خفايا لعبة "لودو" الشهيرة.. شباب عالقون بين التسلية ورهانات مالية خطيرة

خفايا لعبة "لودو" الشهيرة.. شباب عالقون بين التسلية ورهانات مالية خطيرة
2025-10-16T08:11:38+00:00

شفق نيوز- بغداد

شعرت أمية عزيز (42 عاماً) بأن هناك أمرًا غير طبيعي في مصروف ابنتها آمنة، البالغة من العمر 14 عاماً، إذ لاحظت أن مصروفها اليومي تضاعف في الفترة الأخيرة، رغم أنها لم تغادر المنزل طوال العطلة الصيفية الماضية.

تقول الأم لوكالة شفق نيوز: "كنت أظن في البداية أن ابنتي تدخر المال، لكنني بدأت ألاحظ أن أموالاً تختفي من محفظتي دون سبب واضح".

أثار هذا الأمر شكوك الأم، فقررت مراقبة تصرفات ابنتها عن قرب لتكتشف بعد فترة أن آمنة كانت تشتري بطاقات شحن للعبة "لودو" الإلكترونية، وتشارك في رهانات على الفوز داخل اللعبة مع لاعبين آخرين.

ورغم أن آمنة لم تكن تتحدث أو تلعب مع غرباء عبر الإنترنت، بل كانت تكتفي باللعب مع زميلاتها في المدرسة، فإنها وقعت من دون وعي في فخ "الرهان والمقامرة" داخل اللعبة.لم تدرك الفتاة أن ما بدا لها تسلية بريئة بين صديقاتها، قد تحول تدريجياً إلى ممارسة خطرة تهدر المال وتغذي سلوك المقامرة.

تعد لعبة "اللودو" من أكثر الألعاب الإلكترونية شيوعاً وانتشاراً بين الشباب في السنوات الأخيرة، رغم ما ينجم عنها أحياناً من مشاكل وتداعيات اجتماعية، يعزوها خبراء إلى نقص الوعي وإساءة استخدام الألعاب الإلكترونية.

يروي اللاعب حيدر الشمري (25 عاماً) بداياته مع هذه اللعبة بالقول: "قمت بتنزيل لعبة اللودو عن طريق الأصدقاء، وبقيت أواصل اللعب بها حتى اكتشفت وجود غرف لهذه اللعبة تضم شبابًا وبنات".

يضيف الشمري في حديثه لوكالة شفق نيوز: "تفتح هذه الغرف بعد منتصف الليل، ولكن لا يتم فتحها إلا بدفع أموال"، مبينًا أن "اللعب والمراهنات تبدأ بمبالغ بسيطة تتراوح بين 25 و50 ألف دينار، لتصل المراهنات في الغرفة أحيانًا إلى 100 دولار".

ويشير إلى أن "المراهنات المالية والعلاقات المشبوهة وعمليات النصب والاحتيال التي كانت تتم بين اللاعبين، دعته للانسحاب من اللعبة قبل أن يدفعه الاستمرار فيها إلى الإدمان".

وكان حيدر قد دفع على هذه اللعبة مبالغ تتراوح بين 5 و7 ملايين دينار طيلة فترة اللعب.

أثناء البحث عن أصل اللعبة، تبين أنها لعبة هندية لوحية تدعى لعبة الباتشيسي، وتُلعب على لوح بشكل صليب تتحرك عليه قطع اللاعبين بناءً على رمي ست أو سبع أصداف مكان النرد.ابتكر مطورون خلال الأعوام الماضية أفكارًا جديدة لهذه اللعبة لتُمارس على الهواتف النقالة.

ويحذر معنيون من إساءة استخدامها وآثارها السلبية، ويشدّد المعالج محمد الزركاني على "الآثار السلبية والنفسية التي تترتب على لعبة لودو ستار التي احتلت قائمة أكثر الألعاب والتطبيقات تحميلاً في معظم دول العالم مؤخرًا".

ويشير الزركاني عبر حديثه لوكالة شفق نيوز إلى أن "اللعبة تتضمن الكثير من الآثار السلبية على الأشخاص، ومن بينها انتشار العدائية والمقت والسلوكيات الخاطئة"، منوهًا إلى أن "هذه اللعبة تبث بين الشباب والمراهقين أفكارًا عن التنافس غير الشريف، واستخدام ألفاظ سوقية، إضافة إلى الدخول في علاقات خاطئة مع أشخاص من العالم الافتراضي".

