اللُّغةُ العَقْلانيَّةُ في الخِطَابِ السَّياسيِّ الكُوردستانيِّ- السَّيِّد نيچيرڤان بارزاني أنموذجًا

اللُّغةُ العَقْلانيَّةُ في الخِطَابِ السَّياسيِّ الكُوردستانيِّ- السَّيِّد نيچيرڤان بارزاني أنموذجًا

د. نايف كوردستاني

2021-04-28T19:59:48+00:00

في أول ظهور لفخامة رئيس إقليم كوردستان السَّيِّد ( نيچيرڤان بارزاني) على شاشة قناة الشرقية نيوز الفضائية الناطقة باللغة العربية في يوم ( 22 نيسان 2021 ) ، وهي أوّلُ قناة عربية يظهر فيها السَّيِّد ( نيچيرڤان بارزاني) في برنامج ( بالثلاثة ) الذي يُعرضُ في شهر رمضان المبارك .

شخصية السَّيِّد ( نيچيرڤان بارزاني ) من الشخصيات التي تتسم بالعقلانية، والانفتاح على الآخر من خلال الحوار ، والدبلوماسية في طرح الأفكار ،والرؤى الاستراتيجية كونه حفيد البارزاني الخالد ، وأبوه المرحوم (إدريس بارزاني ) مهندس المصالحة الوطنية ، وهو صهر فخامة الرئيس (مسعود بارزاني )، وعمّه أيضًا،ومن عائلة معروفة على مستوى كوردستان ، والعالم نتيجة نضالهم الطويل ضد الأنظمة المتعاقبة التي حاربت كوردستان منذ أكثر من مئة سنة، فالسياسة ليست جديدة عليهم بل هو من سليل عائلة سياسية والسياسة تجري في دمهم .

من أبرز المحاور والأسئلة التي وردت في لقاء السَّيِّد (نيچيرڤان بارزاني) :

-فقد سُئل ( البارزاني ) عن أسباب التقدّم العمراني في إقليم كوردستان مجيبًا أنَّ النهضة العمرانية بدأت في كوردستان بعد عام ( 2004م) بعد أن تعرضت كوردستان إلى الحروب ما قمنا به فقد دعمنا القطاع الخاص في إنجاح عملية البناء والعمران، وهذا ما موجود في أغلب بلدان العالم.

وما ترونه من تطور في إقليم كوردستان في هذا المجال إذا ما أجرينا موازنة بيننا وبين بلد آخر من محيطنا نرى أن خطوات الازدهار ليست سريعة بشكل كافٍ كما هو مطلوب ؛ لذا أنَّ عملية التسريع في مسيرة البناء أمر مهم ليس في إقليم كوردستان فحسب بل في العراق أيضًا .

- ماذا يمثل الجبل للسيد ( نيچيرڤان بارزاني ) أيام الكفاح والنضال ؟

على ذكر الجبل هناك مقولة عن الكورد مفادها:( لا صديقَ للكُورد سِوَى الجبال ) عبّرتْ هذه المقولة عن حال الكورد لعقود طويلة حيث كان احتماؤنا ونضالنا وصمودنا بدأ ، واستمر في جبال كوردستان وأنا كأحد الشباب الموجودين في الجبل والمشاركين في النضال تعلمت منذ ذلك الوقت من أبي وعمي أنْ أعيشَ مآسي وآلام شعبي ولم أحصلْ على شرف المشاركة في الخنادق الأمامية ، وكنتُ مع الپيشمرگة ،ومارستُ حياتهم وكنتُ معهم في الجبال .

- هل يعدُّ ( المُلا مصطفى بارزاني ) مُلهم السَّيِّد (نيچيرڤان بارزاني) ؟

حقيقةً في الفترة التي كان جدي الزعيم ( مُلا مصطفى بارزاني ) على قيد الحياة كنتُ صغيرًا في العمر ولم يتسنَّ لي أنْ أعيشَ لمدة طويلة، وفي سنة (1976 م) أصابَ جدي مرض عُضال، وسافر إلى أمريكا لتلقّي العلاج ،ولكن توفّاه الأجل هناك .

لذلك أنَّ الشخص الذي أثّرَ على مسار حياتي السياسية، وكبرتُ في ظل قيادته كان عمي الرئيس (مسعود بارزاني )، وكان هو ملهمي، ومعلمي كشخصية وقائد وعمٍّ ووالد،

و كان له الأثر الكبير في بناء شخصيتي منذ مرحلة الشباب حتى اليوم .

