لحظة مصيرية تبحث عن ضمانات.. "نزع السلاح" يجابه "الأسوأ"

لحظة مصيرية تبحث عن ضمانات.. "نزع السلاح" يجابه "الأسوأ"
2025-12-22T20:53:10+00:00

شفق نيوز- بغداد

في ظل تباين مواقف الفصائل العراقية المسلحة بشأن حصر السلاح بيد الدولة، بين القبول المشروط والرفض الصريح، تبرز تساؤلات حول طبيعة الشروط التي قد توافق عليها هذه الفصائل لنزع السلاح، وما إذا كانت الضغوط الخارجية تلعب دوراً حاسماً في رسم مواقفها الحالية.

ويأتي هذا الجدل السياسي والأمني في توقيت بالغ الحساسية، عقب الانتخابات التشريعية التي جرت في 11 تشرين الثاني/نوفمبر 2025، وما أفرزته من ثقل سياسي كبير للفصائل داخل البرلمان، إلى جانب تصاعد الضغوط الإقليمية والدولية لإعادة تنظيم العلاقة بين الدولة والسلاح، في إطار تحولات أوسع يشهدها الإقليم.

قضية عراقية 

وفي هذا السياق يؤكد عضو ائتلاف دولة القانون، ضياء الناصري، لوكالة شفق نيوز، أن "حصر السلاح بيد الدولة ينسجم مع مطالب المرجعية الدينية، كما يتقاطع مع المطالب الداخلية والخارجية، وهو ما يجعله خطوة إيجابية تصب في مصلحة استقرار الدولة".

ويأتي هذا الموقف في سياق تصريحات سابقة لزعيم ائتلاف دولة القانون، نوري المالكي، الذي أشار الشهر الماضي إلى وجود توجه لتسليم السلاح الثقيل للفصائل المسلحة إلى الدولة العراقية، في خطوة تعكس تحولاً تدريجياً داخل بعض القوى السياسية الشيعية.

من جهته، يشدد الباحث في الشأن السياسي عباس غدير، على أن حصر السلاح بيد الدولة "مطلب عراقي قبل أن يكون مطلباً أميركياً أو خارجياً"، لافتاً إلى أن المرجعية الدينية طالبت أكثر من مرة بضرورة حصر السلاح بالمؤسسات الرسمية.

ويوضح غدير، في حديثه لوكالة شفق نيوز، أن "المبررات التي وُجد السلاح من أجلها أصبحت جزءاً من الماضي، فالوضع الأمني أكثر استقراراً، والاحتلال بدأ بالانحسار، وهناك اتفاقيات تنظم الوجود الأجنبي"، مضيفاً أن توقيت وآليات حصر السلاح شأن عراقي خالص، ستتولى الحكومة المقبلة المنتخبة تنظيمه من خلال التفاوض مع الفصائل.

ويؤكد أن "العراقيين لا يقبلون بأي ضغوط خارجية، لا لفرض نزع السلاح ولا لمنع حصره بيد الدولة".

من السلاح إلى السياسة

أما الباحث السياسي أبو ميثاق المساري، فيرى أن المرحلة الحالية هي "مرحلة تسليم السلاح طوعاً، دون ضغوط أو ابتزاز من أي جهة داخلية أو خارجية"، معتبراً أن دوافع الاحتفاظ بالسلاح "انتفت وفق تقدير بعض الجهات، فيما لا تزال فصائل أخرى، مثل النجباء وكتائب حزب الله، ترى ضرورة الإبقاء عليه".

ويشير المساري خلال حديثه لوكالة شفق نيوز إلى أن نتائج الانتخابات الأخيرة، التي منحت الفصائل نحو 97 مقعداً برلمانياً، تمثل "انتصاراً سياسياً كبيراً"، يستوجب انتقال هذه القوى إلى العمل السياسي بشكل أوسع، وتوظيف نفوذها داخل المؤسسات بدلاً من ساحات القتال.

ويضيف أن هذه المعطيات دفعت باتجاه "ركن السلاح جانباً ولو بشكل مؤقت، لصالح الحضور السياسي".

ضمانات واشتراطات

بدوره، يوضح أستاذ العلاقات الدولية فراس إلياس، أن ما تشهده الساحة حالياً يمثل "تحولاً نسبياً في موقف بعض الفصائل المسلحة، التي قبلت من حيث المبدأ بحصر السلاح بيد الدولة، لكنها تبحث عن ضمانات، أبرزها الغطاء السياسي وتجنب أي استهداف أو انتقام أميركي عسكرياً أو اقتصادياً".

ويبيّن إلياس في حديثه لوكالة شفق نيوز، أن فصائل أخرى، وفي مقدمتها كتائب حزب الله وحركة النجباء، ربطت موقفها بانسحاب القوات الأميركية وإنهاء النفوذ الأجنبي، مشيراً إلى أن الإشكالية الأبرز تكمن في غياب آلية واضحة لتنفيذ حصر السلاح، في ظل حكومة منتهية الولاية، والحكومة الجديدة لم تر النور بعد.

ويؤكد أن التحول في مواقف الفصائل لا يعود إلى البيئة الداخلية فقط، بل يتأثر بتغيرات إقليمية ودولية، أبرزها تداعيات أحداث 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023 في غزة، وما تلاها من صدامات إقليمية، وصولاً إلى الحرب بين إسرائيل وإيران في حزيران/يونيو 2025.

