شفق نيوز تدخل قاعدة المارينز: مبان تحاكي العراق وعبارات "فارسية" (صور وفيديو)

شفق نيوز تدخل قاعدة المارينز: مبان تحاكي العراق وعبارات "فارسية" (صور وفيديو)
2025-09-12T18:33:39+00:00

شفق نيوز- واشنطن

مصطفى هاشم

بالقرب من صخب واشنطن، وعلى بُعد نصف ساعة فقط بالسيارة، ينهض مصنع قادة مشاة البحرية الأمريكية (المارينز)، المعروف رسميًا باسم "المدرسة الأساسية" داخل قاعدة كوانتيكو العسكرية.

في قلب غابات فرجينيا الكثيفة، زار مراسل وكالة شفق نيوز هذه القاعدة المعزولة عن أي مدينة حقيقية، حيث تشرق الشمس على جدران خرسانية صلبة، وطرق ترابية مليئة بالحصى الخشن وطلقات الرصاص الفارغة المتناثرة.

للوهلة الأولى، تبدو القاعدة كأنها مدينة أشباح، لكن خلف هذا السكون الموحش تختبئ حكايات لا تُحصى. هنا، في "مدينة القتال الحضري"، يتدرّب الجنود وسط نسخة طبق الأصل من مدن مزّقتها الحروب، بمبانٍ تُشبه ما قد تراه في شوارع بغداد أو الموصل، ولافتات مكتوبة باللغة الفارسية تُضفي على المكان واقعية مقلقة وغرابة آسرَة في آنٍ واحد.

في هذا المكان المعزول حيث تنقطع إشارة الهاتف، التقينا بعالمين متناقضين، الأول مبنى إداري أنيق، حيث استقبلنا ضباط بملابس نظيفة وأحذية لامعة، ويتحدث معنا مدير العمليات الضابط ماكووسكي عن فلسفة مدرستهم القائمة على "القناعة، الكفاءة، والشخصية".

وشارك ماكووسكي في ثلاث مهمات في العراق من بينها معركة الفلوجة عام 2004، إحدى أعنف المعارك الحضرية في التاريخ الحديث.

وعند سؤاله عن تأثير خبرته في العراق على ما يعلّمه اليوم للجيل الجديد من الضباط، فإنه لم يتحدث عن انتصارات أو بطولات، بل تحدث عن "عدو صامت وغير مرئي كان يحصد الأرواح كل يوم: العبوات الناسفة المبتكرة (IEDs)".

وقال بصوت هادئ ولكنه حازم: "ما يواجهه هؤلاء الشباب اليوم مع الطائرات بدون طيار، هو تمامًا ما واجهناه نحن مع العبوات الناسفة، كلاهما تهديد غير متوقع، يجبرك على التعلم بسرعة، لأن الخطأ الأول قد يكون الأخير".

خلال حديثه كنا نرى في خارج المبنى المئات من الضباط المتدربين الذين إما يجرون أو يتدربون أو ينتشرون.

ويشير مكاووسكي إلى أن "الشخصية هي المؤشر الأكثر دقة للنجاح"، فالمارينز لا يريدون مجرد مقاتل كفء، بل قائدًا قادرًا على استخدام "القوة القاتلة بما يتماشى مع قيم المجتمع".

وبعد ربع ساعة من المسير بالسيارة، وصلنا إلى المدينة الوهمية، هنا، لا وجود للأناقة. الضباط والطلاب المتدربون ملابسهم وأحذيتهم مغطاة بطبقة كثيفة من الغبار، كأنما وصلوا للتو من مهمة طويلة في صحراء الأنبار. هذا الغبار ليس مجرد تراب، إنه اللغة المشتركة بين هذا المكان وأماكن أخرى تبعد آلاف الأميال.

هذه المدينة الوهمية ليست مجرد مكان للتدريب على إطلاق النار، بل إنها مختبر لمحاولة فهم الفوضى، فكل تمرين هو محاولة لتجنب أخطاء الماضي التي وقعت في مدن حقيقية، وعندما يتعلمون كيفية التعامل مع "الاعتبارات المدنية"، وكيفية تجنب المواقع الدينية، فإنهم لا يطبقون مجرد قاعدة في كتاب، بل يستحضرون مشاهد من حروب سابقة حيث كان الخط الفاصل بين المقاتل والمدني رفيعًا وخطيرًا.