- ماذا تعلمْتَ من (المُلا مصطفى بارزاني )؟ إنَّ الذي تعلّمناه منه جميعًا هو علينا أن نناضل بإخلاص لتحقيق حقوق شعبنا في العراق،وأن نخدم شعبنا،وأستطيعُ أنْ أُلخّصَ نهج (مُلا مصطفى بارزاني ) بكلمة هو أنَّ نهج (ملا مصطفى بارزاني ) هو نهج خدمة الشعب وخدمة الوطن،وتعلّمنا من هذه الشخصية أنْ نبذلَ كُلّ ما نستطيع من أجل شعبنا .

ما دور ( إدريس بارزاني ) في القضية الكوردية ،ودوره في التقارب الكُوردي العَربي ؟

فيما يخصُّ القضية الكورديةفإنَّه كان واضحًا في ظل زعامة جدي ( الملا مصطفى بارزاني ) أنَّ المرحوم إدريس ،وفخامة عمّي (مسعود بارزاني ) كَانَا مساعدين له في الثورة ،فكان كاك إدريس في الغالب مسؤولًا عن المسائل الاجتماعية،والعسكرية في الثورة الكُوردية كمساعد للزعيم ( ملا مصطفى ) ، و أدّى دورًا كبيرًا على المستوى الشخصي في إبرام اتفاقية 11 آذار في عام (1970 م) مع النظام آنذاك إذْ زارَ بغداد مرات عديدة لكي تصلَ هذه المفاوضات إلى نتيجة .

وكان له دورٌ في التقارب بين الشعبين الكوردي والعربي،ونحن نؤمنُ بأنَّ حلَ القضية الكوردية تكون في إطار العراق،وهذا هو توجّهنا فمنذ عام ( 1975 م)،وحتى الآن أيضًا لدينا الرؤية نفسها في أنَّ حل القضية الكوردية يكمن في إطار العراق .

مشكلات العراق تكمن في كيفية التفكير،ولا يمكن حل مشكلات العراق بمعيار مَنْ هو القوي ،ومَنْ هو الضعيف ؟

ومشكلات العراق هي مشكلة العائلة الواحدة بحاجة إلى الجلوس ،والحوار على طاولة المفاوضات .

إنَّ نمط التفكير بطريقة مَنْ هو القوي ومَنْ هو الضعيف؟ فَقَدْ ورّط العراق بمآسٍ كثيرة، وما يهمنا بالنسبة لنا أنْ نتّعظَ من دروس الماضي ،ونتعلم من الأخطاء التي اقترفناها كُلُّنا بغداد ارتكبت الأخطاء،وأربيل أيضًا قد اقترفت العديد من الأخطاء، وما يهّمنا هو استقرار العراق من الناحية السياسية،والاقتصادية هذا هو الأهم.

ولهذا علينا أنْ نُشخِّص المشكلات، ونفكّر في كيفية حلها ،ولايمكن حل مشكلات العراق ما لم نتخلص من التفكير البائس إذا ما كانت بغداد قوية،فهذا يعني ضعفًا لأربيل،وبالعكس إذا كانت أربيل قوية،فهذا يعني ضعف بغداد فنحن نكمّل الآخر.

أولًا :علينا أن نقوّي مفهوم المواطنة لدى الفرد العراقي في هذا البلد .

ثانيًا :علينا أن نبني شراكة حقيقة لكي نتشارك مع بعض لتحقيق الطمأنينة،فالشعب العراقي بصورة عامة يستحق حياة أفضل.

وسُئل أيضًا عن نظرة ( الملا مصطفى بارزاني ) إلى وحدة العراق، والإخوة العربية الكوردية ؟

إذا ما نظرنا إلى جميع أحاديث (ملا مصطفى بارزاني ) بشكل عام ستجد أنّه يؤكِّد دائمًا على الإخوة الكوردية العربية،وكان يؤكِّد على أنَّ حقوق شعب كوردستان يجب تتحقق في إطار العراق، ولكن - مع الأسف - الأنظمة المتعاقبة في العراق كانتْ تردُّ بالقمع، والعنف،والسلاح بخصوص القضية الكوردية،فالقضية الكوردية في العراق هي مسألة جدّيَّة،ويجب أن تكون الحلول جذرية .

سأتحدّثُ لكم عن حَادَثةٍ وقعت – كمثال - بعد اتفاقية آذار جرتْ محاولةٌ لاغتيال الزعيم( مُلا مصطفى بارزاني )عن طريق إرسال وفد باسم رجال الدين إلى مقر البارزاني بهدف تفجير المقر،فقد نَجَى الزعيم بأُعجوبة من الحادث ،وأراد مساعدو البارزاني الردَّ والانتقام وفكَّروا في طريقة للردِّ على تلك العملية الغادرة ،فقد رَوَى لنا السَّيِّد (مسعود بارزاني)فكرة الرد وسمع أنَّ العملية ستسببُ بسقوط ضحايا من المدنيين فكان موقف الزعيم هو الرفض،وإلغاء الفكرة،فقال:لا أريدُ أن تتحوّل المشكلة والصراع بين الكورد، والعرب ولن أقبلَ أنْ يندلع هكذا صراع بسببي .

