يودعونه بكسر الأواني.. تقاليد عراقية لطرد "نحس" شهر صفر (صور)

يودعونه بكسر الأواني.. تقاليد عراقية لطرد "نحس" شهر صفر (صور) شفق نيوز/ كسر الأواني لطرد "نحس" صفر
2025-08-23T14:23:41+00:00

شفق نيوز- بغداد

"اطلع يا صفر اطلع يا صفر" هكذا تردد الحاجة أم حسن (60 عاماً) بصوت عال وهي تطرق أبواب المنزل والجدران وشفاهها تردد تمتمات غير مفهومة.

لا تكتفي الحاجة بهذه التمتمات الغامضة، بل تقوم بحرق مكنسة من الخوص مرددة "اطلع يا صفر حركناك يا صفر يابو المصايب والكدر اطلع يا صفر يا شهر الشؤم والضجر".

وترتبط هذه العادات التي يمارسها عراقيون في نهاية شهر صفر بتقاليد لا مناص من ممارستها عند كثيرين خاصة في مدن وسط وجنوب العراق.

ومن التقاليد الأخرى، شراء نساء الذهب في آخر أربعاء من شهر صفر كنوع من التفاؤل ودفع الحزن.

ويرجع هذا التقليد لارتباط شهر صفر، حسب مصادر تاريخية بأصفار مكَة وخلوها من أهلها حيث سافروا في هذا الشهر.

ويوضح الباحث الأثري مهدي البديري، أن "شهر صفر يرتبط في الذهنية العراقية بأحداث تاريخية مؤسفة، ما جعل بعض العراقيين يربطونه بفكرة (النحس) أو (الشر) ويمارسون طقوساً خاصة لدرء المكاره، خاصة وأن وفاة نبي الإسلام محمد وقعت في شهر صفر واستشهاد الإمام الحسن والإمام علي بن موسى الرضا إضافة إلى ذكرى أربعينية الإمام الحسين".

ومن العادات التي يمارسها البغداديون في شهر صفر، يقول البديري لوكالة شفق نيوز، إن "منها تجنب إقامة المناسبات السعيدة كحفلات الزواج والميلاد وغيرها، أما في غروب الشمس من آخر يوم بشهر صفر فيقدم الكثير على كسر الأواني الفخارية أو الزجاجية أمام بيوتهم أو محالهم التجارية، لاعتقادهم أن هذه العادة المتوارثة منذ مئات السنين، تطرد (النحس) والشر الذي يظنون أنه مرتبط بشهر صفر".

وبالإضافة إلى طرد النحس، يعتقد البعض أن حرق المكنسة اليدوية وكسر الأواني قد يمنع من فقدان شخص عزيز عليهم، لكن بعض التقاليد الشعبية تمتزج مع "مستحبات" دينية يوصي بها الفقهاء وعلماء الدين، كالصدقة والدعاء لدفع البلاء والمكاره وجلب الخير نهاية شهر صفر، وفقاً للباحث.

أما شراء الذهب في آخر أربعاء من شهر صفر، يوضح البديري أن "هذه عادات في بعض مناطق العراق، إذ يعتقدون أنها تجلب الرزق وتدفع نحس البلاء، لكنها تقاليد قديمة وقليل من يعمل بها، فيما اعتاد البعض وضع مبلغ رمزي تحت الوسادة في آخر ليلة من شهر صفر للتصدق به في اليوم التالي".

من جهته، يقول الصائغ شاهين المندلاوي في منطقة الكاظمية ببغداد، إن "النساء تتأثر بالسوشيال ميديا أكثر من الرجال، لهذا فإن موضوع شراء الذهب في آخر أربعاء من شهر صفر، تمارسه الكثير من النساء دون معرفة بشأن أصل المعتقد الذي هو بحسب المسموعات يعود إلى أيام الجاهلية عندما كانوا يعودون من الحرب (صفر اليدين) وكانوا يعتقدون أن كل أربعاء هو يوم بلاء، لهذا اختاروا يوم الأربعاء لشراء الذهب لدفع النحس أو البلاء أو التقليل من الشرور".

ويضيف المندلاوي لوكالة شفق نيوز، أن "الزبائن الذين يشترون الذهب في آخر أربعاء من صفر يقولون إن الذهب ينمو خلال السنة ويتضاعف".

