تطوير "المقام العراقي".. ذائقة ملحن أم حاجة ضرورية لمواكبة الحداثة؟

تطوير "المقام العراقي".. ذائقة ملحن أم حاجة ضرورية لمواكبة الحداثة؟
2025-09-06T12:11:36+00:00

شفق نيوز- بغداد  

بدأت محاولات تطوير "المقام العراقي"، وهو أحد أبرز الألوان الموسيقي التي يمتاز بها البلد، عبر إشراك آلات موسيقية حديثة لتجديد هويته، مع الحفاظ عليها في نفس الوقت، رغم أن هذه المحاولات تصطدم بعدم موافقة بعض الأكاديميين الموسيقيين الذين يرون ضرورة الحفاظ على هوية المقام المميزة.

ويختلف المقام العراقي عن المقام الموسيقي، فالأخير يمثل مفهوماً عاماً للسلم الموسيقى وأدواته وآلاته الموسيقية، في حين أن المقام العراقي يُعرّف بأنه نوع غنائي كلاسيكي.

ويحاول موسيقيون وفنانون مهتمون بالمقام العراقي، تكرار محاولات قديمة لإدخال بعض الآلات الغربية، كما هو الحال مع تجربة أم كلثوم، التي أدخلت الأورغن والبيانو في أغانيها باقتراح من الموسيقار بليغ حمدي.

وبرز عدد من مطربي المقام العراقي خلال ستينات وسبعينات القرن الماضي، ومنهم محمد القبنجي ويوسف عمر وناظم الغزالي وسواهم، كما نجحت المطربة فريدة محمد علي خلال الثمانينات بأداء المقام العراقي بطبقات صوتية وخصائص لحنية مميّزة.

وخلال فترة التسعينات جرّب بعض المطربين والفرق الموسيقية المحلية أداء أغنيات معروفة من المقام العراقي بتوزيع موسيقي جديد، وتم إدخال آلات موسيقية غربية مع آلات شرقية، ولاقت بعض تلك التجارب استحسان الجمهور.

وثمة تجارب جديدة تقوم بها حالياً مجموعة من الطلاب في قسم الموسيقى، تتضمن إعادة إنتاج أغاني التراث العراقي بخصائص لحنية جديدة، من خلال أداء بعض أغاني المقام العراقي.

وتقول العازفة ريناس علي، إحدى طالبات فرع الموسيقى في كلية الفنون الجميلة، والتي شكلت مع عدد من زميلاتها فرقة لأداء أغنيات من التراث بتوزيع عصري، إن "المقام العراقي جزء من الهوية الوطنية والذاكرة الجمعية".

وتضيف في حديثها لوكالة شفق نيوز، أن "هذه المحاولة تهدف إلى جذب الجيل الجديد لأصالة الموسيقى والغناء العراقي، بعيداً عن الصخب الراهن الذي لا ينتمي إلى الفن".

وجرّبت ريناس مع فرقتها، إدخال آلات حديثة مثل الغيتار والكيبورد، ومزجها مع آلات السنطور والجوزة، بغية تقديم المقام بروح عصرية تجذب المستمع".

وتشير ريناس، إلى أنها تقوم حالياً مع زميلاتها بنشر مقاطع غنائية مصورة على السوشيال ميديا، لـ"تعريف المجتمعات العربية بجمال الموسيقى العراقية"، مؤكدة "عدم وجود تناقض بين الموسيقى والأغاني التراثية عما نقوم بإنتاجه الآن، لأننا نحاول أن بني جسراً يربط بين الماضي والحاضر في مجال الموسيقى والغناء العراقي".

أما العازفة مي ضياء، فتأمل أن يتم تشكيل فرقة موسيقية رصينة لأداء الاغنية العراقية السبعينية وبعض أغنيات المقام العراقي.

وتوضح في حديثها لوكالة شفق نيوز، أن "الأغنيات العراقية القديمة تحمل عواطف صادقة وألحاناً جميلة تجعلها متميزة"، مؤكدة، أن "الأغنية العراقية لم تاخذ مكانتها في الوسط الفني العربي على الرغم من من تكاملها وجمالها".

وتلفت مي، إلى تجارب الشباب في إعادة إنتاج الأغاني التراثية "بروح عصرية جديرة بالتقدير والاحترام لأنها تسعى لإحياء التراث وإعادة الذائقة الموسيقية الأصيلة".

