بين الحب والشعوذة "شذرة".. أسطورة الأحجار تنشط في العراق (صور)

بين الحب والشعوذة "شذرة".. أسطورة الأحجار تنشط في العراق (صور)
2025-09-05T17:10:04+00:00

شفق نيوز- كركوك

في قلب السوق الرئيسي بمدينة كركوك، سوق القلعة، حيث تختلط أصوات الباعة برائحة التوابل وازدحام المارة، يجلس محمد خالد (65 عامًا) على جانب الطريق، أمام قطعة قماش صغيرة فرش عليها ما تيسر له من الأحجار الكريمة وشبه الكريمة.

ومحمد لا يملك واجهة فخمة أو محلًا حديثًا، لكنه صار علامة يعرفها رواد السوق، ويشير له المارة بـ"الشيخ"، ويقفون عنده ويبتاعوا حجرًا أو ليستمعوا إلى حكاية من الزمن الماضي.

يبيع محمد العقيق والفيروز والكوارتز وبعض الأحجار التي يجلبها من تجار النجف وبغداد. يقلبها بيديه بحذر، ثم يرفع نظره نحو الزبون قائلاً: "هذه الأحجار ليست مجرد زينة، لكل حجر قصة.. شخص يهديها لحبيبته، وآخر يعلّقها للذكرى، وبعضهم يصدق أنها تجلب الحظ". 

إرث وأساطير

منذ القدم، أسرت الأحجار الكريمة خيال البشر في الحضارات القديمة كالفراعنة والبابليين والهنود، وربطت بين هذه الأحجار "الحماية من الشر وجلب الطمأنينة".

الياقوت كان رمزًا للقوة والعشق، والفيروز ارتبط بالسلام والوقاية، فيما اشتهر العقيق بصفته حجرًا يمنح أصحابه الحظ والبركة.

هذه المعتقدات وجدت طريقها إلى ثقافات الشرق، ومن بينها العراق، حيث صار العقيق اليماني جزءًا من التراث الديني والاجتماعي. فخواتم العقيق التي تُباع في النجف الأشرف، لا تُشترى للزينة فقط، بل لرمزية روحية متوارثة.

الحب والشعوذة

في جانب آخر، ارتبطت الأحجار بالعاطفة، وعالميًا يُعرف "الروز كوارتز" بـ"حجر الحب"، بينما يُقال عن العقيق الأحمر إنه يعزز الانسجام بين الأزواج. لكن هذه المعتقدات فتحت الباب أمام الشعوذة. فبعض "العرّافين" يسوّقون الأحجار كوسيلة لجلب الغائب أو تفريق العاشقين، مستغلين حاجة الناس للأمل.

محمد خالد يبتسم عندما يُسأل عن هذا الجانب قائلاً: "أنا أبيع الحجر كحجر.. لا أوهم أحدًا. إذا أراد شخص أن يصدّق أنه يجلب له الحبيب فهذه مشكلته، لكنني أعرف أن الحب لا يجيء إلا من القلب". 

وتزخر السوق العراقية بالأحجار، خصوصًا العقيق اليماني الذي يعد الأشهر. في النجف تنتشر ورش النقش والبيع، فيما تصل أحجار أخرى مثل الفيروز الإيراني واللازورد الأفغاني إلى محال بغداد وكربلاء.

أما في كركوك، فيتخذ باعة مثل محمد خالد، من الأرصفة مكانًا لهم، يعرضون الأحجار بأسعار تتراوح بين بضعة آلاف من الدنانير العراقية إلى مئات الدولارات، بحسب النوع والحجم والنقاء.

السوق العراقي

يقول التاجر أبو جنكيز البياتي، لوكالة شفق نيوز، وهو أحد أقدم باعة الأحجار في كركوك: "قد يظن البعض أن تجارة الأحجار الكريمة في العراق بسيطة أو هامشية، لكنها في الحقيقة سوق تدر ملايين الدولارات سنويًا".

وأضاف: "نحن نستورد كميات كبيرة من إيران وأفغانستان وباكستان، خصوصًا الفيروز واللازورد والعقيق، في المقابل، العراق يصدّر كميات من العقيق المنقوش إلى دول الخليج وإيران، لأنه يمتاز بجودة عالية بالنقش في ورش النجف". 

وأوضح البياتي أن "الأسعار تختلف بحسب النوع والحجم والنقاء.. العقيق اليماني الأكثر شيوعًا يبدأ من 5 آلاف دينار عراقي (نحو 3 دولارات) للخاتم البسيط، ويصل إلى 200 ألف دينار للقطع النادرة".

وواصل حديثه: "أما الفيروز الإيراني يتراوح سعره بين 50 – 300 دولار للحجر متوسط الحجم، واللازورد الأفغاني قد يصل إلى 500 دولار للحجر الصافي".

وزاد البياتي، بالقول: "أما الألماس، فيبقى الأغلى، لكنه لا يُتداول كثيرًا في أسواق كركوك والنجف، ويقتصر على محال الذهب الفاخرة، حيث قد يتجاوز سعر القيراط الواحد 2000 دولار".

ونبه إلى أن "حجم المبيعات يرتفع في مواسم محددة، ففي عاشوراء مثلاً، يزداد الإقبال على خواتم العقيق، وفي المناسبات العاطفية مثل عيد الحب أو الأعياد الدينية، نبيع كميات مضاعفة. السوق في النجف وحدها تُنتج آلاف الخواتم شهريًا، بينما تُباع مئات القطع يوميًا في أسواق بغداد وكربلاء وكركوك."

وختم البياتي، حديثه بابتسامة: "الأحجار هنا ليست مجرد تجارة، بل إرث متوارث. العراقي يشتري العقيق ليس لأنه أرخص، بل لأنه مرتبط بروحه وتاريخه".

 

شهادات من الواقع

سعاد أحمد، (34 عامًا)، موظفة من كركوك، ذكرت لوكالة شفق نيوز، أنها دفعت مبلغًا كبيرًا مقابل حجر أقنعها بائع أنه سيعيد إليها خطيبها السابق، مضيفة بأسى: "لم أحصل إلا على خيبة أمل. أدركت لاحقًا أنني كنت أشتري وهماً". 

في المقابل، أصرّ أبو جنكيز البياتي على أن ما يبيعه هو زينة طبيعية فحسب، بالقول: "الأحجار لها قيمة جمالية وروحية، لكن لا علاقة لها بجلب الرزق أو الحبيب. نحن نعرضها كتذكار وتحف". 

أما محمد خالد في كركوك، فيجد في عمله معنى يتجاوز التجارة: "أنا رجل بسيط، لكنني أشعر أنني أبيع للناس شيئًا يترك أثرًا. الحجر قد يكون ذكرى، هدية، أو رمزًا لحب. هذا يكفيني". 

رأي الخبراء والدين

في هذا الصدد، رأى الباحث في علم النفس الاجتماعي عبد الستار عباس، لشفق نيوز إن تعلق الناس بالأحجار يعود إلى "الرغبة في التمسك بأمل يمنحهم شعورًا بالسيطرة على مصيرهم، حتى لو كان وهميًا". 

من جانبه، حذر الشيخ علي الجبوري، لوكالة شفق نيوز، من ربط الأحجار والشعوذة قائلاً: "التزين بها جائز، لكن الاعتقاد بأنها تجلب الرزق أو تدفع الشر يدخل في باب الوهم وربما المحرم شرعًا".

Shafaq Live
Shafaq Live
Radio radio icon