هل حقا الديمقراطية تحقق النجاح؟

هل حقا الديمقراطية تحقق النجاح؟

كرم نعمة

2023-07-12T19:17:00+00:00

في قمة مجموعة السبع لهذا العام في هيروشيما باليابان، لخص الرئيس الأمريكي جو بايدن مذهبه في السياسة الخارجية في ثلاث كلمات “الديمقراطيات تحقق النجاح”. كان الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون يجلس قباله في الطاولة المتقاربة التي تجمع زعماء السبع الكبار، لكنني لا أستطيع أن أخمن أو أقرأ إشارات الجسد عند ماكرون، عندما نفكر بنجاح الديمقراطية التي أرادها بايدن.

وعند اقتراح إجابة لسؤال هذا المقال، سنجد الكثير مما يمكن أن يقال عندما يتعلق الأمر بفرنسا وماكرون تحديدا، بعد أن خرجت الجماهير نفسها التي دفعت بماكرون وحكومته للسلطة وفق صناديق الديمقراطية التي أدعى بايدن بأنها تحقق النجاح! ففي الولايات المتحدة نفسها فإن الديمقراطية مريضة في عهد دونالد ترامب أو بعده، ويرفض المشرعون الأمريكيون إدخالها إلى المصحة.

لكن في فرنسا سنحصل على إجابات كثيرة، بعد أن رفضت “الجماهير الديمقراطية” كبح جماحها وخرج نازع التدمير من دواخلها وفق نظيرة غوستاف لوبون عن سيكولوجية الجماهير التي كتبها في فرنسا قبل أكثر من مائة عام.

في واقع الأمر، لا يتعلق الحال بفرنسا وحدها، والأنظمة الديمقراطية تدرك ذلك، لنجرب أن ندع لندن على سبيل المثال أو برلين أو روما “وكلها عواصم ديمقراطية” لساعات قليلة من دون رجال الشرطة؟ ما الذي سيحصل فيها؟

أثناء سنوات الحكومة الائتلافية لحزب المحافظين والديمقراطيين الأحرار عام 2010 في بريطانيا، حدث في لندن ما يمكن أن يكون صورة طبق الأصل مما حصل في باريس خلال الأيام الماضية.

شعر الشباب بالغيض والاستياء والتذمر والتهميش، صعدت قوة التدمير في دواخلهم، فحطموا واجهات المتاجر واستولوا على كل ما يحصلون عليه من زجاجات المشروب والأطعمة حتى أجهزة التلفزيون، لماذا؟

لم تزعم الحكومة البريطانية آنذاك بأن هؤلاء من المسلمين الذين يعانون من الغبن والعنصرية، فهذا الكلام خارج الحقيقية، وهو نصف الحقيقة في فرنسا اليوم.

قطع عمدة لندن آنذاك بوريس جونسون إجازته الصيفية وعاد من أجل أن يرمم ما حصل للمدينة، نتيجة ثورة الشباب الغاضب.

وتساءل رئيس الحكومة آنذاك ديفيد كاميرون، لماذا تحتجون، ولماذا تسرقون المتاجر؟ وأجاب على سؤاله بتبسيط يدور على هامش الحقيقة “اعملوا ووفروا الأموال ويمكن أن تشتروا جهاز تلفزيون حديث بدلا من كسر الواجهات وسرقته”! بينما قال نائبه نيك كليغ زعيم حزب الديمقراطيين الأحرار آنذاك “يشغل حاليا منصب بمثابة وزير خارجية شركة فيسبوك” “هؤلاء جميعا ليس لديهم أي قضية ليدافعوا عنها”.

هل هذا الكلام ينطبق أيضا على ما حصل في فرنسا؟

يجيب عالم الاجتماع الفرنسي أوليفييه غالان الباحث لدى المركز الوطني للبحث العلمي (CNRS) بالقول “على غرار ما حصل العام 2005، يعبر مثيرو أعمال الشغب عن كراهية حيال الشرطة وعن شعور قوي بأنهم منبوذون، لا سيما الشباب المنحدرون من أصول أجنبية ومن الديانة المسلمة”.

ذلك يعني أن الأمر لا يقتصر على المسلمين وحدهم، مثلما حصل في دورة التدمير في بريطانيا أبان حكومة كاميرون عندما أُتهم السود بالوقوف خلفها ولم يجرؤ أشد العنصريين البريطانيين باتهام المسلمين في المشاركة بالاحتجاجات. “هناك 3.3 مليون مسلم في بريطانيا مقابل ستة ملايين في فرنسا”.

بالنسبة لفرنسا تأتي الإجابة واضحة بتساؤل مشروع أمام حصر الأمر بالجالية المسلمة، ماذا عن الاحتجاجات المليونية ضد إصلاح المعاشات التقاعدية وأعمال شغب السترات الصفراء قبل خمس سنوات؟

سنجد مقابل ذلك كلاما أخرق من قبل الشرطة الفرنسية كما لو أنها أرادت إثبات العنف المتعمد في المجتمعات متعددة الأعراق، وأصدرت نقابات الشرطة الفرنسية بيانا يصف مثيري الشغب بأنهم “حشرات” و “جحافل متوحشة” وحذرت من أن البلاد كانت في وسط حرب أهلية.

واقترح ماكرون بغباء ديمقراطي فكرة فرض غرامات مالية على أهالي الأولاد الذين يضبطون وهم يقومون بأعمال تخريب أو سرقة كجزء من رد الحكومة على أعمال الشغب.

كتبت بعدها صحيفة “الإندبندنت” البريطانية ما يشبه الاعتراف بالقول “إذا اعتقدنا نحن البريطانيين أن شرطتنا لديها مشاكل مع المواقف العنصرية، فإن الوضع في فرنسا أسوأ. وإن مشكلة التماسك الاجتماعي أسوأ أيضا، حيث تميل أعداد كبيرة من المواطنين الفرنسيين من أصل شمال أفريقي إلى التركيز في المدن الكبرى، حيث يجدون تعامل الشرطة معهم كتعامل احتلال”.

صحيح أن محدثي الشغب يلحقون الضرر في الغالب بأحيائهم، ويشعلون النيران في المتاجر التي تستخدمها عائلاتهم ويدمرون عربات القطار والحافلات التي تعتمد عليها مجتمعاتهم. لكن كل ذلك لا يمكن حصره بالمسلمين وحدهم، إذا أردنا أن نتحدث عن ديمقراطية التهميش والغضب.

ولا يكفي بيان منتخب كرة القدم الفرنسي، الذي ولد معظم أعضائه في نفس الضواحي، وهو يطلق نداء إلى المحتجين من أجل الهدوء، لأن المشاغبين منخرطون في “عملية تدمير ذاتي حقيقية”.

في كل الأحوال يبقى النصف الأهم من الحقيقة غائبا عندما يقتصر تحميل ما حصل في فرنسا من تدمير إلى الجالية المسلمة وحدها. فالديمقراطية ليست في أتم صحتها كما يزعم بايدن، وماكرون يدرك ذلك وهو ينصت إليه في قمة السبع الكبار.

Shafaq Live
Shafaq Live
Radio radio icon