداً حياً على
هوية لم تتغير رغم تقلبات الزمن.
يرتدي الرجال
الزي الذي يتألف عادةً من القبعة والقميص والسروال والجاكيت المطرز، بينما ترتدي
النساء الفستان الطويل ووشاح الرأس والاكسسوارات المطرزة التي تضفي على الزي
رونقاً خاصاً.
ويمثل الزي
التياري، أحد أهم الرموز الثقافية التي تميز قبيلة التيّار (طياري) في مناطق جبال
هكاري والمناطق المحيطة شمال العراق وجنوب شرق تركيا، حيث أن هذا الزي التقليدي
ليس مجرد ملابس، بل هو شهادة حية على تاريخ وتراث عريق يعكس أصالة وهوية هذه
القبيلة التي حافظت على خصوصيتها عبر الأجيال.
مكونات الزي
التياري
يتكون الزي
التياري الرجالي عادة من قبعة أو عمامة من الصوف تُلف حول الرأس، تُزين أحياناً
بريشة تدل على الشجاعة والمكانة الاجتماعية، كما يرتدي الرجال قميصاً قطنياً أو
صوفياً بألوان داكنة، مع سترة أو جاكيت مطرز، وسروالاً واسعاً يثبت بحزام عريض
يضفي على المظهر مزيجاً من الراحة والأناقة.
أما النساء
فترتدين فساتين طويلة مزينة بتطريزات يدوية دقيقة، غالباً بألوان زاهية، ويكمل
الزي وشاح يغطي الرأس، مما يضفي على الزي رونقاً خاصاً يعكس الحرفية العالية
والذوق الرفيع.
دلالات ثقافية
وعميقة
يُعتبر الزي
التياري، رمزاً قوياً للانتماء القبلي والهوية الثقافية التي تميز هذه القبيلة عن
غيرها، الألوان والتطريزات التي تزين الملابس ليست فقط زخارف جمالية، بل تحمل في
طياتها تاريخاً وسجلاً بصرياً للعادات والتقاليد التي توارثتها الأجيال.
الريشة التي تزين
أحياناً القبعة أو العمامة، تُستخدم كعلامة على الشجاعة والمكانة الاجتماعية،
خصوصاً في المناسبات والاحتفالات القبلية، لتؤكد مكانة الرجل بين أفراد قبيلته.
رابط يحافظ على
التراث
ويلعب الزي التياري
دوراً أساسياً في الحفاظ على الروابط الاجتماعية والثقافية داخل القبيلة، حيث
يُرتدى في المناسبات الخاصة مثل الأعراس والمهرجانات الدينية والثقافية.
هذه المناسبات لا
تقتصر على عرض الزي فقط، بل تُعد فرصة لتجديد الالتزام بالهوية والانتماء، وتعزيز
التواصل بين أفراد القبيلة مهما بعدت المسافات.
ويظل الزي
التياري، بكل تفاصيله وألوانه، جسراً يربط بين الماضي والحاضر، ويحفظ روح قبيلة
التيّار من الاندثار في زمن تتسارع فيه وتيرة التغيرات الثقافية والاجتماعية.
وتُعد الريشة
التي يضعها الرجال على قبعاتهم واحدة من أبرز علامات الزي الآشوري، فهي ليست مجرد
زينة عابرة، بل تمثل علامة على الانتماء القبلي، وعلى الشجاعة والمكانة
الاجتماعية.
وكانت الريشة في
الماضي تُمنح للرجال الشجعان والمقاتلين في القبيلة، وكانت تُؤخذ في الأصل من ريش
الطيور البرية مثل النسر أو الطاووس.
ويقول رودي
القصراني وهو أكاديمي متخصص بالشأن الآشوري، لوكالة شفق نيوز، إن "الريشة
ليست مجرد زينة، بل هي رمز للتاريخ والفخر، تعبر عن انتمائنا العميق لجذورنا
وآبائنا الذين تحدوا الصعاب في الجبال".
