أحلام تنقلب كوابيس.. شباب العراق في فخ التداول والرهانات الإلكترونية
شفق نيوز- ديالى
تدفع ضغوط الواقع الاقتصادي الكثير من الشباب العراقي نحو البحث عن فرص للربح السريع خارج الإطار التقليدي للوظائف، وبين الإعلانات المبهرة والنماذج التي تسوق للثراء الرقمي، يجد الآلاف أنفسهم منجذبين إلى عالم التداول الإلكتروني والرهانات الرقمية، الذي يبدو للوهلة الأولى بوابة سهلة لتحقيق المكاسب، لكنه في كثير من الأحيان يتحول إلى فخ محكم يبتلع مدخراتهم ويقودهم نحو الديون والانهيار النفسي.
ومع غياب الرقابة القانونية، وتزايد النشاط العشوائي لمنصات أجنبية تعمل بلا تراخيص، اتسع حجم القصص المروعة عن شباب خسروا كل ما يملكون، وآخرين وقعوا ضحية لوسطاء وهميين وخبراء مزيفين، حتى تحول الأمل بالربح السريع إلى وهم كبير يترك وراءه خسائر لا تحمد عقباها.
في هذا الصدد، قال "سعد فهمي" وهو اسم مستعار لشاب من محافظة ديالى دخل مجال التداول ورفض ذكر اسمه الحقيقي، إن "مجال التداول والرهان صار شائعاً بين الكثير من الشباب نتيجة وجود إعلانات كثيرة عنه وخاصة من قبل مشاهير حول العالم"، لافتا إلى أن "أصدقائي شجعوني للدخول إلى عالم التداول، ودخلت بالفعل إلى إحدى المنصات، وتعرفنا على شخص أجنبي في هذا العالم يتحدث معنا باللغة العربية الفصحى عبر تطبيق تيليغرام، ويحدد لنا وقت الصفقة التي يجب أن ندخل فيها باليوم والساعة والدقيقة والثانية".
وأضاف فهمي، في حديثه لوكالة شفق نيوز: "عند استمراري في هذا الطريق أصبحت مهووسا به لدرجة أترك عملي من أجل الدخول في الصفقة، وحققت ربحاً في أول ثلاث صفقات حتى ربحت 500 دولار في أسبوع بعدما وضعت مبلغاً في الحساب قدره 1000 دولار، ومن شروط الحصول على صفقات أكثر أن تُدخل شخصاً آخر معك، حيث يمكنك الدخول بثلاث صفقات جديدة ليصبح عدد صفقاتك ستة حال أدخلت شخصاً معك، ويشارك هو بثلاثة منفصلة".
وبين أن "من يدخل عالم التداول يحقق أرباحاً مشجعة في البداية، وهذا ما حصل معي، لكن بعد استمراري لفترة وصار لدي رغبة بتحقيق ربح أكبر وضعت 2000 دولار وخسرتها دفعة واحدة، وهذا حصل ايضا مع أصدقاء آخرين، وهو ما دفعني إلى ترك التداول نهائياً بعدما أصبت بهستيريا وصلت إلى حدوث خلافات عائلية مع زوجتي بسببه".
إلى ذلك، رأى أحمد علاء وهو شاب من محافظة ديالى، أن "الكثير من الشباب نشاهدهم يقضون أوقاتا كثيرة أمام شاشات هواتفهم الذكية منشغلين بالتداول والرهانات المالية، وبعضهم سائقو توصيل أو عاطلون أو حتى عاملون في البناء يضعون أموالهم التي يحققونها من أعمالهم في حساباتهم الخاصة بالتداول والرهان، في منصات تعرفوا عليها من خلال مواقع التواصل ومنها 1 اكسبيت وميلبيت وباينانس وإكسنس".
وأكمل علاء، حديثه للوكالة، أن "القصص والخسارات كثيرة في هذا الجانب، ومن بينها سمعت عن خسارة طبيب دخل في هذا المجال قرابة 7000 دولار دفعة واحدة"، موضحا أن "الربح الصغير في التداول والرهان يغري الكثيرين بالمغامرة والدخول بصفقات كبيرة وبالتالي يسقطون في فخ الوهم والخسارة وصولا إلى الندم".
