ذاكرة الطبيعة في مناطق شرق ديالى تفقد ملامح أحد فصولها القديمة

ذاكرة الطبيعة في مناطق شرق ديالى تفقد ملامح أحد فصولها القديمة
2025-09-06T12:56:21+00:00

شفق نيوز- ديالى 

مع نهاية كل صيف كانت سماء مناطق شرق محافظة ديالى، وتحديدا قرى مندلي وقزانية وحمرين وغيرها، تزدحم بأسراب الطيور المهاجرة التي ترسم لوحات خلابة في الأفق، لكن المشهد اليوم بات شبه غائب، فالمستنقعات والوديان وضفاف الأنهر والبحيرات التي كانت تضج بأصوات الأوز البري والسماء التي كانت مليئة بالعقاب والنسور، تحولت إلى مسطحات قاحلة، فيما تعيش القرى صمتا بيئيا يترجم قصة تغير المناخ والجفاف.

الطيور المهاجرة كانت قبل سنوات ترى بالعين المجردة في الكثير من مناطق يوميا، وفق ما تحتفظ به ذاكرة كبار السن من صور الماضي، إذ يقول الحاج علي ستار، وهو بعمر 74 سنة، من أهالي قضاء مندلي، لوكالة شفق نيوز، إن "السماء كانت تغطيها أسراب من الطيور المهاجرة سواء الأوز ام الغربان او ما يعرف بـ"الزاغ"، وكان الاطفال يفرحون برؤيتها أو سماع أصواتها مع ساعات الصباح وقبل الغروب، لكن ذلك لم يعد موجودا الآن، وكأن الطيور هجرتنا للأبد".

من جانبه بيّن المواطن فرحان عبدالله، أن "مناطق شرق ديالى فقدت حتى الصقور، حيث كانت خطاً لهجرتها وكنّا نخرج برحلات لصيد تلك الصقور ومنها الحر النادر الذي يباع بعشرات الملايين".

ولفت عبدالله، لشفق نيوز، الى أن "من يخرج للصيد الآن من النادر أن يعود بنتيجة إيجابية، والغالبية تعود بخيبة كبيرة نتيجة إختفاء تلك الأنواع من الطيور"، مشيرا إلى أن "المناطق الشرقية في المحافظة فقدت أحد أبرز ثرواتها نتيجة اختفاء الطيور المهاجرة".

ميلان خط الهجرة

وفي السياق أكد الخبير البيئي يوسف الخواري، لوكالة شفق نيوز، أن "مناطق شرق ديالى كانت ممراً رئيسياً للطيور المهاجرة القادمة من الجنوب باتجاه الشرق أو الغرب أو صوب سوريا وتركيا وبالعكس، لكن التغيرات المناخية، والجفاف وانخفاض مناسيب المياه مؤخراً إلى جانب الصيد الجائر، كلها عوامل أدت إلى اختفاء أنواع عديدة من الكائنات والطيور أو قل حضورها بشكل لافت". 

وأضاف الخواري أن "الطيور ومن أبرزها الأوز البري والنسر والعقاب كانت تقيم في مستنقعات مائية عند هجرتها، لكن لذلك غير موجود حاليا ونلاحظ أن خط الهجرة تغير من تلك المناطق الى مناطق أخرى وهو ما ادى لتأثر التنوع الاحيائي بشكل كبير".

وتابع أن "فقدان الطيور المهاجرة لا يؤثر على الجمال الطبيعي فحسب بل يشكل تهديدا للبيئة والتنوع الاحيائي"، مبينا أن "الجفاف يدفع الطيور لعدم النزول في مناطق شرق ديالى ويجبرها على إكمال طريقها، وهناك مؤشرات على تغيرات كبيرة في أعداد الطيور وتراجعها خلال العقود الثلاثة الماضية".

الناشط البيئي سيف الجميلي، يرى أن "غياب انواع معينة من الطيور والحيوانات المهاجرة يؤدي الى اختلالات بيئية كبيرة، فهي تؤدي دوراً أساسياً في موازنة السلاسل الغذائية، والسيطرة على أعداد الحشرات، ونقل بذور بعض النباتات، وغيابها يعتبر تهديدا مباشرة للغطاء النباتي والطبيعة بحسب الخبراء والباحثين".

ثروة تتلاشى

وأكمل الجميلي في حديثه لوكالة شفق نيوز، أن "تراجع أعداد الطيور والحيوانات في مناطق مختلفة من ديالى يعود إلى التغيرات المناخية وكذلك التوسع العمراني والبناء والتجريف على حساب المناطق الطبيعية والبساتين والحقول الزراعية"، لافتا الى أن "بعض مناطق ديالى من الممكن أن تتحول إلى أماكن سياحية نتيجة توفر كل العوامل الطبيعية فيها".

وشدد على أن "استثمار البيئة الطبيعية في السياحة يكمن في الحفاظ على الطبيعة والتنوع البيئي من خلال الحفاظ على الزراعة والمسطحات المائية ومجاري الأنهار ومنع الصيد الجائر وتوفير بيئة آمنة للطيور والحيوانات الأخرى، فضلا عن تشييد محميات طبيعية كما في دول المنطقة".

ودعا الجميلي الجهات الحكومية إلى "ضرورة تبني خطة تساهم بالحفاظ على الطيور المهاجرة من خلال التوعية بأهميتها واتخاذ إجراءات على الأرض تسهم بعودتها كونها تترك آثاراً إيجابية على البيئة والطبيعة ويمكن أن تحقق موردا اقتصاديا للبلاد حال استثمرت بعض المناطق كمواقع سياحية".

ويواجه العراق منذ سنوات أزمة جفاف متفاقمة، تُعد من أخطر التحديات البيئية في تاريخه الحديث، نتيجة التغير المناخي وانخفاض معدلات الأمطار، إضافة إلى التراجع الكبير في واردات المياه من دول المنبع مثل تركيا وإيران.

وأدت هذه العوامل إلى تقلص المساحات المزروعة، وتزايد التصحر، وتضرر الأمن الغذائي، ما أثر بشكل مباشر على معيشة ملايين العراقيين، خصوصاً في المناطق الزراعية والريفية.

وبالتوازي مع الجفاف، يعاني العراق من نقص حاد في الخزين المائي داخل السدود والخزانات، حيث تراجعت المستويات إلى ما دون المعدلات الآمنة.

Shafaq Live
Shafaq Live
Radio radio icon