ونحن تربّينا حسب هذا النهج المتسامح على يد(المُلا مصطفى )،واستمرينا على النهج نفسه بقيادة سيادة(مسعود بارزاني)؛لذلك إيماننا راسخ بالإخوة الكوردية العربية،ونريد العراق أنْ يكون وطنًا لجميع مكوناته وتعلّمنا من(المُلا مصطفى بارزاني) يجب أنْ يكون الكورد والعرب إخوة .

وهناك مثال آخر يتم تداوله بخصوص ذلك في حقبة ( البارزاني الخالد) كان محافظ أربيل آنذاك واحد من إخوتنا العرب،فقامت الحكومة في بغداد باستبداله بمحافظ كوردي اعتقادًا منهم أنَّ هذه الخطوة ستكون موضع استحسان (ملا مصطفى)،لكن من خلال إحدى لقاءات (ملا مصطفى ) بالمسؤولين العراقيين قال لهم: إنني أرغبُ بعودة المحافظ العربي إلى أربيل،فالقضية ليس هذا كوردي،وهذا عربي!

ما يهمنا هو خدمة الناس،وأنْ نتمكّن من العيش في هذا البلد بأمان،واستقرار،وعيش رغيد للجميع .

وأشار السَّيِّد (نيچيرڤان بارزاني) إلى رسالة (البارزاني الخالد) حول تحقيق الإخوة الكوردية العربية على أرض الواقع في استقبال النازحين بإقليم كوردستان في سنة

( 2014م) .

لَمْ نَرَ من النازحين أيَّ تهديد للأمن القومي الكوردستاني،ولَمْ نَرَ منهم أنَّهم حاولوا خلق مشكلة قومية بين الكورد، والعرب .

ما فعلنه تجاه النازحين كان من صميم واجبنا وإنْ كان هناك تهاون منّا فنحن نعتذر منهم .

وتطرّق السَّيِّد ( نيچيرڤان بارزاني) إلى المشكلات في العراق بصورة عامة وإلى ملف القضية الكوردية موضحًا أنَّ أساس المشكلة في العراق بشكل عام يكمن في طريقة التفكير هناك نمطان للتفكير :

نمط يقول أينَ أخطأنا وأدّى ما جَرَى لَنَا ؟

ونمط آخر يقول مَنْ هو السبب فيما حصلَ لنا ؟

ومن خلال قناعتي الشخصية أن نترك مَنْ هو السبب ؟

ولكن علينا أنْ نتساءلَ أينَ أخطأنا كُلّنا وأدّى إلى ما جَرَى في العراق ؟

فلو أجبنا عن هذا التساؤل،فبالتأكيد تنتظر العراقيين حياة أفضل، وفي زيارتي الأخيرة لبغداد كانتْ رسالتي لكل السياسيين العراقيين هي أننا أخطأنا وأنتم أيضًا أخطأتم فلنجلسْ،ونتّعظ من هذه الأخطاء من أجل حياة أفضل لكافة العراقيين .

وطرح البارزاني مجموعة من الأسئلة وهي :

هل من المعقول أن يستورد العراق،وكذلك كوردستان باستيراد كل شيء وهو بلد غني ؟!

فليكن الحرب والصراع على تطوير العراق .

كيف نجعلُ من العراق بلدًا منتجًا؟!

كيف نجعلُ ثقة العراقيين بالسياسيين العراقيين فليس للثقة وجود اليوم إذْ أثبتت الانتخابات السابقة من خلال نسبة المشاركة في الانتخابات ،وقد كانت النسبة منخفضة جدًّا!

لماذا كانت النسبة منخفضة؟ لأنَّ الشعب لم يعُدْ يثقُ بالسياسيين!

فالديمقراطية ليست إجراء الانتخابات كُلّ أربع سنوات وأنْ تقولوا للمواطنين تعالوا وصوّتوا لنا،فالمواطنون ينتظرون نتائج من السياسيين والشعب يريد حياة أفضل، ويريد التخلّص من الوضع المزري الذي يعيشه .

وأردف السَّيِّد ( نيچيرڤان بارزاني) قائلًا:أعتقدُ أنَّ العراقيين ماضون بهذا الاتجاه رويدًا رويدًا ،ولاسيّما جيل الشباب الحالي ،فهو ليس جيل ما قبل عشر سنوات الذين ولدوا في سنة ( 2003م) فأعمارهم اليوم قد وصلوا 18 سنة،ولا يقبلون بهذا الوضع،ولن يقبلوا من السياسيين الشعارات الفارغة من المضمون .

