تبدأ بغرزة.. "التطريز" فن قديم يفتح باباً لرزق الفتيات في العراق
شفق نيوز- بغداد
يُعد التطريز اليدوي أحد الفنون القديمة المعروفة منذ قرون، والتي لا تزال تحافظ على وجودها رغم التطور الآلات، حيث يتيح هذا الفن لأصحابه الفرصة للتعبير عن إبداعهم من خلال التصاميم والخياطة بالإبرة.
وقديما كان التطريز اليدوي هواية مفضلة لدى النساء، إذ يجتمعن من أجل تبادل الأحاديث واللهو والتسلية.
وتقول المصادر انهن كن يستخدمن في عملية التطريز مواد أولية عديدة من خيوط ذهبية وفضية إلى خيوط حمراء وخضراء وزرقاء، اضافة الى استخدام أقمشة متعددة الأنواع، ومنها الحرير و"القمراية" اضافة الى استعمال مادتي العقيق والعدس، ويحرصن على أن تكون المواد عالية الجودة ومصنوعة يدوياً.
ومع تطور التكنولوجيا الحديثة، بدأ تحول كبير في مكائن التطريز، وتكونت خلال ذلك طريقة ابداعية مختلفة في التطريز، تتضمن انشاء تصاميم دقيقة وجميلة.
عمل بديل
وقد برعت مؤخراً العديد من الفتيات في هذا المجال، وأصبحن يشتركن بمعارض فنية من خلال منتوجاتهن من التطريز باشكال مختلفة ، وأصبحت هذه الهواية تدر المال لهن.
وتوضح تمارا خالد صاحبة متجر على الانستكرام يدعى tama stitches في حديثها لوكالة شفق نيوز: "عملت في مجال التطريز بعد عدة تجارب في الرسم والحياكة"، مبينة أن "التطريز كان لدي مجرد هواية بدأتها بتجارب بسيطة وادوات متواضعة وقليلة الكلفة".
وتضيف: "حين اتقنت فن التطريز اليدوي خلال عامين من الممارسة، فتحت متجرا منذ عام 2021 يمزج بين التطريز اليدوي والتطريز بواسطة المكائن"، مبينة، أنه "بعد تخرجي من الدراسة الاعدادية، حاولت إيجاد عمل خاص لي، ولأن المتاجر الالكترونية أصبحت متاحة، فقد فتحت المتجر على مواقع التواصل وبدأت بعرض أعمالي التي لقيت استحساناً من بعض الأقارب والصديقات، وأصبحت هناك طلبات على لوحاتي التطريزية المعدة لبعض المناسبات كالخطوبة".
"ساعدني البحث والاطلاع على تطوير مهاراتي سريعا في التطريز اليدوي"، تقول تمارا، ولكن مالبثت ان اتجهت للتطريز بالمكائن الحديثة من اجل سرعة الانجاز ، وانجزت بالفعل عدداً من اللوحات التطريزية التي لقيت اقبالاً في مواقع التواصل الاجتماعي.
تختلف اسعار القطع المطرزة يدوياً عن التطريز بواسطة المكائن من حيث الدقة والجمالية.
وتنوه تمارا بأن "التطريز اليدوي وأن كان متعبا لكنه أرقى وأكثر جمالية من عمل المكائن، ولذلك ترتفع أسعاره، وأن الزبائن يعون ذلك ويقدرون الجهد المبذول في صناعة اللوحة"، موضحة، أن "أبرز الصعوبات التي تواجهني بهذا العمل، تكمن في العثور على أدوات الجيدة للتطريز، خاصة إذا كان تطريز اللوحة يتم باستخدام أقمشة عالية الجودة كالأقمشة الفرنسية والتركية والانجليزية والتي يكون رسم الخيوط عليها ذا جمال متميز".
والتطريز شكل فني متعدد الاستخدامات، ينطوي على تزيين الأقمشة أو المواد الأخرى باستخدام الإبرة والخيوط الملونة، ويشمل مجموعة من التقنيات ابتداءا من الزخارف التقليدية إلى التصميمات المعاصرة.
