كنائس الأنبار بلا مسيحيين.. الحنين إلى التعايش يدفع السكان للم الشمل (صور)

كنائس الأنبار بلا مسيحيين.. الحنين إلى التعايش يدفع السكان للم الشمل (صور)
2021-12-19T20:23:56+00:00

شفق نيوز/ فيما يبدو أنها حالة من "النستولوجيا" تدفع الأهالي في مدن كانت فيما مضى متنوعة بسكانها؛ انتشرت قطع إعلانية تحمل عنوان "المساجد تعانق الكنائس"، في الشوارع الرئيسية في محافظة الأنبار غربي العراق.

وتأتي هذه اللافتات في مبادرة لتشجيع التعايش السلمي، وتحمل رسالة لأبناء الديانة المسيحية للعودة إلى ديارهم في الانبار، وذلك بعد أن هاجروا البلاد في ثلاث فترات من تاريخ العراق الحديث؛ حيث شهد مطلع القرن العشرين موجة الهجرة الأولى، لتأتي الثانية بعد تدهور الوضع الاقتصادي في البلاد بعد قيام نظام صدام حسين بغزو الكويت مطلع تسعينيات القرن الماضي، لتتوجه بهجرة اكبر واكثر ايلاماً بعد سقوط نظام البعث عام 2003 واندلاع الحرب الطائفية وما نجم عنها من تهجير قسري. 

 عراق مصغر

ويقول الكاتب محمد عواد، المعروف بـ"ابو يقين" ضمن الأوساط الثقافية الأنبارية، أن "غالبية المسيحيين من ابناء الانبار كانوا قد اتخذوا من مدينة الحبانية المعروفة بأنها (عراق مصغر)، ملجأ لهم، وذلك منذ عام 1921، حين باشر الانكليز بإنشاء معسكر لهم، والمعروف الآن بـ(معسكر الحبانية)، والذي تم إنجازه سنة 1935، وخلال سنوات عملهم بالمعسكر، قاموا باستدعاء أعداد كبيرة من المسيحيين العراقيين للعمل معهم، وكان غالبيتهم من أبناء اربيل ونينوى".

ويبين أبو يقين، خلال حديثه لوكالة شفق نيوز؛ أن "بعد قدوم المسيحيين من اربيل ونينوى، سكنوا الحبانية، وفاقت أعدادهم آنذاك أعداد العرب السنة والشيعة، حيث تجاوزوا الألف نسمة، قام الانكليز بإنشاء حي مدني خاص بهم، وسمي بـ(Civilian City)، والمعروف حالياً بمنطقة (السي سي)، وتم أيضا إنشاء دور عبادة لهم ليمارسوا طقوسهم الدينية، إذ تم بناء خمس كنائس، الأولى داخل معسكر الحبانية، والأخرى بالقرب من قبر ستان، والتي دفنت وسطها رفات الانكليز وعدد من المسيحيين، واثنين داخل منطقة السي سي".

ويتابع أبو يقين، أنه "بعد تزايد أعداد سكان المنطقة بسبب قيام الانكليز بجلب عدد من اخر العمال المسيحيين والعرب الشيعية، قاموا بأنشاء مجمع سكني آخر، أطلق عليه Collie camp أي حي العمال، وتم ايضاً إنشاء كنيسة لهم سميت بـ"كنيسة مام ساوة".

 الهجرة من الأنبار

وعن أولى الهجرات المسيحية من الانبار، يقول الكاتب أنور محمود من داخل محل بيع الزجاج بمنطقة السيسي، أن "أول هجرة كانت سنة 1970 ولم تقتصر على المسيحيين فحسب، أنما حتى العرب، حيث تم ترحيل الجميع خارج أسوار الحبانية، حيث قام وزير الاوقاف والشؤون الدينية آنذاك (النقيب نوري فيصل شاهر) وكان عضو في استخبارات معسكر الحبانية، وبسبب سلطة حزب البعث، طرح فكرة أن يكون المعسكر فقط للعسكريين، وليس هناك داع لبقاء أي مدني، وتم إنشاء مجمع للمسيحيين اطلق عليه مجمع (واحد أيار) في منطقة الخالدية، أما ما تبقى منهم فسكنوا في بغداد وتحديدا مناطق الكرادة والدورة وكراج الامانة والنعيرية".

