أزمة السكن العمودي في بغداد

أزمة السكن العمودي في بغداد

صادق الازرقي

2025-12-11T21:41:04+00:00

لقد أثبتت تجربة مجمع "بسماية" السكني، كمثال على التنفيذ من قبل شركة عالمية ملتزمة بالمعايير، أن البناء العمودي يمكن أن ينجح في العراق؛ لكن فشل الشركات المحلية في الالتزام بجودة البناء وتوفير الخدمات قد حول المشاريع السكنية الأخرى من حل لأزمة السكن إلى أزمة جديدة تعاني من ضعف الجودة وغياب القانون.

وشهدت المدة الماضية تزايد عروض بيع الشقق المبنية في عمارات مشاريع سكنية كانت قد بيعت للسكان في بغداد بأسعار كبيرة وصلت حتى إلى 250 ألف دولار في بعض المجمعات.

والآن إحدى الشقق يعرضها صاحبها بـ 35 مليون دينار فقط في مجمع الزهور قرب سريع بغداد مقابل بغداد الجديدة، وآخر طلب 55 مليون دينار دفع منها 44 قسطا والبقية على المشتري بواقع 512 الف شهريا.

وشقة من 80 مترا للبيع في مجمع زهور بغداد السكني ايضا طابق ثاني مطلة على سريع محمد القاسم يعلن مالكها تشجيعا لشرائها، انه سيحولها باسم المشتري في اليوم الثاني من الشراء، وانه دفع لمصرف الرشيد المقدمة مع ثلاثة اشهر قسط، القسط الشهري 470 ، الشقة مطلوبة تسعة اشهر فقط، وهي معروضة بسعر 42 مليون دينار "وبيها مجال" بحسب قوله، وشقة أخرى للبيع في الطابق السادس من مجمع الزهور دفعت عنها المقدمة بقيمة 16 مليون دينار وهي معروضة للبيع بسعر 45 مليون، و شقة أخرى بمساحة 100 متر للبيع تستلم بداية عام 2026 جرى التسجيل عليها منذ 2019 مقدمتها مدفوعة كاملة وسعرها 40 مليون، وشقة في مجمع الزهور ايضا سعرها للبيع بمحفزات التحويل بالاسم 32 مليون التأمين مدفوع ومبالغ التسجيل ورسوم الشركة وبسند طابو ملك صرف وهي بمساحة 80 م.

ربما كان عدم توفر الخدمات سببا رئيسا لتراجع الأسعار في المجمعات العمودية، فقد خرج عشرات من سكان مجمع دار السلام السكني على طريق مطار المثنى في بغداد في تظاهرة احتجاجية أمام بوابات المجمع، مطالبين الحكومة بالتدخل العاجل لوقف ما وصفوه بـ "الانهيار التدريجي" في المباني والخدمات، ومؤخرا ظهرت تشققات في الجدران والأرضيات وتسربات مياه في الأساسات، رافقها طفح متكرر في شبكات الصرف الصحي، وفقا لفيديوهات متداولة.

ان تراجع أسعار الشقق في بعض المجمعات السكنية ببغداد، بخاصة مع ظهور مشكلات في الخدمات والبنية التحتية، يسلط الضوء على أزمة ثقة كبيرة تجاه هذه المشاريع، وهي مشكلة تتجاوز أزمة السكن بحد ذاتها.

وفضلا عن الأسباب المتعلقة بجودة البناء وتردي الخدمات الأساسية (كشبكات الصرف الصحي والمياه والكهرباء)، هناك عدة عوامل رئيسة أخرى اسهمت في انخفاض رغبة السكان في السكن بالمجمعات العمودية.

كان العراقيون يفضلون نمط السكن الأفقي أي البيت المستقل، بسبب الثقافة المحلية التي تميل بشكل كبير إلى امتلاك بيت منفرد ذي خصوصية وحديقة، على عكس نمط الشقة العمودي، ينظر إلى الشقة على أنها خيار مؤقت أو أقل راحة للعائلات الكبيرة، لاسيما فيما يتعلق بخصوصية العائلة وحرية الأطفال في اللعب.

