تحنيط الحيوانات في العراق.. حين يتحوّل الموت إلى ذكرى أبدية (صور)

تحنيط الحيوانات في العراق.. حين يتحوّل الموت إلى ذكرى أبدية (صور)
2025-08-09T14:46:13+00:00

شفق نيوز– بغداد/ بابل

في زاوية ضيقة من سوق الغزل، تظهر مجسمات خلف واجهة أحد المحال وكأنها تراقب المارة بصمت، فيما يجلس محمد خالد داخل محله تحيط به حيوانات مفترسة وأخرى أليفة مصطفّة بعناية، وكأنها في قلب غابة ساكنة، لكنها في الحقيقة بلا حياة.

في هذا المكان القديم، تختلط أصوات الباعة برائحة الجلد والمواد الكيميائية، حيث تُمارس مهنة تحنيط الحيوانات النافقة. 

زبائن محمد، الذي يمارس المهنة من 9 سنوات، ليسوا جميعهم من هواة جمع التحف، بل العديد منهم أشخاص فقدوا حيواناتهم الأليفة ويرغبون في الاحتفاظ بها كما كانت، لتبقى ذكرى حية تزين رفوف المنازل أو نوافذ الغرف، وتحكي حكاية وفاء لا يوقفها الموت.

ويعرف "التحنيط"، بمعالجة جسم الحيوان بعد موته بطرق خاصة تمنع تحلله، مع إعادة تشكيله ليبدو وكأنه حي، حيث تبدأ العملية بإزالة الأجزاء الداخلية الأكثر عرضة للتلف، ثم تنظيف الجلد ومعالجته بمواد كيميائية تمنع التعفن والحشرات، قبل حشوه بمواد تمنحه الشكل والحجم الطبيعيين، وتثبيت العيون الصناعية في أماكنها، وأخيراً وضعه في هيئة واقعية.

أسعار "التحنيط"

"أحنّط الحيوانات البرية والأليفة والطيور باستخدام مادة (الفورمالديهايد) التي أشتريها من المذاخر الطبية، إضافة إلى مواد التعقيم، أحقن الأجزاء التي تحتوي على لحم بإبر خاصة، وأحياناً أستخدم مادة الفوم التي تُحقن تحت الجلد”، وفقاً لما قاله محمد، لوكالة شفق نيوز.

ويضيف أن "أغلب زبائني ممن ارتبطوا بعلاقة خاصة مع حيواناتهم"، مبيناً أن "الأسعار تختلف بحسب نوع الحيوان وحجمه".

وبحسب محمد، فقد تصل كلفة تحنيط اللبوة إلى ثلاثة ملايين دينار، والأسد من 2 إلى 3 ملايين دينار، والدب القطبي والنمر مليون دينار لكل منهما، والفهد 800 ألف دينار، والنعامة 250 ألف دينار، والوشق 100 ألف دينار، والقنفذ 15 ألف دينار، والهدهد 10 آلاف دينار.

ويتابع محمد، حديثه قائلاً إن "تحنيط الطيور يستغرق من 3 إلى 6 أيام بحسب نوعها، تبدأ بنزع الجلد الرقيق بحذر، ثم التجفيف بمادتي "البوركس" و"الفورمالين"، فصناعة الهيكل من الأسلاك والقطن، أما الحيوانات الصغيرة فيستغرق تحنيطها من يومين إلى أربعة أيام".

ويشير إلى أن "أغرب الطيور التي حنطتها كانت طيوراً أسترالية وأفريقية نادرة"، وعلى الرغم من أن التحنيط هو عمله الرئيسي، فإنه يعتبر نفسه مناصراً للبيئة، ويعارض الصيد الجائر، مؤكداً أنه "لا يتعامل إلا مع الحيوانات الميتة، واتعاون أحياناً مع تجار طيور من البصرة يزوّدوني بما ينفق أثناء النقل".

ذكرى خالدة

من جانبها، تروي شهد الحسن، أنها رغبت في تحنيط كلبها بعد نفوقه حفاظاً على ذكراه، إذ كان يرافقها في جولاتها اليومية، وحين مات شعرت بالحزن والوحدة، وبعد بحث، وجدت أحد العاملين في التحنيط الذي أنجز المهمة بإتقان مقابل مبلغ مالي.

وتقول شهد، خلال حديثها للوكالة، إن كلبها حيّ ولم يمت منذ أن تم تحنيطه، مشيرة إلى أنه يزيّن غرفتها حالياً.

ويضم العراق عدداً من متاحف التاريخ الطبيعي، منها متحف التاريخ الطبيعي في بغداد الذي تأسس عام 1946 ويضم حيوانات محنطة وحشرات ونباتات تمثل الحياة الفطرية في البلاد، إضافة إلى متحف البصرة للتاريخ الطبيعي الذي تأسس في سبعينيات القرن الماضي ويحتوي على حيوانات برية ومائية محنطة.

بابل أيضاً تدخل السباق

وفي محافظة بابل، يقضي علاء السلامي، أوقاته بين جدران منزله الذي تحوّل إلى صالة عرض فريدة تضم حيوانات محنطة متنوعة.

بدأت قصته مع التحنيط صدفة حين اصطاد حيواناً صغيراً وحفظه بالملح، فنجحت التجربة وكانت نقطة انطلاقه نحو عالم جديد، حيث يقول علاء، إنه بدأ بفكرة بسيطة، ثم طور مهاراته بالبحث عن مواد وتقنيات خاصة، حتى أتقن المهنة. 

ويضيف أن "تحنيط الطيور أصعب من الحيوانات ذات الشعر، بسبب رقة الريش وحاجته لعناية خاصة، لكني أصبحت قادراً على التعامل معه باحتراف بمرور الوقت".

تحولت هواية علاء إلى مهنة توفر له دخلاً جيداً، ويؤكد أن التحنيط يحتاج إلى المهارة والصبر والشغف بعالم الطبيعة وعلومها.

وفي سوق الغزل وبيوت الحلة، تبدو مهنة التحنيط أكثر من مجرد حرفة تقليدية فهي جسر يربط بين الحياة والموت، ومحطة لذكريات لا تموت لدى محبي الحيوانات. 

وبفضل مهارة محمد خالد وعلاء السلامي وغيرهما، تتحول أجساد الكائنات إلى لوحات فنية تحكي قصص وفاء وألفة، تعكس شغفاً بفن نادر يتحدى الزمن، وبينما تتنوع الدوافع بين الحفاظ على الذكرى أو الأغراض العلمية، يبقى التحنيط مساحة للتخليد ووفاء لا يعرف النهاية.

Shafaq Live
Shafaq Live
Radio radio icon