هناك حقيقة في العراق أودُّ التحدّث عنها بكل صراحة، إحدى المكوّنات في العراق يتملّكها الخوف من عقدة الماضي باستمرار، وهناك مكوّن آخر يخاف من مستقبل العراق باستمرار،ومكوّن آخر يخافُ من الماضي والحاضر والمستقبل وهؤلاء هم الكورد !

إلى متى ننتظر ؟

عندما نطالبُ بحل المشكلات بين أربيل وبغداد،فأننا نقصدُ الوضع العراقي بصورة عامة .

والمشكلات القائمة بين أربيل وبغداد جزءٌ من موانع عدم استقرار الوضع في العراق !

ففي سنة (2002م) جاء الأمريكيون إلينا،وأن نتعاون معهم ،وأقنعونا بأنَّ العراق يمضي باتجاه بلد ديمقراطي،وكانوا قد قرروا إسقاط النظام السابق ،وكانوا يطلبون منا المساعدة للعراق الجديد وشاركنا في هذه العملية فالعراق للعراقيين جميعًا ومشاركتنا على أساس الشراكة والتوازن !

وتساءل البارزاني على سبيل الاستفهام الإنكاري التعجبي،هل المفاهيم التي بنينا عليها العراق موجودة ؟! هل الشراكة والتعايش موجودان ؟

هناك واقع في العراق فقد أصابِ اليأس جزءًا كبيرًا من العراقيين الذين لا يجدون أنفسهم جزءًا من العملية السياسية في هذا البلد،فداعش قد ولدَ نتيجة ذلك،فهو لَمْ يأتِ من المريخ و أرى أنَّ داعش ولدَ نتيجة بعض الأخطاء السياسية في هذا البلد،ولا يمكن أنْ نُكرِّر الأخطاء لكي تأتي جماعة أخرى باسم آخر !

وتحدّث البارزاني عن دور الكورد في العراق أنَّ دورنا في العراق ليس دورًا تخريبيًا بل دور بناء العراق وتنميته، ودورنا هو حل مشكلاتنا عن طريق الحوار لاستقرار العراق .

وحول قضية كركوك والمناطق الكوردستانية المشمولة بالمادة (140) أوضح البارزاني أنَّ حل مشكلة كركوك يأتي عن طريق تطبيق المادة (140 )الدستورية فإذا ما طُبِّقت هذه المادة فلَنْ تكون هناك مشكلة للكورد،والمشكلة ليست كركوك فقط،وإنّما هناك مناطق أخرى فهذه المادة تحلُّ عن طريق الجلوس على طاولة الحوار .

أعتقدُ أننا لا نستطيع حل مشكلاتنا مع بعض في العراق ،وبإمكان بعثة يونامي التدخّل في حل هذه المشكلة من خلال تشجيع الطرفين .

وكان جواب البارزاني حول رؤية بعض الأطراف السياسية ترى اليوم بأنَّ المادة (140) ميتة ؛لأنهم لا يرغبون برؤية واقع العراق ... لأضرب لكم مثلًا بدأت الثورة الكوردية في عام (1961)وفي عام (1970) وقعت اتفاقية 11آذار بين المرحوم (ملا مصطفى بارزاني) ،والحكومة العراقية آنذاك ثم في ذلك الوقت جاء (صدام) إلى منطقة (ناوبردان ) ؛لتوقيع الاتفاقية ورحبّت بها الأطراف الكوردية والعربية ولكن في سنة (1975) رأت بغداد نفسها قوية ،وشنّت الحرب على (البارزاني) فعجزت عن قهر الثورة الكوردية ،فقامت بعقد اتفاقية مع (شاه إيران) تنازل فيها عن نصف شط العرب لإيران ومن أجل إعادة هذا النصف من شط العرب خاضت حربًا مع إيران لثماني سنوات ووقعت تحت طائلة الديون ، ثم دخلت الكويت للتعويض وهذه المآسي وقعت بالتأريخ القريب وبالأمس ؛لأنَّ فكرة الحل لم تكن سليمة وكان نمط التفكير يقوم على مَنْ هو القوي ومَنْ هو الضعيف؟

فلا يمكن حل المادة (140 )ومشكلات العراق بهذه العقلية وأنها مشكلة عائلة واحدة علينا أن نجلس مع بعض من أجل الحل.

والذي يقول بأن المادة (140 )ميتة ،فهو مخطئ جدًا فبدلًا من أن يقولوا عنها ميتة كان الأولى بهم أنْ يقولوا تعالوا لنجلسْ لكي نجدَ حلًا سلميًا وواقعيًا لها لصالح جميع العراقيين.