وأضاف أن "بعض الشباب حولوا مباريات كرة القدم إلى مساحة للربح والخسارة المالية بدلا من المتعة من خلال الدخول في رهانات على الفوز أو الخسارة في المنصات الرقمية، وهذا ما دفع الكثيرين إلى الاقتراض أو بيع هواتفهم وشراء أقل منها لوضع فرق المبلغ في حسابات الرهان، فيما يعاني البعض من ديون بفعل هذه المغامرات".
ومن الناحية القانونية، أكد الحقوقي والناشط في مجال حقوق الإنسان هيثم رائد، لوكالة شفق نيوز، أن "خطورة الدخول في عالم التداول والرهانات الرقمية تتضاعف تدريجياً على الشباب العراقي بسبب غياب البيئة القانونية الحامية، وضعف الرقابة على منصات التداول الأجنبية التي تنشط عبر الإنترنت دون تمثيل رسمي داخل البلاد، فكثير من هذه المنصات تعمل بلا تراخيص معتمدة من جهات عراقية، مما يعرّض المتداول للاحتيال أو حجز أمواله دون وجود جهة رسمية تنصفه حال تعرضه للاحتيال أو فقد أمواله".
وتابع بالقول، إن "محدودية الثقافة المالية لدى شريحة واسعة من الشباب، مع ارتفاع البطالة وضيق فرص العمل، يجعل التداول يبدو كطوق نجاة اقتصادي، فيندفع بعض الشباب إليه بدافع الحاجة لا المعرفة، فيصطدمون بخسائر أكبر من طاقتهم".
وبحسب رائد، فإن "أبرز المشكلات التي تتسبب بخسارة من يدخل بهذا المجال الاعتماد على وسطاء غير معتمدين داخل مكاتب صرافة أو عبر وسطاء في وسائل التواصل، وكذلك تحويل الأموال بطرق غير رسمية، وهذا ينتج عنه مصاعب في استرجاع الأموال عند حدوث خلافات أو تلاعب بالأسعار أو إغلاق الحسابات دون سبب واضح من قبل مالكي تلك التطبيقات أو المواقع".
وأستطرد قائلا: "الشباب العراقي يعاني من ضعف الوصول إلى مصادر تدريب رسمية، مما يجعلهم يعتمدون على خبراء مزيفين في مواقع التواصل، يبيعون دورات وهمية، أو يروّجون لاستراتيجيات خاسرة"، لافتا إلى أن "اختلاط التعليم بالتسويق جهل الكثير من المدربين واجهة لإحالات ربحية لا علاقة لها بمصلحة المستخدم".
أما من الناحية الدينية، أشار رائد إلى أن "غياب الاستشارة الشرعية الرسمية يعمّق الإشكال، إذ يدخل بعض الشباب منصات تتعامل بالربا أو المشتقات المالية المحرّمة دون علمهم، فتقع المخالفة عن جهل لا عن قصد"، مؤكداً أن "خطورة التداول لا تمثل مجرد خسارة مال، بل قد تمتد إلى انعدام أي حماية قانونية، وضياع الحقوق، واستغلال الحاجة الاقتصادية للشباب، ولهذا فإن التوعية المالية لم تعد ترفاً ثقافياً، بل أصبحت ضرورة وطنية لحماية الجيل القادم من الوهم المالي".
أما بشأن مخاطر التداول، فقد لفت الأستاذ الجامعي في تخصص الأمن السيبراني علي هزبر إلى أن "الخسائر في دخول طريق التداول والمراهنات كبيرة وتبدأ من الشخصية، إذ يمكن أن تستغل المعلومات التي يقدمها من يدخل هذا الطريق في عمليات احتيال أو نصب على أشخاص آخرين، فضلا عن الخسائر المادية، حيث قد تحقق الأموال التي يدفعها الشخص عائدا في المراحل الأولى، ثم تقوم المنصات أو التطبيقات بغلق الحسابات وسحب الأموال أو منع المستخدم من الوصول إليها، وبالتالي يخسر كل شيء".
وتابع هزبر أن "الفوضى الإلكترونية في الوقت الراهن لا يحدها قانون، ولذلك نحتاج إلى تشريع قوانين في هذا الأمر، إلى جانب ضرورة وجود مراقبة مستمرة من قبل الجهات الحكومية وحتى الأسر”، داعيا إلى "تبني خطط توعوية تثقف الشباب إلكترونيا وماديا من خلال الندوات وورش العمل".