النساء يشكلن
عماد الحفاظ على هذا التراث، فكل غرزة يخيطنها تحمل ذكرى وأمل، وهو ما يجعل الزي
أكثر من مجرد ملابس، بل رسالة حية للحفاظ على هوية شعب بأكمله.
وتجلس مارينا
شموئيل، صاحبة الـ 72 عاماً في بيتها بمدينة أربيل، بين خيوط الذهب والألوان
الزاهية، تحكي: "كنت أتعلم من والدتي جدتي كيف أطوّر تطريز الفساتين، وكيف
أجعل كل زي يحكي قصة، لا أرى في الأمر مجرد حرفة، بل رسالة للحفاظ على
تاريخنا".
بينما تضيف
جاكلين منصور، إحدى الحرفيات في أربيل للوكالة، أن " كل غرزة أخيطها تحمل
ذكرى وأمل. نحن لا ننتج فقط أزياء، بل نحافظ على هوية شعب بأكمله من خلال هذه
الفساتين".
أما ساندرا
شمعون، شابة من قرية شقلاوة، فتقول إنها "تشعر بفخر كبير عندما أرتدي الزي،
خصوصاً الريشة على رأس الرجل بجانبي. هو الرابط الذي يوصلنا بالماضي ويفتح لنا
نافذة على أصالة أجدادنا".
مع التطور
والتغيرات الاجتماعية، واجه الزي الآشوري تحديات كثيرة، لكن المناسبات القومية
والدينية تظل الملاذ الذي يحفظ هذا التراث، إذ يتزايد الوعي بين الشباب في الشتات
بأهمية الحفاظ عليه.
الحفاظ على
التراث
حيث يقول راعي
أحد المتاجر التراثية في دهوك، الذي يبيع أزياء وآلات التطريز ويدعى بولص جونسون
في حديث للوكالة، إن "هناك وعياً متزايداً بأهمية الحفاظ على التراث، وخاصة
بين الشباب في الشتات، هم يحاولون العودة إلى جذورهم، ويرون في الزي طريقة للتعبير
عن الفخر والهوية".
وتقول سارة
الآشوري، شابة مهتمة بالحفاظ على التراث، إن "التحدي الأكبر هو أن نُعلم
الشباب قيمة هذا الزي، خصوصًا في عصر التكنولوجيا، لكني مؤمنة أن التراث سيبقى
حيًا طالما نحن نحافظ عليه".
في زمن تلاشى فيه
الكثير من مظاهر التراث، يظل الزي الآشوري وسيلة حية لإحياء الذاكرة وترسيخ
الانتماء.
وفي السابق، كانت
الريشة تميز المحاربين والشجعان، وكانت هناك قواعد صارمة لمن يحق له ارتداؤها، أما
اليوم فهي رمز للوحدة والانتماء لكل الآشوريين.
من جانبه، يقول
الباحث سركون جمال، للوكالة، وهو الذين عاصروا حقبة ما قبل التهجير الكبير، فقال
إن "الريشة كانت تميز المحاربين والشجعان، وكانت هناك قواعد صارمة لمن يحق له
ارتداؤها، أما اليوم، فأصبحت رمزاً للوحدة والانتماء لكل الآشوريين".
ويضيف أن
"هذه الملابس تعلمنا احترام التاريخ، وتعزز الروابط بين الأجيال، يجب على
الجميع أن يعتزوا بها ويحافظوا عليها، الزي الآشوري، بريشته، وألوانه، وتصميمه، هو
مرآة لشعب عاش آلاف السنين، نجح في حفظ هويته رغم كل العواصف".
ويتابع قائلاً:
"عبر كل غرزة وريشة، يُحيي هذا الزي روح الآشوريين، ويذكرهم أن الهوية ليست
فقط ما نرتديه، بل ما نحمله في القلوب، وفي عصر يتغير فيه كل شيء بسرعة، يبقى الزي
التراثي الآشوري رسالة قوية تقول نحن هنا، ونحمل تراثنا بكل فخر واعتزاز".