لكن - للأسف - لم يستطع السياسيون العراقيون من تنفيذ وتأمين الخدمات للمواطنين بالشكل المطلوب ،وكانوا يحاولون إقناع المواطنين العراقيين بأنَّ إقليم كوردستان وراء ذلك للتغطية على إخفاقهم في إدارة الدولة ،وإقليم لم يطلب أكثر من استحقاقه الدستوري.

آن الأوان لعقد سياسي جديد في العراق،وإلا فأنَّ البلد سيتجه نحو الهاوية ،وإلى مصير مجهول ،فالجميع يتحدث عن التغيير والعقد السياسي ولكن الفكرة لازالت كلامًا!

وبيّن بكل وضوح البارزاني مسألة تغيير الدستور العراقي بكل شفافية لا مانع من التغيير لكن علينا أنْ نجلس مع بعض ونرى ما المواد الدستورية التي تقف عقبة في عدم تقديم الخدمات للعراق؟ وما المواد الدستورية التي تعرقل من عجلة مضي العراق إلى الأمام؟

كلام البارزاني دقيق جدًا لمَنْ أراد أن يحل المشكلات ،ويوضع يده على موطن الخلل في الدستور العراقي إذا كانت هناك مادة تعرقل العلاقة بين أربيل وبغداد .

وتحدَّث البارزاني عن خطورة الإرهاب في المرحلة المقبلة لاسيما الجيل الذي ينشأ في المخيمات من دون تعليم وأمل ومستقبل يهيّئُ بيئة تؤسّس لفكر داعش وتمهّد الأرضية للتشدد والإرهاب !

وسُئل البارزاني عن مسألة استهداف مطار أربيل ووجود القوات الأمريكية فأجاب أنَّ استهداف مطار أربيل - مع الأسف - تصعيد خطير للاستقرار السياسي لكل العراق.

وأودُّ أنْ أقدّم توضيحًا بخصوص وجود القوات الأمريكية في العراق وكوردستان فالقوات الأمريكية موجودة ضمن اتفاقية بين بغداد وواشنطن وليس بين أربيل وواشنطن ونحن جزء من العراق ولا يوجد شيءٌ خاصٌّ بنا فأين تكمن المشكلة ؟

الرؤى والأفكار مختلفتان فنحن في إقليم كوردستان نعتقد بأنَّ العراق لكي يبلغ شاطئ الأمان فهو بحاجة إلى الدعم الدولي وربما أنَّ هناك في العراق مَنْ يرى رأيًا مختلفًا !

وكشف البارزاني عن خيوط الجهة التي تقف وراء استهداف مطار أربيل قائلًا :فليس معقولًا أن تأتي فئة من خارج الحكومة العراقية ومن خارج الهيكلية الأمنية والعسكرية العراقية ، وتمنح نفسها الحق بالقيام بهذا التصرّف في إقليم كوردستان والتكنولوجيا المستخدمة ليست بالتكنولوجيا التي يمتلكها حزب سياسي لوحده بل تلك التكنولوجيا تقف وراءها جهات وهذا التصعيد لا يخدم العراق.

وأبدى البارزاني رأيه ممتعضًا حول القرار العراقي ،فليس من المعقول أن تكون هناك حكومة بداخل حكومة !

ومَنْ هو صاحب القرار في العراق؟ هل هو رئيس الوزراء أو رئيس الجمهورية ؟

فيجب توحيد مصدر القرار في العراق .

إنَّ إقليم كوردستان جزء من العراق ،وسياسة إقليم كوردستان جزء من سياسة العراق وبغداد هو العمق الاستراتيجي لإقليم كوردستان ،وإقليم كوردستان لن يتخذَ قرارًا من جهة واحدة .

وسُئل البارزاني عن حقيقة قصف بعض المواقع للموساد الإسرائيلي في إقليم كوردستان ،وهل هناك مواقع للموساد الإسرائيلي في كوردستان ؟ ما موقفكم من التطبيع فيما جرى لبعض الدول العربية ؟

بداية فيما يخص الخبر الأول فلا أساس ولا أصل له ،فلا توجد أي مواقع إسرائيلية في كوردستان العراق ،وهذا الخبر رُوّج له بعض المواقع والقنوات لتضخيم الأمر من قبل بعض الدول وكأنّهم حقًا قصفوا مواقع إسرائيلية !

لمعلوماتكم فلا يمكن أن يدخل أي شخص إلى العراق هكذا بشكل فوضوي ،فلدينا برنامج يربط المنافذ الحدودية بعضها ببعض، وهناك ممثل عن بغداد في كل المنافذ الحدودية وكذلك ممثل عن المخابرات العراقية .