وبعكس الاعتقادات السائدة التي تصف شهر صفر بالشر والشؤم، يسمى الشهر بـ"صفر الخير" في الموروث الديني، لنبذ الاعتقادات السائدة وللتأكيد على أنه شهر لايختلف عن غيره من الشهور. 

وبهذا السياق، يوضح الباحث الإسلامي سلمان البهادلي، أن "ثمة عادات وسلوكيات اجتماعية يمارسها كثيرون نهاية شهر صفر لاعلاقة لها بأي تشريع ديني، والكثير منها مجرد (خرافات) موروثة من زمن بعيد". 

ويبيّن البهادلي لوكالة شفق نيوز، أن "شهر صفر يرتبط بمأساة تاريخية تتمثل بمسيرة السبي بعد استشهاد الإمام الحسين، لذا يعتبر شهر صفر مكملاً لشهر محرم من حيث الحزن والمأساة التي ترتبت على الأحداث الكبيرة التي مرت على آل بيت النبي".

وينوّه إلى أن "الشريعة الإسلامية تنبذ الاعتقادات التي لا أصل لها في التشريع الإسلامي، فالشريعة لا تمنع التعاقدات والصفقات التجارية في شهر صفر، ولا تمنع عقود الزواج والمناسبات الأخرى شريطة عدم إظهار الفرح احتراماً للنبي وأهل بيته".

وأكد: "من الأفضل القيام في نهاية شهر صفر بأعمال مشروعة بدل كسر الأواني وحرق المكانس وغيرها، كالتضرع والدعاء والصلاة أربع ركعات ويهدى ثوابها إلى روح النبي، والتصدق بما تيسر من مال والإكثار من الصلاة على النبي وآله".

لكن لا تتوقف ممارسة العادات الشعبية في نهاية صفر على كبار السن أو العوائل الريفية، فثمة فتيات يقمن بأعمال "طرد الشر" في شهر صفر، ولا يجدن مناصاً من ذلك العمل.

وتقول الشابة سمية خلود إنها "دأبت نهاية شهر صفر على كسر بعض الأواني في كل عام".

وتوضح لوكالة شفق نيوز، أنه "في بعض الأحيان نمارس طقوساً غير واضحة وغير مقبولة من جانب العلم أو الدين، ويمكن وصفها بالخرافة، لكنها ذات تأثير فعال من حيث لا نشعر"، على حد قولها، منوّهة، إلى أنها "تقوم بتقليد والدتها بكسر الأواني في باب منزلها بغية عدم السماح بدخول الشر للمنزل".

وتضيف الشابة، أن "التأثيرات النفسية للتربية والتقاليد تدفعها لهذا العمل بصرف النظر عن جدواه، لكنها تشعر بالفراغ والتقصير وتأنيب الضمير إن لم تقم به وكأنه مرتبط بخيانة عادات الأهل".

ولا يخفى أن للموروثات تأثير نفسي على العديد من الشرائح والطبقات الاجتماعية، لأنها تمثل طوقاً يصعب على كثيرين التخلص منه.

وبهذا الصدد، يقول الباحث النفسي عبد الكريم الجابري، لوكالة شفق نيوز، إن "الاستجابة للتقاليد سواء في عادة كسر الأواني أو غيرها تمثل نوعاً من تفريغ الشحنات الانفعالية من خلال القيام بهذا العمل الرمزي المتوارث".

ويرى الجابري، أن "ثمة انفعالات جمة مرتبطة بشهر صفر تنعكس نفسياً على الأفراد من خلال التوتر والقلق، ويبحث الانسان عن سبل معينة لخفض التوترات باللجوء إلى ممارسة كسر الأواني".

ويؤكد أن "هناك رغبات لدى الأفراد تدفعهم لاشعورياً للتخلص من ثقل المعاناة ودوامة الحزن والطاقة السلبية الكامنة في نفوسهم"، منوّهاً إلى أن "ممارسة بعض التقاليد بشكل جماعي تعزز الروابط، وتحوّل العادات إلى وظيفة اجتماعية مشتركة".

Shafaq Live
Shafaq Live
Radio radio icon