وأضاف محمود في حديثه لوكالة شفق نيوز، أنه "بسبب الحروب التي خاضها الرئيس الراحل صدام حسين بسنوات الثمانينات مع إيران، وحرب الكويت، بدأت اعداد المسيحيين تقل شيئاً فشيئا، ولم يتبقى احد المسيحيين  في الانبار بعد العام 2006 وذلك بعد قيام تنظيم القاعدة بتفجير كنيسة مريم العذراء وسط الحبانية، وكان بينهم انويا اوراها وعائلة قس كنيسة مار كوركيس (شارلمان شموئيل)، والتي من المقرر إعادة تأهيلها في القريب العاجل"، لافتا الى ان اغلبهم "هاجروا إلى كندا واستراليا ودول أوروبا".

ويذكر محمود، بأنه "قبل أسابيع من اليوم، التقيت بعدد من المسيحيين، بكنيسة مريم العذراء، حيث أقاموا قداسا هناك، حيث جاء عدد منهم وهم الذين ولدوا في الحبانية". مؤكداً، أنه "لم يتبقَ في الحبانية من المسيحيين سوى واحد منهم يدعى (عبد الأحد عبدو) ويسكن بكنيسة مريم العذراء".

 العودة لأيام الطفولة

من جهته؛ يقول عبد الأحد عبدو، "غادرت الحبانية سنة 2006 ولكن بسبب اصابتي بجلطة قلبية، عدت الى الحبانية احاول استرجاع عافيتي، من خلال استذكار ايام طفولتي هنا، فأنا من مواليد الحبانية".

وبين عبدو لوكالة "بعد أن أتمكن من استعادة عافيتي، حينها يمكنني الذهاب الى اهلي خارج العراق أو اي مكان آخر". رافضاً الحديث عن سبب هجرة أهله وباقي المسيحيين من الانبار.

غير أنه يؤكد أنه يعيش بسلام وسط جيرانه العرب المسلمين، ويتم معاملته على أنه واحد منهم، "لا أحد يضايقني او يسألني عن ديانتي حتى".

 الفتنة

يقول عبد السلام المحمدي المختص بحوار الأديان، أن "لا وجود لأي مشاكل قديمة او حديثة بين المسيحيين والمسلمين، والتعايش فيما بينهم سلمي، كونهم ليسوا من طائفة نقيضة، كما هي الفتنة الحاصلة بين المكون السني والشيعي، لكن المسيحيين أناس مسالمين وينظروا الى المدنية الغربية، فمنذ بدء الحروب التي خاضها الرئيس الراحل صدام حسين، بدأ المسيحيون بالهجرة، كونهم طلاب سلام ويبحثون عن البيئة الآمنة، والغالبية هاجروا قبل احتلال العراق سنة 2003".

وأوضح المحمدي في حديثه لوكالة شفق نيوز، أنه "من الغريب دعوة المسيحيين للعودة الى الانبار للتعايش السلمي، فلا يوجد مسيحي قال أن مسلماً آذاه بكلمة او تصرف، والعكس كذلك، وإنما المسيحيون يتطلعون الى العيش بأجواء سلام آمنة".

واردف المحمدي، أنه "في حال ساد الامان والاستقرار في العراق، فمن المؤكد أنهم سيعودون، فحتى الآن نحن على تواصل مع المسيحيين الذين كانوا يسكنون الحبانية، فهم يعيشون في أجواء آمنة ولا يرغبون بالعودة الى بلد مليء بالفساد والسلاح المنفلت وغيرها من المنغصات التي دفعت بهجرة حتى العرب والكورد، والغالبية منا يتمنون الهجرة ايضاً، بحثاً عن الأمان والاستقرار".

Shafaq Live
Shafaq Live
Radio radio icon