ونرى ألا يعادي العراق أية دولة أخرى فلديها ما يكفيها من المشكلات فليعملْ على حل مشكلاته ولا يتدخل في مشكلات غيره !

والذين يخوضون في المسائل السياسية بالعراق هم في حقيقة يتهربون من تقديم الخدمات للمواطنين وتغطية على إخفاقهم .

ما رؤية السَّيِّد (نيچيرڤان بارزاني ) من أجل الحوار والحل الداخلي ؟

هل الحوار سيشمل الذين قصفوا أربيل والجماعات الأخرى ؟

لا مانع لدينا من مشاركة أي كان نحن نريد جلسة للتوصل إلى تفاهم مشترك مهما كان المشاركون وتوجهاتهم ،ونحن مستعدون للجلوس مع أي طرف من أجل استقرار العراق .

وحول إخراج القوات الأمريكية من العراق ،فيرى البارزاني أنَّ القرار الپرلماني العراقي كان عاطفيًا أكثر ممَّا هو واقعيٌّ ،ورأينا هو واقعٌّي فأنَّ أمريكا جاءت لتقديم المساعدة للعراق ولابد أن يأتي يوم لكي ترحل من العراق .

وعندما امتنعنا عن التصويت لإخراج القوات الأمريكية من العراق؛ لأننا نرى بأنَّ العراق لا يزال بحاجة إلى أمريكا والتحالف الدولي .

ونتيجة للفراغ الأمني الموجود في صلاح الدين والذي يمتدُّ إلى كركوك ومن كركوك إلى الموصل فراغ كبير جدًّا في كثير من المناطق ونتيجة لغياب التنسيق بين الجيش العراقي، وقوات الپيشمرگة بات تنظيم داعش يُنفذُّ عمليات بصورة شبه يومية في تلك المناطق ولا يوجد أي دليل على انتهاء داعش على الأرض.

فإذا رأينا انتهاء داعش ولم نعُدْ بحاجة إلى قوات التحالف الدولي ،فسيكون إقليم كوردستان مع قرار بغداد وملتزمون به.

وسُئل عن طرح اسم السَّيِّد (نيچيرڤان بارزاني) رئيسًا لجمهورية العراق ما حقيقة ذلك ؟

لِمَ لا ؟ فأنا أيضًا عراقيٌّ ويسمح الدستور العراقي لي بذلك ولكن في الحقيقة لَمْ أفكرْ بهذا الأمر في هذه المرحلة .

وسُئل ( البارزاني) كذلك عن التحالف الكوردي الشيعي هل يزال موجودًا ؟

إن التحالف الذي شُكّل قبل سقوط النظام كان بين (الحزب الديمقراطي الكوردستاني، والاتحاد الوطني الكوردستاني ،والمجلس الأعلى ،وحزب الدعوة الإسلامية) وقد عملنا معًا ولكن تغيّر التحالف وكان موجودًا في الماضي واليوم لا وجود له .

ليست لدينا مشكلة مع الأشخاص ما يهمنا هو برنامجه الحكومي .

وشجّعتً الإخوة السنة على المشاركة في العملية السياسية واليوم لم يبقَ تحالف شيعي كوردي بذلك المفهوم الذي كان سائدًا.

وأفصح (البارزاني ) عن وضع المرأة الكوردستانية فعندما كنتُ رئيسًا للوزراء أقدمتُ على تغيير جملة من القوانين الكوردستانية والتي تصب في خدمة مصلحة المرأة الكوردستانية ،والنساء في كوردستان يشعرن بحرية كبيرة .

وتحدّث البارزاني حول علاقة الحزب الديمقراطي الكوردستاني بالاتحاد الوطني الكوردستاني ،فقال :إنَّ الاتحاد الوطني الكوردستاني هو شريكنا الرئيسي في هذه الحكومة وعلاقاتنا معهم تنتابها الفتور والسخونة والبرودة في أحيان أخرى وهذا أمر طبيعي ،لكن عندما يتعلّق الأمر باتخاذ القرارات المصيرية ،فهناك تفاهم جيد على هذا المستوى .

وسُئل (البارزاني) عن إقليم السليمانية من قبل الاتحاد الوطني،فأجاب بكل وضوح وشفافية أنَّ الاتحاد الوطني لم يطلب بإقليم السليمانية كما يُشاع وفي برنامج رئيس حكومة إقليم كوردستان الكثير من البرامج ومنها اللامركزية للمحافظات ضمن إطار إقليم كوردستان وإعطاء الصلاحيات للمحافظات ونحن نسانده بقوة .