ويشرح الكابتن مايكا توماس، قائد السرية "تشارلي" التي تخوض التدريب، طبيعة ما يجري لمراسل الوكالة، بالقول: "التدريب يركز على العمليات في المناطق الحضرية، نحن نعتبر هذا النوع من القتال مرحلة متقدمة، لأنه ينقل الطلاب من بيئة القتال البسيطة في الغابات إلى بيئة ثلاثية الأبعاد ومعقدة مليئة بالمباني والنوافذ والزوايا".

ويضيف الكابتن توماس أن السيناريو مصمم "بعناية فائقة"، مضيفا: "يواجه المتدربون عدوًا وهميًا أطلقنا عليه اسم القوة الثورية السنترالية، فالهدف ليس محاكاة قتال ضد دولة معينة، بل بناء قصة متكاملة تتطور معهم، قدرات هذا العدو حقيقية ومبنية على تهديدات واقعية، لكن هويته تظل خيالية".

أما عن التكتيك، فيوضح أن كل شيء يعتمد على ما يسمى "دورة الهجوم الحضري"، وهي عملية من أربع خطوات: الاستطلاع لفهم التضاريس، ثم العزل لقطع الدعم عن العدو، ثم تأمين موطئ قدم لاقتحام المبنى، وأخيرًا الاستيلاء على الهدف.

وبشأن المباني التي تشبه الشرق الأوسط والكتابة باللغة الفارسية، يوضح: "دخول مبنى هو دخول مبنى، سواء كان مبنى من الطين كما رأيت في العراق، أو هذه الهياكل الخرسانية هنا، المبادئ لا تتغير".

ويؤكد الكابتن توماس على الجانب الأخلاقي في القتال: "تدريب الضباط يشمل كيفية تقليل الخسائر في صفوف المدنيين، يتعلمون قانون الحرب واتفاقيات جنيف في وقت مبكر. نضعهم في سيناريوهات معقدة تحاكي وجود مدنيين أو مواقع دينية مثل المساجد التي يُمنع المساس بها، مع قواعد اشتباك صارمة، الهدف هو تعليمهم الانضباط".

لكن الوصول إلى هذه المرحلة المتقدمة لم يأتِ من فراغ. حيث سرد الكابتن أوليفر ماكيلوبس، المدرب الرئيسي لهذا الجزء من التدريب، آليات بناء القائد وفقًا لمبدأ "الزحف - المشي - الركض".

حيث تم تجهيز المتدربين بمعدات حماية شخصية كاملة، تشمل خوذات "كيفلار" وسترات واقية حديثة (الجيل الثالث) مع صفائح لحماية الصدر والظهر، بالإضافة إلى أحزمة قتالية موحدة، أما الذخيرة المستخدمة في التدريب فهي غير حقيقية، حيث يعتمدون على الطلقات الفارغة للأسلحة النارية، وقنابل الدخان للتمويه والإخفاء، إلى جانب صواريخ وقنابل يدوية تدريبية.

الهجوم على المباني وأصوات الانفجارات، والدخان الذي يحجب الرؤية، والمدربون الذين يصرخون بـ"إصابات" وهمية لإجبار القادة على اتخاذ قرارات مصيرية في أجزاء من الثانية، فكل شيء في القاعدة مصمم ليكون صعبا.

ويتخرج من هذا المكان 1800 ملازم جديد كل عام، يعيشون ستة أشهر من الضغط النفسي والجسدي الهائل، ينامون في العراء، ويحملون أثقالًا تقارب نصف وزن أجسادهم لمسافات طويلة، ويتعلمون اتخاذ قرارات حياة أو موت في أجزاء من الثانية.

هؤلاء الشباب يعيشون ستة أشهر في حالة "سيناريو تكتيكي على مدار 24 ساعة" عندما يكونون في الميدان. ينامون في العراء تحت المطر، ويقف ثلثهم للحراسة بينما يحاول البقية خطف ساعات قليلة من النوم المتقطع.

Shafaq Live
Shafaq Live
Radio radio icon