ويضيف أن الفصائل باتت تدرك أنها أمام واقع إقليمي جديد، وأن إيران لم تعد تمتلك القدرة ذاتها على التأثير في الداخل العراقي كما في السابق.

يشار إلى أن الإطار التنسيقي، وفي بيانه الذي صدر مساء اليوم، عقب اجتماعه الدوري، شدد على دعمه لقرار حصر السلاح بيد الدولة "وفق مشروع وطني متكامل وآليات قانونية واضحة، بما يعزز سيادة الدولة ويحفظ الأمن والاستقرار ويخدم المصلحة العليا للبلاد".

خطر التصعيد  

في المقابل، يحذر الخبير الأمني والاستراتيجي أحمد الشريفي من أن رفض بعض الفصائل نزع السلاح "سيؤدي إلى تعقيد الموقف العراقي"، مشيراً إلى أن موقف الدولة "لا يقبل التجزئة".

ويوضح الشريفي لوكالة شفق نيوز، أن القضية لم تعد محلية فحسب، بل ترتبط بـ"نظام إقليمي جديد يتجه نحو نزع السلاح في عموم المنطقة"، محذراً من أن الرفض قد يفتح الباب أمام خيارات قسرية، تتراوح بين العقوبات الاقتصادية والعمليات العسكرية، مرجحاً الخيار العسكري في المرحلة الحالية.

ويضيف أن التجارب الأخيرة في سوريا، والعمليات المشتركة العراقية الأميركية التي أعقبتها ضربات جوية فجر الجمعة الماضي في سوريا، تشير إلى أن المعلومات الاستخبارية قد تُستخدم لتحديد أهداف داخل العراق في حال استمرار الرفض، لافتاً إلى أن الخلاف لا يقتصر على مبدأ نزع السلاح، بل يمتد إلى آليات التسليم، خصوصاً ما يتعلق بالسلاح الثقيل.

وخلص الشريفي إلى أن غياب موقف موحد وآلية واضحة سيبقي "الذريعة قائمة" أمام الولايات المتحدة، ما قد يفتح الباب أمام ضربات جوية جديدة داخل الأراضي العراقية.

وكان القيادي في الإطار التنسيقي عبد الرحمن الجزائري، قد كشف في وقت سابق من اليوم الاثنين، أن موقف المرجعية الدينية في النجف يرفض المساس بأوراق الحشد الشعبي، فيما بين أن فصيلين قدما 6 مطالب مقابل تسليم السلاح.

وقال الجزائري لوكالة شفق نيوز، إن "اتصالا شخصيا أجريته يوم أمس مع احد وكلاء المرجعية في النجف، للاستيضاح حول ملف الحشد الشعبي، وأجابني بأنه لايمكن إصدار أي قرار يمس الحشد الشعبي قبل تشكيل الحكومة".

وأضاف أن "الفصائل التي رفضت تسليم سلاحها (في اشارة الى كتائب حزب الله وحركة النجباء)، قدمتا لائحة بمطالبها الى قوى الاطار التنسيقي، وتتضمن 6 مطالب من بينها تقديم ضمانات بأن يتم استلام او تسليم السلاح الى الحكومة حصرا (وزارتي الداخلية والدفاع)، وعدم استهداف مقارهم".

وأكد أن "قادة الإطار اتفقوا على أن تكون قرارات رئيس الوزراء المقبل بعيدة عن الحشد".

وكان مصدرا في الإطار التنسيقي، كشف امس الأول لوكالة شفق نيوز، عن طلب القوى السياسية المنضوية في الإطار من بعض الأطراف الدولية الوسيطة، تقديم ضمانات فعلية بعدم التعرض للفصائل المسلحة، خلال خطوات حلها ودمجها بالمؤسسات الأمنية.

وقال إن "القوى السياسية في الإطار التنسيقي طلبت من بعض الاطراف الدولية (الوسطاء) تقديم ضمانات حقيقية مقابل حل الفصائل المسلّحة ونزع أو حصر سلاحها بيد الدولة، وتتمثل الضمانات بعدم التعرض لها او استهدافها، وأن يترك أمر الحل والدمج دون مدة محددة، لأن الحراك سيكون داخلياً".

وأشار المصدر، إلى أن "الضمانات فيها أيضا، عدم استهداف قيادات الفصائل المنحلة وعدم المساس باقتصاديات تلك الفصائل وعناوينها".

وأعلنت بعض الفصائل المسلحة، يوم السبت، موافقتها على الدعوة لحصر السلاح بيد الدولة، وصدرت مواقف رسمية من قبل الأمين العام لكتائب الإمام علي شبل الزيدي، ومن ثم لحقتها دعوة أمين عام حركة عصائب أهل الحق قيس الخزعلي، وأيضا فصيل أنصار الله الاوفياء، فضلاً عن المتحدث باسم كتائب سيد الشهداء.

لكن، كتائب حزب الله، أصدرت بيانا مساء اليوم السبت، رفضت فيه "نزع سلاحها" وأكدت أن "السيادة وضبط أمن العراق ومنع التدخلات الخارجية بمختلف وجوهها، هي مقدمات للحديث عن حصر السلاح بيد الدولة، نؤكد أن موقفنا يطابق ما ذهب إليه مراجعنا، متى ما تحقق ذلك".

كما أكد قيادي في حركة "النجباء" إحدى الفصائل المسلحة في العراق، مساء السبت، استمرار الحركة في مقاومة الأميركيين بكل الطرق.

Shafaq Live
Shafaq Live
Radio radio icon