وسُئل (البارزاني ) متى سيتحقق الاستقلال ؟ وهل هناك سقف زمني ؟

فأجاب (البارزاني) بجواب شافٍ كافٍ وافٍ حول استقلال كوردستان قائلًا لو أمعنّ النظر إلى الحركة الكوردية وسألنا أنفسنا لماذا لجأ الكورد إلى حمل السلاح ؟

حَدَثَ ذلك ؛لأنه طالب بحقوقه لكنها لم تُمنح له ولم يطالب بأكثر من ذلك .

والخلاف ليس بين الشعوب ،ولم يكن الخلاف بمعنى الكلمة بين الكورد والعرب لكن كان الخلاف مع الحُكَّام وقد طالبنا بحقوقنا ورفضوا إعطاءنا إيَّاها ،وفي حال شعر الكورد بأنّهم مواطنون من الدرجة الأولى ،وحقوقهم محفوظة والتوازن والشراكة قائمان في هذا البلد فلاشك أنَّهم سيعيشون مرتاحي البال ولن يكونوا بحاجة للجوء إلى الجبال وحمل السلاح لأنَّهم سيتمتعون بحقوقهم ضمن إطار هذا البلد .

ويرى ( البارزاني ) أنَّه يجب أنْ يكون لبغداد وكوردستان رؤية مشتركة لمسألة المعارضين لدول الجوار .

وحول رأيه باتفاقية شنگال أوضح فخامته أنَّ اتفاقية شنگال كانت اتفاقية جيدة في خدمة العراق ومن المؤسف أنَّنا لا نرى تنفيذًا لاتفاقية شنگال على أرض الواقع حتى الآن .

ومن خلال من ما تقدَّم حول الخطاب السياسي الكوردستاني للسيد (نيچيرڤان بارزاني) أثار ظهوره ردود أفعال كبيرة على المستويين العراقي والإقليمي نتيجة اللغة العقلانية في خطابه السياسي برؤية كوردستانية ،وقد تحدّث بلغة واضحة بعيدة عن التعقيد والغموض والتقعرات والفذلكات اللفظية ،وقد شكّل تفاعلًا كبيرًا على الساحة السياسية العراقية، والذي حمل في طياته رسائل كثيرة للساسة العراقيين والشارع العراقي بطرحه العقلاني وأسلوبه الأنيق المبني على الثقة العالية بالنفس ؛لكي تكون الفكرة واضحة وسلسة لإذابة جبل من جليد في ظل تصاعد وتيرة الخطابات السياسية ضد إقليم كوردستان من خلال وسائل الإعلام الصفراء التي تحمل الحقد والضغينة تجاه إقليم كوردستان لأسباب كثيرة .

لقد كان لخطاب رئيس إقليم كوردستان السَّيِّد (نيچيرڤان بارزاني ) أهمية كبيرة في هذه المرحلة السياسية الصعبة التي يمر بها العراق، ولإقليم كوردستان فلو وفقنا عند أركان التواصل اللساني عند العالم اللغوي الروسي ( رومان جاكوبسون ) وطبقناها على آلية الخطاب السياسي للسيد (نيچيرڤان بارزاني) لاتضحت الصورة لدى المتلقي العراقي من خلال العناصر التي تشكّل الصورة المتكاملة لدى الطرف الآخر :

- المُرسِل :وهو الطرف الأول في عملية التواصل والمسؤول عن إرسال رسالة محددة إلى الطرف الآخر بقصد الإفهام ،وإزالة اللَبْس،فالمرسل وصاحب الخطاب هو السَّيِّد

( نيچيرڤان بارزاني )

- المُرسَل إليه:وهو الطرف الآخر ( المتلقي ) في عملية التواصل والذي يستقبل الرسالة من الأول ويقوم بتفكيك رسالته من خلال خلفيته الثقافية .

والمُرسل إليه هنا هم الطبقة السياسية برمتها وكذلك الشارع العراقي من أجل كشف اللثام عن كثير من القضايا التي تخص إقليم كوردستان للشارع العراقي وللرأي العام .

- الرسالة : وهي لُب عملية التواصل بين الطرفين وهو المحتوى الذي يروم المخاطِب إبلاغه للمخاطَب وتكون الرسالة متضمنة للمعلومات والأفكار وتختلف الرسالة بحسب طبيعة المرسَل إليه والغرض منها والرسالة إما أن تكون منطوقة أو مكتوبة أو بطريقة إيحائية عن طريق الإشارة وهنا المقصد يؤدي دورًا كبيرًا في إنجاح عملية التواصل بين الطرفين .

إنَّ المتامل برسالة السَّيِّد (نيچيرڤان بارزاني) يرى أن فخامته يركّز على الحوار الجاد لحل المشكلات والجلوس على طاولة حوار عراقية ؛لأن حل المشكلات تكون ضمن إطار العراق .