الأسعار والتنافس
وبرزت مؤخرا ظاهرة التطريز على القبعات والقمصان والمناشف والحقائب وغيرها من الأشياء المخصصة للاستخدامات الشخصية.
وتستخدم العديد من المؤسسات أشكالاً فنية من هذا التطريز، في الزي الرسمي أو السلع التجارية والهدايا الترويجية.
وتترواح أسعار التطريزات من 20 إلى 100 ألف دينار وأكثر بحسب حجم القطعة ونوعها والمواد المستخدمة فيها، إذ لا يتجاوز تطريز الاسم على اللوحة أكثر من 20 ألف دينار، بينما ترتفع أسعار اللوحات الفنية متعددة الألوان والأشكال إلى أضعاف هذا المبلغ.
وتوضح نضال سعدي، صاحبة متجر انزو كيدز أن "معرضي يتضمن لوحات تم إنتاجها باستخدام آلات حديثة، اختصارا للجهد والوقت، وأن العمل بهذا المتجر يتمحور حول "الدزاينر" وإبداع تصاميم بأشكال مختلفة".
وتضيف في حديثها لوكالة شفق نيوز، أن "اللوحات اليدوية التي تبرع في انتاجها بعض الفتيات، جميلة ومدهشة للغاية لكنها مرتفعة الثمن بالنسبة للمستهلكين".
ووفق نضال فإن العمل بالتطريز يتضمن الالمام بجملة من الأمور وفي مقدمتها المعرفة الكاملة بعمل التصاميم وأشكالها الهندسية، ومعرفة اللغة الانجليزية لتسهيل التعامل مع البرامج والآلات، إضافة إلى امتلاك مخيلة فنية تنتج أفكارا لتصاميم مغايرة عن السائد وتحمل بصمات الابداع والابتكار".
الرواج والدعم
وبسبب نجاح متجرها في بيع لوحات تطريزية، تعتزم نضال، فتح متجر آخر في وقت قريب، ما يعني وجود رواج لسوق التطريز من قبل المستهلكين، وهو ما يشكل دعامة للفتيات والنساء العاملات بهذا المجال.
وبهذا الصدد يرى الاقتصادي الاكاديمي حسن البهادلي، خلال حديثه لوكالة شفق نيوز، أن "المشاريع الصغيرة التي تنفذها بعض شرائح الشباب والفتيات، ضرورية على المستوى الشخصي والعام"، منوها أن "هذه المشاريع تسهم في امتصاص البطالة، وتوفر دعماً مالياً لأصحابها، وهذا ينعكس ايجابياً على الاقتصاد الوطني".
ويؤكد البهادلي، أهمية "دعم القطاع العام للمشاريع الصغيرة والمتوسطة في تمتين الاقتصاد وخلق فرص عمل مستدامة مشيراً إلى أن "التنوع الاقتصادي الذي تسهم بخلقه مشاريع صغيرة أو متوسطة، له أثر كبير في النمو الاقتصادي".
ولفت إلى أن "هذه المشاريع تهدف الى تحسين المعيشة والاعتماد على الذات بدل الاعتماد على القطاع العام، لذا يجب توفر آليات مدروسة لدعم القطاع الخاص، وأصحاب المشاريع الاقتصادية الصغيرة والمتوسطة".
ويعاني العراق منذ سنوات من وجود ترهل كبير في أعداد الموظفين في الوزارات والمؤسسات الحكومية، فيما انتشرت البطالة بين الخريجين، ما دفع العديد من الشباب والفتيات إلى مزاولة أعمال تجارية بسيطة، ساعدت مواقع التواصل الاجتماعي في ترويجها انتشارها، ومنها فنون التطريز التي أصبحت تزين البازارات ومحلات الانتيكات بأنواع متعددة من الأشكال والاحجام.