ويرى كثيرون ان السكن في مبان متعددة الطوابق يقلل من الخصوصية، حيث تكون الأصوات والمسافات بين الجيران قريبة، وهو ما يتعارض مع التقاليد الاجتماعية في كثير من الأحيان، بحسب ما كان يصرح به بعض الناس.

كما أن التسعيرة المبالغ فيها شكلت سببا رئيسا لعدم التقديم على عروض الشقق إذ جرى بيع كثير من الشقق بأسعار باهظة (وصلت إلى 3800 دولار للمتر المربع في بعض الحالات)، وهي أسعار لا تتناسب مع دخول الطبقات المتوسطة والمحدودة، وتفوق أسعارا في مدن أخرى، مما جعلها حكرا على طبقة معينة أو للمضاربة في البداية، هذا التضخم في الأسعار أدى إلى انخفاض حاد عندما ظهرت العيوب.

وكثير من عمليات الشراء الأولية كانت بغرض المضاربة والربح السريع، وعندما تراجعت الثقة وظهرت المشكلات، بدأ هؤلاء المضاربون ببيع وحداتهم بأسعار منخفضة جدا لتجنب المزيد من الخسارة، مما أدى إلى "هبوط حاد" في الأسعار.

ويترتب على السكن في المجمعات العمودية دفع رسوم شهرية مرتفعة لصيانة المصاعد والمولدات والمساحات المشتركة والأمن، وهي تكاليف إضافية تمثل عبئا مستمرا على كاهل السكان، بخاصة مع عدم تقديم خدمات صيانة ذات جودة عالية في كثير من المجمعات.

وهناك ضعف في الرقابة الموحدة والمستمرة على الشركات الاستثمارية المنفذة؛ بعض المشاريع تخضع لهيئة الاستثمار، وأخرى لجهات بلدية متنوعة، وهذا التشتت يسمح للشركات بـ "التلاعب" بمعايير الجودة والتهرب من تنفيذ الالتزامات المتعلقة بالخدمات والبنية التحتية، ولم يجري الاستفادة من تجربة بسماية الناجحة التي أدت الى تغيير تقاليد الناس وتشجيعهم على التوجه الى السكن العمودي.

لقد جرى أيضا بناء بعض المجمعات على أراضٍ كانت مخصصة لأغراض أخرى (مثل الأراضي الزراعية) أو أراضٍ تعاني من مشكلات قانونية أو نزاعات ملكية، مما يثير مخاوف المشترين بشأن مستقبل ملكيتهم القانونية.

ان تصميم مدينة بغداد الأصلي كان يخدم نمط السكن الأفقي، والتحول المفاجئ إلى البناء العمودي يضع ضغطا هائلا على البنية التحتية القديمة المحيطة (طرق، جسور، شبكات مياه رئيسة)، ما يؤدي إلى اختناقات مرورية وتفاقم لمشكلات الخدمات خارج أسوار المجمع، مما يزيد من عزلة الساكن.

وبالعودة الى احتجاجات السكان في مجمع المثنى ببغداد، يتحدث الأهالي عن "شبهات فساد في عقود التنفيذ" وعن تغييرات جرت في التصاميم الأصلية من دون علم دائرة الاستثمار أو الجهات الرقابية، ويؤكد عدد من الساكنين أن "المشروع الذي يفترض أنه بإشراف مباشر من هيئة الاستثمار، تحول إلى انموذج للفوضى الإدارية".

ويشير سكان المجمع إلى أن الخدمات الأساسية شبه معدومة: انقطاع متكرر في الماء والكهرباء، طفح المجاري، وانتشار الكلاب السائبة، فضلا عن غياب فرق الصيانة والإدارة الدائمة للمجمع، مشيرين بالقول "هناك تصدعات ظاهرة في بعض الجدران الخارجية، وصوت التصدع يسمع ليلا في بعض البنايات، ما يجعلنا نعيش في خوف دائم من انهيار مفاجئ".

Shafaq Live
Shafaq Live
Radio radio icon