- السياق : هو البيئة المتعلقة بفحوى الخطاب من خلال المواقف والأحداث وهو ما يسمّى بالحال والمقام .

وهذا السياق ينقسم على نوعين وهما : سياق النص وسياق الموقف .

ومن وجهة نظري الشحصية أنَّ ظهور فخامة الرئيس السَّيِّد (نيچيرڤان بارزاني) في هذا الوقت مهم جدًا لبيان حقيقة الرؤية الكوردستانية حول كثير من الملفات التي تحدّث عنها بصورة منطقية وبعيدة عن اللف والدوران .

- السَّنن : هو نسق القاعدة المشتركة بين المتكلم والمخاطَب .

وضرب السَّيِّد (نيچيرڤان بارزاني ) أمثلة من التأريخ المعاصر للحركة الكوردية وتوجيه رسالة ذكية للطبقة السياسية العراقية ولاسيما فيمن يتعامل مع الكورد على أساس مبدأ من هو القوي ومن هو الضعيف !

-القناة : هي الأداة التي تُنقل الرسالة من خلالها وهي وسيلة تواصل بين الأشخاص .

خطاب السَّيّد (نيچيرڤان بارزاني) من خلال قناة الشرقية نيوز الرؤية الكوردستانية للطرف الآخر .

ومن أبرز الصفات البارزة في شخصية السَّيِّد (نيچيرڤان بارزاني) في برنامج ( بالثلاثة ) :

- الوضوح : وهذا نابع من استخدامه للألفاظ الواضحة التي لا تقبل التأويل وقريبة من المتلقي .

-الاختصار : الإسهاب والإطناب والإطالة أمر غير مرغوب به إلا في حالات نادرة بحسب المقام والموقف فلم يُسهب كثيرًا لكي لا يحدث الملل والضجر لدى المتلقي والطرف الآخر .

-الواقعية : طغت صفة الواقعية على خطاب (البارزاني) من خلال الأمثلة التي اعتمد عليها والتي تكون قريبة من النفس ولها تأثير في الإقناع .

-الدقة : الدقة تأتي من صحة المعلومة الخالية من الغموض والصورة الضبابية والمشوشة.

- التماسك : هذا ما رأيناه في خطاب (البارزاني) من خلال الجمل والعبارات المترابطة والمتماسكة والمتناسقة فيما بينها ؛لأن الخطاب يعكس شخصية المخاطِب ويكشفها أمام المتلقين .

-البشاشة : من مكملات الشخصية السياسية البشاشة والابتسامة ليشعر المتلقي بالارتياح والثقة .

فالخطاب السياسي الواضح الرؤية يسهل انخراط المتلقّي في مشروعه الذي يدعو له أمَّا غياب الرؤية والهدف والمقصد والنية الصادقة فسيكون خطابًا استهلاكيًا فارغًا من الفكرة والمضمون .

ففي العراق هناك نوعان من الأزمات الداخلية والخارجية ،فالداخلية تتمثّل بالأزمات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والعرقية والدينية والطائفية وهذا ما يحدث في الأنظمة التعددية السياسية ،أمّا الأزمات الخارجية فتكون مع دول الجوار الإقليمية أو دول أجنبية أخرى ولاسيما استهداف الميليشيات المنفلتة التي تستهدف البعثات الدبلوماسية وقوات التحالف الدولي وغير ذلك من الأزمات الخارجية .

وهذا ما لمسناه من الخطاب السياسي الكوردستاني للسَّيِّد ( نيچيرڤان بارزاني ) ومن نتائج هذا الخطاب وصول وزير الخارجية الإيراني ( جواد ظريف ) والوفد المرافق له، والذي ضمَّ سفير إيران في العراق (إيرج مسجدي) والقنصل العام الإيراني في أربيل (نصر الله رشنودي ) والقنصل الإيراني في السليمانية (مهدي شوشتري) وعددًا من المسؤولين والمستشارين في الخارجية الإيرانية.

وعبّر ظريف عن قلقه وانزعاجه من الهجمات الصاروخية التي شنّت على أربيل، مشددًا على أن إيران تريد أن يستتب الأمان والاستقرار في المنطقة ومبديًا رغبة بلاده على تعزيز علاقاتها التاريخية مع إقليم كوردستان.

هل سنرى استجابة لدعوة السَّيِّد ( نيچيرڤان بارزاني ) من قبل الأطراف السياسية العراقية والجلوس على طاولة الحوار لحل الملفات العالقة بين أربيل وبغداد ضمن إطار العراق وبعيدًا عن التدخلات الإقليمية ؟!

Shafaq Live
Shafaq Live
Radio radio icon