ووفق مصادر أمنية، فقد تم رصد العديد من الجرائم بسبب هذه اللعبة؛ ففي أكتوبر/ تشرين الأول 2023، قام رجل بقتل زوجته خنقًا في العراق بسبب لعبة اللودو، ثم قام بحرقها وزعم بأنها انتحرت. ونقلت كثير من وسائل الإعلام المحلية وقوع عدد من الرجال في قضايا الابتزاز، حتى أن أحدهم تعرض للسجن لمدة 3 سنوات.

ويقول الخبير التقني عثمان أحمد أكرم لوكالة شفق نيوز، إن  "لعبة اللودو الإلكترونية لا تختلف عن غيرها من الألعاب القديمة مثل 'حية ودرج'، لكنها تحولت إلى لعبة تعتمد على الحظ والاستراتيجية".ويضيف، أن "الخطر الحقيقي يكمن بتحويل اللعبة إلى منصة للمراهنات المالية".ويؤكد أن "هذا السلوك يتسبب بتداعيات نفسية واجتماعية، لكن اللعبة بحد ذاتها لا تعتمد على الرهان والقمار، وهدفها هو الترفيه والمنافسة"، مبينًا أن "الشباب يقومون خارج نطاق اللعبة بوضع مبلغ مالي على كل جولة، والفائز يحصل على أموال الخاسرين، لتصبح بذلك أداة للمقامرة والإدمان لدى كثيرين".

ويرى رجال الدين أن لا مشكلة في هذه اللعبة إذا لم تتضمن الرهان والقمار، إذ يقول الشيخ علي السعيدي لوكالة شفق نيوز:  "لا يوجد خلاف بين جميع المذاهب والفرق الإسلامية حول حرمة الرهان والقمار شرعًا".ويضيف، أن "المرجعية الدينية تفتي بعدم جواز هذه اللعبة مع الرهان، والأحوط وجوبًا تركها حتى من دون رهان".وتابع قائلاً: "إن كانت اللعبة خالية من القمار، يجوز اللعب بها شريطة ألا ينطبق عليها عنوان ثانوي محظور"، داعيًا الشباب والمراهقين إلى "اختيار وسائل ترفيه بعيدة عن الإدمان، وعدم تضييع أوقاتهم ومستقبلهم في الألعاب الإلكترونية".ونوه الشيخ السعيدي، إلى ضرورة أن "تكون الدراسة محط اهتمام الشباب من الطلبة، وانخراط الشباب من غير الطلبة في أعمال ومهن تضمن لهم توفير المال الحلال وتكوين أسرة".

بيد أن بعض الشباب يرون في هذه اللعبة متعة ومنصة للتواصل الاجتماعي البناء.تقول الطالبة ريام سعد، لوكالة شفق نيوز، إن "لعبة اللودو الإلكترونية أصبحت أكثر من مجرد لعبة تقليدية، فقد نجحت في مواكبة التطور التكنولوجي وجمعت الناس رغم المسافات"، مشيرة إلى أن "هذه اللعبة هي فرصة للتواصل مع الأصدقاء والأقارب في أي وقت، وتخلق جوًا من المتعة والمنافسة الآمنة".وتشدد ريام على أهمية "ممارسة اللعبة باعتدال، وعدم استخدامها بشكل مفرط فقد يؤدي إلى الإدمان وتضييع الوقت"، لافتة إلى أن "متعة هذه اللعبة تظهر عندما تكون وسيلة للتسلية والتقارب الاجتماعي، وليس بديلاً عن التواصل الواقعي".

وكانت وزارة الشباب والرياضة قد نظمت مؤخرًا بالتعاون مع هيئة الإعلام والاتصالات معرضًا شاركت فيه العديد من شركات إنتاج وتطوير الألعاب الإلكترونية، بهدف الاستثمار في هذا القطاع وتحقيق مردودات مالية للخزينة العامة، خاصة مع وجود أعداد كبيرة من الشباب العراقي المهتمين بهذه الألعاب، مما يشجع الشركات على الابتكار والتطوير في هذا المجال.

وحاولت مراسلة شفق نيوز التواصل مع الشركة المطورة للعبة، لكن دون جدوى، لعدم وجود شركة واحدة تطور لعبة اللودو الأصلية، لأن اللعبة تعود في الأصل إلى لعبة باتشيسي الهندية القديمة.

Shafaq Live
Shafaq Live
Radio radio icon