إشارة أمريكية تدخل القوى الشيعية في صراع وتربك التوازن السياسي في العراق

إشارة أمريكية تدخل القوى الشيعية في صراع وتربك التوازن السياسي في العراق
2025-08-04T20:52:55+00:00

شفق نيوز- بغداد/ واشنطن

مع اقتراب نهاية عمر الدورة النيابية الحالية، يجد العراق نفسه أمام اختبار سياسي معقّد يتمثل في مشروع قانون الحشد الشعبي، الذي يُعاد طرحه وسط صراع داخلي حاد وضغوط خارجية متزايدة. ففي الوقت الذي تسعى فيه قوى الإطار التنسيقي لتمرير القانون بوصفه تتويجًا لموقع الحشد داخل المنظومة الأمنية، ترى واشنطن أن تمريره بالصورة الحالية يهدد التوازن العسكري ويُشرعن نفوذ جماعات مسلحة مرتبطة بطهران.

القانون الذي تأجل التصويت عليه مرارًا، أصبح الآن نقطة اشتباك ليس فقط بين القوى السياسية الشيعية، بل أيضًا بين بغداد وحلفائها الدوليين. وبينما تصر الحكومة على طابعه السيادي، تُلوّح الإدارة الأميركية بإجراءات عقابية إذا ما تم تجاهل ملاحظاتها. في هذا السياق، يتخذ الجدل بعدًا إقليميًا يُلامس خطوط التماس بين الولايات المتحدة وإيران على الأرض العراقية.

وبينما تؤكد لجنة الأمن والدفاع النيابية جاهزية القانون للعرض على البرلمان، لا يزال مصيره معلّقًا في ظل ما يُوصف بـ"القرار الضمني بترحيله" إلى الدورة المقبلة، بعد أن اصطدم بحائط الانقسام الشيعي و"الفيتو" الأميركي.

ملامح القانون

لم تُنشر النصوص الكاملة لمشروع القانون الجديد، لكن مصادر برلمانية ذكرت لوكالة شفق نيوز أن التعديلات الجوهرية تتعلق بهيكلة قيادة الحشد، وتحديد الرتب العسكرية، وتنظيم العلاقة الإدارية مع وزارتي الدفاع والمالية، إضافة إلى إنشاء جهاز تفتيش داخلي لمراقبة الأداء والانضباط.

كما تتضمن التعديلات والتي يدور الجدل حولها أن يكون رئيس هيئة الحشد من ذوي الخبرات العسكرية، بالإضافة إلى إنشاء مجالس عسكرية داخل الحشد، وتثبيت المراتب الوظيفية وفق هيكل رسمي، مع الإبقاء على الاستقلال الإداري. كما يُفهم من بعض البنود أن القانون يسعى لتقنين امتيازات مالية ومخصصات خاصة ببعض التشكيلات، ما يثير مخاوف من تراتبية مزدوجة داخل المؤسسة الأمنية.

الهدف المُعلن بحسب المقرّبين من اللجنة النيابية يتمثل في دمج الحشد ضمن المؤسسة العسكرية الرسمية، مع الإبقاء على خصوصيته العملياتية. غير أن مراقبين يرون أن بعض الصياغات تمنح قادة الفصائل المحسوبة على طهران موقعًا محصّنًا قانونيًا، ما يعيد إحياء المخاوف من تحوّله إلى جيش موازٍ يتمتع بشرعية قانونية كاملة دون خضوع فعلي للقيادة العامة.

تحذيرات أميركية

في تقرير نشره معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى، حذر باحثون أميركيون من أن تمرير القانون سيقوّض إصلاحات الأمن العراقي، ويمنح غطاءً قانونيًا لفصائل تعمل خارج سلطة الدولة، بما في ذلك مجموعات مصنفة أميركيًا كـ"منظمات إرهابية".

ويشير التقرير إلى أن بنود القانون تمنح صلاحيات مستقلة لرئاسة هيئة الحشد الشعبي، وتُسهم في عزلها عن نظام المحاسبة والرقابة المدنية الذي تُخضع له بقية المؤسسات العسكرية العراقية. كما يلفت إلى أن ترسيخ هذه البنية سيجعل من الصعب على أي حكومة مستقبلية إجراء إصلاحات أو تقليص نفوذ هذه القوات.

التقرير، الذي ترجمته وكالة شفق نيوز، دعا الإدارة الأميركية إلى الرد عبر أدوات ضغط متعددة، منها فرض عقوبات على قادة الحشد المقربين من طهران، تجميد بعض جوانب التعاون الأمني مع بغداد، وربط المساعدات العسكرية بمستوى الالتزام بالإصلاحات الأمنية ومبدأ احتكار الدولة للسلاح.

كما جددت الولايات المتحدة الأميركية، عبر سفارتها في بغداد، قلقها من تمرير قانون الحشد الشعبي.

وذكرت أن القائم بالأعمال ستيفن فاجن ناقش هذا الملف خلال لقائه بالنائب الأول لرئيس مجلس النواب العراقي محسن المندلاوي، حيث عبّر عن "القلق المستمر للولايات المتحدة بشأن القانون.

وأضاف أن فاجن جدد التذكير بحديث وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو، إن تشريع قانون الحشد الشعبي سيؤسس لنفوذ إيراني ويقوي الجماعات الإرهابية المسلحة، مما يهدد سيادة العراق".

