عندما يكافأ موظف في أرض داعش ويعاقب نظيره في كوردستان
جلال شيخ علي
في العراق، تتفوق الحكومة الاتحادية في فنون العقاب الجماعي أكثر مما تتفوق في سياسات الإنماء الاقتصادي، فتقرر أن تقطع رواتب موظفي إقليم كوردستان وكأن هؤلاء المدرسين والموظفين هم مفاوضون سياسيون من العيار الثقيل يتحملون أعباء خلافات حكوماتهم.
وبالمفارقة الساخرة، نجد أن ذات الحكومة قد أرسلت الرواتب من قبل إلى مدن كانت تحت سيطرة تنظيم "داعش" الإرهابي دون أن يرف لها جفن، وكأن الولاء للتنظيم يعطي أحقية مالية أكثر من الانتماء لإقليم يعيش تحت حكم محلي منتخب!
الرواتب لم تعد حقاً دستورياً بل تحوّلت إلى كروت سياسية تُرفع وتُخفض حسب مزاج "أولي الأمر"، كما تُرفع زينة العيد في المواسم.
وإن أردنا المقارنة العادلة في الابتزاز المالي، فلا بأس من ذكر الحكومة الإسرائيلية التي تتقن لعبة احتجاز الأموال الفلسطينية كورقة ضغط سياسي، تماماً كما تفعل اليوم حكومتنا الرشيدة التي تبدو أحياناً وكأنها قررت الانضمام إلى النادي الدولي للعقوبات الاقتصادية ضد شعوبها.
الموظف الكوردستاني، الذي لا دخل له لا بالسياسة ولا بالموازنات، وجد نفسه فجأة في مصاف المذنبين المغضوب عليهم وكأنه المسؤول الرئيسي عن كل شيء، بينما هو بالكاد موقّع على كشف الدوام أو الحضور اليومي.
هكذا يُكافأ موظف في أرض داعش ويُعاقب نظيره في أربيل، ويُصبح الحياد السياسي جريمة تُوجب العقوبة، والراتب مكافأة على حسن السير والسلوك الحزبي والإنتماء العرقي.
المشهد العام أشبه بمسرحية عبثية حيث تصفق الجماهير عند كل أزمة مالية جديدة، وتنتظر الفرج وكأنه موسم أمطار في صحراء الخلافات.