"بين الرمال والأرباح ".. صائدو الضب يكتشفون ثروة خفية في الصحارى

"بين الرمال والأرباح ".. صائدو الضب يكتشفون ثروة خفية في الصحارى
2025-09-21T20:29:04+00:00

شفق نيوز– كركوك

إلى الجنوب الغربي في المناطق الصحراوية من كركوك، حيث تنبسط الأراضي الصحراوية وتتشابك المساحات الرملية مع السهول القاحلة، يجلس عمران العزاوي مع صديقه ساعاتٍ طويلةً وهو يراقب بعين الصياد الخبير حركات الرمال بحثاً عن جحرٍ صغير يوحي بوجود الضب البري.

وبمجرد العثور على علامات وجود الضب، ، يبدأ العزاوي، وصديقه طقوس الصيد التي اعتادوا عليها منذ سنوات اذ يسكب الماء داخل الجحر أو الخندق لإجبار الضب على الخروج، وما إن يطل برأسه حتى يقع في الفخ.

ويقول العزاوي، لوكالة شفق نيوز، إن "صيد الضب ليس مجرد هواية، بل هو تقليد توارثناه من آبائنا وأجدادنا، فالصحارى هنا مليئة بهذا الحيوان الذي يتطلب خبرة وصبراً حتى تتمكن من اصطياده".

ويضيف أن "عملية البحث قد تستغرق ساعات طويلة تحت أشعة الشمس الحارقة، لكن متعة اللحظة التي يظهر فيها الضب تعوض عن مشقة الانتظار".

الضب البري، أو ما يُعرف علمياً بـ "الورل الصحراوي"، يعد من الزواحف التي تتكيف مع البيئة الجافة، ويتخذ من الجحور العميقة مسكناً آمناً له، ويشكل صيده نشاطاً رائجاً بين بعض شباب القرى والأرياف المحيطة بكركوك، سواء بغرض الأكل أو البيع في الأسواق المحلية.

وتُعد أسواق العراق وجهةً لبيع الضب، حيث يختلف سعره وفقًا للموقع والاستخدام، ففي مدينة الرمادي بمحافظة الأنبار، يُباع الضب الحي بسعر يتراوح بين 15,000 و20,000 دينار عراقي للضب الواحد، حسب الحجم والجودة، هذا السعر يعكس الطلب المحلي على هذا الحيوان الصحراوي.

وتتنوع استخدامات الضب في العراق بين الاستهلاك البشري، حيث يُعتبر من اللحوم التي يُقبل عليها البعض، وبين تربيته كحيوان أليف في بعض المناطق، حيث تُظهر هذه الظاهرة تنوعاً ثقافياً في التعامل مع هذا الحيوان الصحراوي.

والضب يُعتبر من الحيوانات البرية التي تعيش في المناطق الصحراوية، ويُعرف بقدرته على التكيف مع البيئة القاسية، تُساهم هذه الخصائص في اهتمام بعض الأفراد بتربيته والاعتناء به.

صبر طويل

من جانبه، يقول الصياد أحمد محمد، لوكالة شفق نيوز: "نحن نعتمد على خبرتنا في تتبع آثار الضب ومعرفة جحوره، وهناك أساليب عدة لصيده، منها استخدام الماء أو الحفر أو حتى مطاردته في العراء إذا سنحت الفرصة".

ويستطرد محمد، قائلاً إن هذه الممارسة تحتاج إلى لياقة بدنية وصبر طويل، خاصة وأن الضب يتميز بسرعة حركته وقوة مخالبه.

ورغم أن صيد الضب يُنظر إليه كهواية تقليدية، إلا أن له أيضاً أبعاداً اقتصادية واجتماعية، فبحسب الصيادين، يمكن أن يصل سعر الضب في بعض الأسواق الشعبية إلى مبالغ جيدة، خصوصاً في المواسم التي يزداد فيها الطلب.

كما يوضح: "نحن نعرف متى يكون موسم الصيد المناسب، ونتجنب جحور الإناث التي تحمي صغارها، لأننا ندرك أهمية المحافظة على وجود هذا الحيوان في بيئتنا".

ويعود العزاوي، بالحديث قائلاً إن بعض الأهالي يفضلون لحم الضب لما له من سمعة غذائية، بينما يعتقد آخرون بوجود فوائد طبية في دهنه ولحمه.

في المقابل، يشير عدد من البيئيين إلى المخاطر المحتملة لصيد الضب بكثرة، محذرين من أن هذه الممارسة قد تؤدي إلى تراجع أعداد هذا الحيوان الذي يلعب دوراً في التوازن البيئي. 

وفي هذا الصدد، يقول الناشط البيئي حسن خالد، لوكالة شفق نيوز، إن "الضب البري يساعد في السيطرة على بعض أنواع الحشرات والنباتات الضارة، وصيده الجائر قد يخل بالنظام البيئي الصحراوي".

لكن الصيادين يردون على هذه المخاوف مؤكدين أنهم لا يمارسون الصيد بشكل عشوائي، بل يعتمدون على مواسم محددة تراعي تكاثر الضب. 

وتحتفظ ذاكرة سكان كركوك بقصص وحكايات عن الضب وعلاقته بحياة الناس، فقد كان الضب في الماضي مصدراً غذائياً للفقراء في الأرياف، بينما ارتبط اسمه بأمثال شعبية وصور في المخيال الاجتماعي. 

ويذكر العزاوي، أن "العديد من كبار السن حدثونا كيف كان الضب يُعتبر وجبة رئيسية في أوقات الشدة، واليوم ما زال البعض يفضل لحمه على لحوم أخرى".

من الناحية القانونية، لا توجد في العراق تشريعات صارمة تحد من صيد الضب، بعكس بعض دول الخليج التي وضعت ضوابط وغرامات لحماية الحياة الفطرية، ومع ذلك، تبقى الأصوات المطالبة بوضع ضوابط للصيد تتصاعد مع تزايد الاهتمام بالشأن البيئي.

تحرك لإصدار القوانين

ويقول الخبير البيئي علاء  سعدون، لوكالة شفق نيوز، إن "غياب التشريعات الواضحة بشأن صيد الضب وغيره من الكائنات البرية يفتح الباب أمام الاستغلال المفرط، ومن الضروري أن تتحرك الجهات المختصة لإصدار قوانين تحمي التنوع الحيوي في العراق".

في الصحراء، يستمر الصيادون كعمران وأحمد في ممارسة هوايتهم، بين متعة المغامرة وتحديات الطبيعة، وبين تقاليد موروثة وصوت بيئي يحذر من الخطر. 

ويبقى الضب البري، بحركته البطيئة حيناً وسرعته المفاجئة أحياناً، جزءاً من مشهد صحراوي يجسد العلاقة المعقدة بين الإنسان وبيئته في كركوك.

Shafaq Live
Shafaq Live
Radio radio icon