رغم ذلك، يؤكد النائب عن لجنة الأمن والدفاع علي البنداوي، أن القانون بات جاهزًا للتصويت، مشددًا على أنه مشروع حكومي وليس اقتراحًا نيابيًا، "ما يعني أنه يحمل طابعًا سياديًا لا ينبغي إخضاعه لإملاءات خارجية"، بحسب تعبيره.

غير أن تصريحات من داخل البرلمان العراقي وعلى رأسها ما ورد عن عضو ائتلاف دولة القانون حسين المالكي، تُقلّل من احتمال تمريره في الدورة الحالية، مشيرًا إلى ضغوط داخلية وخارجية تدفع نحو التريث، مع إمكانية اللجوء إلى تسويات لاحقة عبر مبدأ "تبادل المكاسب".

وتشير تسريبات من الاجتماعات المغلقة داخل الإطار إلى وجود تباين بين فصائل الحشد نفسها، لا سيما حول مسألة هيكل القيادة الجديدة، وتوزيع النفوذ في المحافظات الغربية والوسطى، واحتمال تراجع امتيازات بعض القيادات.

وتشير تقارير ميدانية، وبيانات دولية، إلى أن التركيبة الفعلية لقيادة الحشد تخضع لهيمنة فصائل شيعية مرتبطة بمحاور إقليمية، ما يجعل من إدماجه ضمن مؤسسة موحدة دون مراجعة تفصيلية لمسارات التوظيف والقيادة والتسليح، أمرًا محفوفًا بالمخاطر.

الموقف الحكومي

يرى مراقبون سياسيون تحدثت معهم وكالة شفق نيوز، أن الحكومة العراقية، برئاسة محمد شياع السوداني، تقف في منطقة رمادية بين الرغبة في تمرير القانون بصفته جزءًا من توافقات "الإطار التنسيقي"، وبين الخشية من التصعيد الأميركي الذي قد يُعقّد الملفات الاقتصادية والأمنية الحساسة، لا سيما ملف العقوبات، والمفاوضات المالية مع صندوق النقد.

ويشير الباحث الاستراتيجي أحمد الياسري إلى أن واشنطن تتعامل مع القانون باعتباره جزءًا من معركة النفوذ في الشرق الأوسط، وتسعى لفصل الملف الأمني عن السياسي في العراق، خشية من فرض واقع تشريعي يُقيّد الحكومات المقبلة.

ويتناسق الطرح هذا المجمل مع ما كشفه مؤخراً بيان الخارجية الأمريكية عقب اتصال أجراه الوزير ماركو روبيو مع رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني الذي أبلغه "قلق الولايات المتحدة البالغ" إزاء مشروع قانون هيئة الحشد الشعبي المعروض حاليًا على مجلس النواب، وأكد أن أي "تشريع من هذا القبيل من شأنه أن يُرسخ النفوذ الإيراني والمجموعات الإرهابية المسلحة، وهو الأمر الذي يقوض سيادة العراق".

وبهذا الخصوص، أشار بيان حكومي عراقي صدر عقب المباحثات الهاتفية، أن السوداني لفت إلى أن "طرح قانون الحشد الشعبي، أمام مجلس النواب يأتي ضمن مسار الإصلاح الأمني الذي انتهجته الحكومة، وهو جزء من البرنامج الحكومي المعتمد من مجلس النواب، وقد شمل هذا المسار إقرار قوانين مماثلة لأجهزة أخرى ضمن قواتنا المسلحة، مثل جهازي المخابرات والأمن الوطني"، موضحاً أن "الحشد الشعبي هو مؤسسة عسكرية عراقية رسمية تعمل في ظل صلاحيات القائد العام للقوات المسلحة".

وبحسب مصادر برلمانية، فإن مشروع القانون لن يُعرض للتصويت في الدورة الحالية بسبب استمرار الانقسام وعدم تحقيق التوافق السياسي داخل المكون الشيعي نفسه، خصوصًا بشأن البنية القيادية المقترحة، ومدى خضوعها لسلطة القائد العام.

ويُعزّز هذا التأجيل ما أعلنه مؤخراً رئيس البرلمان محمود المشهداني، الذي أكد وجود رفض أمريكي صريح لتشريع القانون بصيغته الحالية.

كما لفتت مصادر سياسية لوكالة شفق نيوز، إلى أن "الولايات المتحدة تمارس ضغوطاً دبلوماسية لمنع تمريره، خشية من تكريس استقلال الحشد عن الجيش العراقي ومنح شرعية قانونية لفصائل تعتبرها واشنطن جماعات إرهابية".

ويأتي هذا الجدل بعد نحو تسع سنوات من إقرار البرلمان العراقي لقانون الحشد الشعبي لأول مرة في نوفمبر 2016، والذي جاء حينها كرد فعل على اجتياح تنظيم داعش للموصل ومناطق واسعة من العراق. غير أن القانون السابق افتقر إلى التفصيلات التنظيمية، الأمر الذي دفع بعض الأطراف إلى الدفع باتجاه تعديل شامل يحدّد بوضوح موقع الحشد ضمن المنظومة الأمنية.

يُذكر أن الحشد تأسس بقرار حكومي منتصف 2014 استجابة لفتوى "الجهاد الكفائي" التي أطلقها المرجع الأعلى علي السيستاني عقب سقوط الموصل. وقد تدفقت على إثرها آلاف العناصر من فصائل شيعية مسلحة، بعضها كان موجودًا قبل الفتوى.

Shafaq Live
Shafaq Live
Radio radio icon