وتعتقد مي أن ثمة فروقات كثيرة بين الموسيقى الراقصة التي تُستخدم في الأعراس والحفلات العامة التي يستخدم فيها الأورغن من أجل "الزعيق والضجيج"، وبين الموسيقى الهادفة التي تتبنى جملاً مركبة بشكل مدروس "تهز القلوب".

إلغاء الهوية أم الحفاظ عليها؟

محاولات تطوير المقام العراقي بهدف مواكبة الحداثة للحفاظ على هويته في العصر الحديث تثير الجدل في الأوساط الأكاديمية الموسيقية التي تتباين آراؤها بين ضرورة المزاوجة بين التراث والحداثة باستخدام قوالب موسيقية جديدة لإضفاء المزيد من الجمالية للمقام العراقي وحفظ هويته في هذا العصر، وبين رأي مخالف لهذا التوجّه يرى أن أي تطوير لهدف الحداثة قد يُلغي هوية المقام العراقي.

ويقول أستاذ الموسيقى في معهد الفنون الجميلة تحرير جاسم، إن "تطوير الموسيقى يتم باستخدام أدوات وجمل لحنية جديدة ووفق رؤية علمية، وخاصة الأورغن والجيتار".

ويضيف، أن "الأدوات الموسيقية في المقام العراقي تتضمن السنطور والقانون والعود والجوزة مع الإيقاع، وتم مؤخراً إدخال آلات غربية مثل الجيتار والكمان، دون أن يتأثر المقام، لأنه ذو قالب ثابت يبدأ من (البدوة) أي البداية و(التحرير) أي الأبيات الغنائية و(الميانة) والجلسة والتسليم".

بالمقابل، يرى آخرون أن الاهم هو الحفاظ على هوية المقام العراقي، الذي لا يحتاج للتطوير برأيهم قدر حاجته إلى إظهار القدرات الصوتية سواء للمؤدين أو الآلات الموسيقية الخاصة به، مشددين على ضرورة استخدام آلات موسيقية شرقية في المقام العراقي للحفاظ على هويته.

ويقول الموسيقار مصطفى زاير، في حديث خاص بوكالة شفق نيوز، إن "الآلة الموسيقية أداة لاستخراج نوع الصوت، والمهم هو كيفية توظيف الصوت في العمل الموسيقي أو في الأغنية".

ويضيف، ان "المقام العراقي قالب غنائي له خصوصيته وآلاته الموسيقية وشكله اللحني، وهو لا يحتاج إلى التطوير بل للحفاظ على طبيعته"، منوهاً إلى ضرورة تأسيس دائرة الفنون الموسيقية في وزارة الثقافة "لمدرسة مقام عراقي مع مكتبة صوتية تؤرشف مطربي المقام، فضلاً عن إقامة مسابقات للعزف وغناء المقام بشكل سنوي باعتباره جزءاً مهماً من التراث الفني للعراق".

ذائقة الملحّن هي الفيصل

التشدد في استخدام الآلات الموسيقية الشرقية في المقام العراقي، يقابله رأي يذهب إلى أن هذا النوع من الموسيقى قد لا يتأثر باستخدام آلات الموسيقى الغربية مع الشرقية لارتباطها بذائقة الملحن، وهو لا يؤثر بالضرورة على هوية المقام العراقي كفن معروف.

ويشير مدير عام دائرة الموسيقى في وزارة الثقافة فائز طه، إلى أن "إدخال مختلف الآلات الموسيقية في المقام هي اجتهادات خاصة بالملحنين وذائقتهم".

ويؤكد طه في حديث لوكالة شفق نيوز، على ضرورة "احترام فن المقام العراقي والتراث الموسيقي، والحفاظ عليه من الاندثار"، مؤكداً ضرورة "الحفاظ على الشكل التراثي ومنظومة المقام خلال استخدام الآلات الموسيقية الغربية".

ويلفت إلى أن "بعض الفنانين المعروفين مزجوا آلات موسيقية غربية مع الآلات الشرقية في المقام بهدف نقل الأغنية التراثية إلى حالة من الحداثة مع الحفاظ على الخصائص اللحنية التراثية ونجحوا في ذلك".

 

Shafaq Live
Shafaq Live
Radio radio icon