أسعار بلا سقف.. لماذا لا يكتفي الموظف الحكومي في العراق براتبه؟

أسعار بلا سقف.. لماذا لا يكتفي الموظف الحكومي في العراق براتبه؟
2025-09-05T13:40:08+00:00

شفق نيوز- بغداد

ما إن يضع الموظف أمير أحمد، إصبعه على جهاز البصمة معلناً انتهاء دوامه الرسمي في إحدى وزارات الدولة، حتى يخلع وهو داخل سيارته ثيابه ليرتدي ثياباً أخرى وينطلق بعمل آخر.

يتجول أحمد في شوارع بغداد وهو يفتح تطبيقات سيارات الأجرة "التكسي" ويبدأ رحلة جديدة من العمل بعيداً عن المراجعين والمعاملات الورقية، فهو يبحث عمن يقلهم إلى وجهاتهم مقابل أجر.

ويقول أحمد بصوت متعب "لم يعد الراتب الحكومي مجزياً نحن ندور في حلقة مفرغة، ما نأخذه من الحكومة نعيده لها سريعاً بتسديد فواتير الماء والكهرباء ونفقات المدارس وغير ذلك".

ويضيف في حديثه لوكالة شفق نيوز، أنه "على الرغم من العمل الآخر الذي أمارسه بعد انتهاء الدوام، كسائق تكسي، اضطر إلى الاستدانة أيضاً في حال تأخر صرف الراتب ولو ليومين أو ثلاثة أيام وحسب، بسبب التزامات الأسرة من النفقات".

وتدفع ظروف الحياة الاقتصادية بعض الموظفين في العراق لممارسة أعمالاً إضافية لسد النفقات، ولا يقتصر الأمر على الرجال وحسب، بل حتى النساء الموظفات يزاولن أعمالاً أخرى بعد انتهاء الدوام حتى وإن من داخل المنزل.

ووجدت الموظفة عفاف صلاح، لنفسها عملاً بإعداد الكبة والبورك والدولمة والمعجنات في محاولة لتوفير مبالغ إضافية فوق راتبها المتواضع.

وتقول عفاف في حديثها لوكالة شفق نيوز، إن "هناك التزامات مالية يغطيها الراتب الحكومي مثل إيجار المنزل ونفقات الأولاد وسداد مبلغ الاشتراك الشهري بالمولدة وخدمة الإنترنت والنقل وسوى ذلك".

وتبين أن "الراتب الشهري ينفد خلال أول يومين من مطلع الشهر ما يضطرنا لمزاولة أعمالاً أخرى لتغطية النفقات اليومية".

وأصبح مشهد الموظفين الذي يمتهنون أعمالاً أخرى في المحال التجارية ومكاتب وشركات القطاع الخاص أمراً مألوفاً في العراق، وبات من النادر أن ينهي الموظف عمله الحكومي وينصرف إلى منزله من دون التوجه لعمل آخر، بسبب الضغوطات الاقتصادية التي باتت تعصف بطبقة الموظفين.

وهناك فجوة واسعة بين الدخل الشهري للموظفين، وبين الحاجة الفعلية التي تصل إلى نحو ضعف هذا المبلغ.

ويؤكد الخبير الاقتصادي أحمد عبد ربه، لوكالة شفق نيوز، أن "العمل الإضافي للموظف لم يعد خياراً ثانوياً أو طموحاً شخصياً، بل أصبح ظاهرة بارزة تعكس الحاجة الملحّة لتغطية متطلبات المعيشة التي لم تعد الرواتب الحكومية قادرة على سدها".

ويشير إلى أن "هذه الظاهرة تكشف عن خلل واضح في التوازن الاقتصادي حيث لا يتناسب دخل الموظف مع ارتفاع تكاليف الحياة اليومية ما يعكس هشاشة النظام الاقتصادي في توفير دخل كافٍ مقابل الجهد المبذول في الوظيفة الأساسية".

ويشدد عبد ربه، على أن "الحل لا يكمن في منع الموظف من العمل الآخر، بل في إجراء إصلاحات جوهرية تمس سلم الرواتب، وتفعيل القطاع الخاص ليكون بيئة قادرة على استيعاب الطاقات الشابة بدلاً من منافسة الموظف الحكومي لهم على نفس الفرص".

وهناك معايير وآليات كانت تستند لها الحكومة في صرف الرواتب، وتتضمن الراتب الاسمي والشهادة والدرجة الوظيفية ومخصصات الزوجية والأولاد، إضافة إلى بعض الحوافز والساعات الإضافية في بعض المؤسسات، بيد أن هذه الإجراءات لا تحمي معظم الموظفين بسبب المبالغ الهشة التي يحصلون عليها من مجموع هذه الآليات الإدارية.

وفي الوقت الذي تكشف فيه ظاهرة ارتباط العديد من الموظفين بعمل آخر عن أزمة اقتصادية عميقة وخلل كبير في سلم رواتب الموظفين الذي لم يعد يتناسب مع التضخم وارتفاع الأسعار، تنجم عن ذلك أيضاً مشاكل اجتماعية واقتصادية.

فمن الناحية الاقتصادية تتأثر كثير من الطبقات العاملة في القطاع الخاص من السائقين والموظفين والعاملين في الشركات الأهلية ويشعرون بمضايقة الموظفين الحكوميين لعملهم، وتنتج عن ذلك فجوة في حصول البعض على أكثر من فرصة عمل، فيما تنعدم فرص العمل لدى آخرين.

محاولة الكثير من الموظفين إيجاد توازن معيشي خلال الانخراط بأكثر من عمل لها ما يبررها وفق باحثين على الرغم من بعض التأثيرات السلبية المترتبة عليها.

الباحثة في علم النفس مناهل الصالح، توضح في حديث لوكالة شفق نيوز، أن "ضغط الوقت الناتج عن الانشغال بوظيفتين يضعف قدرة الموظف على التواصل مع أسرته، فهو لا يتمكن بسبب ضغط العمل من الترفيه عن أسرته وأولاده والتفرغ وسد احتياجاتهم الروحية والعاطفية والنفسية".

وتنوه إلى أن "المعادلة الشاقة في هذا القياس هو التأرجح بين إيجاد توازن مالي تدفع الموظف لعمل إضافي، وبين الحفاظ على حياة اجتماعية مستقرة".

وبين راتب حكومي محدود وغلاء المعيشة يجد الموظف العراقي نفسه موزعاً في أكثر من عمل ينهكه بدنياً ونفسياً من أجل أن يضمن لأسرته الحد الأدنى من العيش، فيما يحذر خبراء من انعكاسات هذه الظاهرة على الاقتصاد والمجتمع وجودة الخدمات العامة، ولا حلول لهذه المعادلة سوى القيام بإصلاحات جذرية تعيد للوظيفة الحكومية قيمتها وتمنح الموظف شعوراً بالأمان المعيشي.

Shafaq Live
Shafaq Live
Radio radio icon