عطل بلا مبرر.. مجالس المحافظات تُهدر وقت الدولة ومال المواطن
راجي سلطان الزهيري
لم يعد الحديث عن تعطيل الدوام الرسمي في العراق أمراً مستغرباً لكنه أصبح مثار سخرية وحيرة في الوقت نفسه. فبين ليلة وضحاها نسمع أن مجلس محافظة ما قرر تعطيل الدوام بسبب زخات مطر أو مباراة كرة قدم أو مناسبة عابرة لا تستدعي إيقاف مؤسسات دولة كاملة. وكأن قرار العطلة أصبح مزاجاً عاماً لا يخضع لقانون ولا يراعي مصلحة بلد يعاني أصلًا من أزمات اقتصادية وإدارية متراكمة.
خسائر بملايين الدولارات… لا أحد يكترث
لا يدرك الكثير من هؤلاء المسؤولين أن العراق يخسر ملايين الدولارات يومياً بسبب قرارات التعطيل العشوائية. وفي السنوات الاعتيادية، يعطّل العراق أكثر من نصف عام ما بين أعياد دينية ووطنية ومناسبات عامة وهي عطل يفترض أن تكون ثابتة ومحددة مسبقاً، لا أن تُعلن فجأة في منتصف الليل كما يحدث اليوم.
هذه القرارات الارتجالية تتسبب في شلل إداري، وتأخير معاملات، وتعطيل مصالح، وتراجع الإنتاجية التي هي أصلاً من بين الأدنى عالمياً.
قصة صديق… نموذج لمعاناة الجميع
قبل أسبوعين حدثني صديق قادم من أوروبا إلى العراق لأجل معاملة رسمية، وقد خصص لها أسبوعاً كاملاً:
وصل الأربعاء.
فجر الخميس كان أمام الدائرة المعنية ليُفاجأ بلافتة تقول: "يوم الخميس لانعمل".
عاد الأحد ليأخذ الاستمارة.
تنقّل بين أربع دوائر ليكمل معاملته، وأنهى كل شيء يوم الثلاثاء.
كان موعد سفره الخميس، ولم يبق لديه سوى يوم الأربعاء لتسليم المعاملة.
لكن مساء الثلاثاء صوت مجلس محافظة ذي قار فجأة على أن الأربعاء عطلة.
وبذلك ضاعت معاملته، وضاع أسبوعه، وضاع جهده وماله… كله بسبب قرار عشوائي لا يراعي مصالح الناس.
من المسؤول؟
حين تتحول المؤسسات الرسمية إلى أدوات لقرارات مزاجية، يدفع المواطن الثمن. وعندما تُعطل دولة كاملة بسبب مطر أو مبارة كرة قدم، يصبح السؤال منطقيًا:
من يضمن حق المواطن؟ من يحاسب مجلساً يعطل دون دراسة؟
17 دقيقة عمل يومياً!
وفي تقرير دولي للأمم المتحدة، جاء أن معدل العمل الحقيقي للموظف العراقي لا يتجاوز 17 دقيقة في اليوم. فإذا كانت هذه هي الإنتاجية، فكيف سيكون حال المؤسسات مع مزيد من العطل العشوائية؟ وكيف سينهض بلد يتوقف كل يوم لأبسط الأسباب؟
نداء إلى مجالس المحافظات
يا مجالس المحافظات…
اتقوا الله في هذا البلد.
العطل ليست وسيلة للدعاية، وليست طريقة لإرضاء جمهور ما أو جهة ما. العطل قرار دولة، لا قرار مزاج. وما تفعلونه اليوم يساهم في إضاعة الوقت، وتعطيل التنمية، وعرقلة مصالح الملايين.
الشعوب تُقاس بإنتاجيتها، والعراق لا يحتمل المزيد من الهدر.