بلاد النهرين تختنق.. هل يضغط العراق على جيرانه تجارياً لإنقاذ سلته الغذائية؟

بلاد النهرين تختنق.. هل يضغط العراق على جيرانه تجارياً لإنقاذ سلته الغذائية؟
2021-11-24T11:46:25+00:00

شفق نيوز/ أرض الحاج أبو أسعد تختصر الكثير من الحكاية، فبدلاً من ان يتجسد فيها مزارعاً مساهماً في رفد السلة الغذائية لبلاد الرافدين، يعتزم اليوم تجزئة ارضه الخضراء الى مساحات صغيرة وبيع بعضها كأراض سكنية.

ففي ظل شح المياه التي تحتاجها أرضه لتزهر مزروعاته وتثمر، لم يعد عمله في الزراعة مجزيا، خسارة المزارع أبو اسعد، صورة مصغرة عن الخسارة التي تهدد العراق بشكل متوالى منذ عدة سنوات، وتفاقمت خلال الشهور الماضية بفعل عوامل عديدة من بينها أزمة الجفاف والتهديد المناخي وقيود الدول الجارة وتعقيدات السياسة والمصالح والتاريخ وسوء استغلال الموارد المائية.

والان، يعمد أبو اسعد (65 عاما) الى تقسيم بساتينه الممتدة على مسافة تصل الى اكثر من 40 دونما شمال مدينة بعقوبة، كقطع اراض سكنية بسبب شح المياه في محافظة ديالى ما يؤثر بشكل سلبي على وضع المحافظة الزراعي والتي كانت تصنف او تسمى مدينة البرتقال او سلة الفاكهة كونها تنتج مختلف المحاصيل الزراعية وبما يسد حاجة السوق ولجميع المحافظات في العراق.

وبسبب هذا الوضع الناشئ، فان العراق مهدد بأمنه الغذائي مثلما يحذر الخبراء، وهو بات بمثابة سوق مفتوحة امام صادرات الخضار والفواكه الوافدة من دول الجوار او كما تسمى باللهجة الدارجة "العلوة". وفي الوقت نفسه، يبدو العراق امام خيار صعب للمساومة مع دول المنشأ، خاصة ايران وتركيا، على حقوقه المائية التي لا مناص منها.

ولا تقتصر تأثيرات التغيير المناخي على العراق وحده، وهي تهدد العالم برمته، لكن العراق من بين الدول الاكثر تأثرا لانه يعتمد في غالبية مصادر مياهه على دول الجوار المتضررة بدورها من ظاهرة الجفاف المتفاقمة في المنطقة بحسب الخبراء منذ اربعة اعوام، ما يجبر هذه الدول على محاولة احتكار مواردها المائية والتخفيف من التدفقات الآتية الى العراق، وتجبر العراق في الوقت نفسه على محاولة التأقلم وخفض مساحات الاراضي المخصصة للزراعية بنسبة كبيرة.

وبالتالي فان الامم المتحدة تضع العراق في المرتبة الخامسة عالميا بين الاكثر تأثرا بهذه التهديدات.

ولا تتوفر أرقام دقيقة عن حجم المياه التي تتدفق الى العراق، وتتراوح التقديرات ما بين 90% من الايرادات المائية تأتي من تركيا مقابل 10% من ايران، بينما تشير تقديرات اخرى الى ان 35% من ايرادات المياه للعراق تأتي من ايران سنويا.

وبكل الاحوال، فان العراق تلحق به اضرار جسيمة سواء بتراجع واردات المياه التركية والايرانية، او بفعل الجفاف وضآلة معدلات الامطار السنوية.

ووفق الامم المتحدة، فان تقديراتها في العام 2019، تشير الى ان "التغير المناخي يقلل هطول الأمطار السنوي في العراق، وهو ما سيؤدي إلى زيادة العواصف الترابية وتراجع الإنتاج الزراعي وتفاقم ندرة المياه"، بينما قال برنامج الأمم المتحدة للبيئة انه في العام 2015، كان لدى كل عراقي 2100 متر مكعب من المياه المتاحة سنويا، وأنه بحلول العام 2025، ستنخفض تلك الكمية إلى 1750 مترا مكعبا.

والان يتحرك العراق على اكثر من جبهة لمعالجة هذا الخطر المحدق به، سواء مع الاتراك او السوريين بالاضافة الى الايرانيين حيث يعتقد ان 42 نهرا مشتركا مع العراق، اصبحت شبه معطلة، فيما يشير مسؤولون عراقيون الى ان طهران تحاول تجلب العراقيين الى طاولة التفاوض لتجديد اعتراف بغداد باتفاقية الجزائر الشهيرة التي كان الرئيس الاسبق صدام حسين قد الغاها العام 1980 وهو ما كان بين اسباب اندلاع الحرب الطويلة بينهم.

وتكمن اهمية اتفاقية الجزائر الموقعة العام 1975 مع نظام شاه ايران المخلوع، انها تتضمن تنظيم تقاسم شط العرب وتنظم تقاسم موارد المياه بين الدولتين والقادمة من الاراضي الايرانية، وخصوصا الاثنين واربعين نهراً .

اما بالنسبة الى تركيا، فان اساس المشكلة التي تعود الى نحو مئة عام، انها لا تعترف بان دجلة والفرات "نهران دوليان" وتعتبر تحديدا ان نهر الفرات "عابر للحدود"، وهو ما له تداعيات قانونية مختلفة، تتيح لانقرة بحسب رؤيتها، ان تقيم العديد من السدود بداعي الاستفادة من المياه الجارية على اراضيها.

واقامت في هذا السياق، سيد كيبان خلال سبيعنيات القرن الماضي، ثم سد اتاتورك في التسعينيات، ثم سد أليسو في عم 2018، في اطار مشروع مائي عملاق لانشاء سلسلة من السدود يبلغ عددها 22 ضمن خطة لاستصلاح مئات الالاف من الهكتارات.   وبرغم ذلك، تعتبر بغداد ان انقرة تخالف بذلك اتفاقية للامم المتحدة للعام 1997 حول نهري دجلة والفرات والتي تحظر القيام بأنشطة تهدد بالحاق الضرر بالمصالح المائية للعراق.

اسباب ومعالجات

وبكل الاحوال، يعتبر العراقيون الان ان الاتراك يظهرون تجاوبا اكبر مع مطالب العراق المائية، مقارنة بتجاوب ايران.

ويقول مدير عام المركز الوطني لادارة الموارد المائية حاتم حميد حسين لوكالة شفق نيوز ان "وزارة الموارد المائية وبالتنسيق مع وزارة الخارجية تتواصل  مع دول الجوار (دول المنبع لنهري دجلة والفرات) سوريا وتركيا وايران"، وذلك بهدف تقاسم الضرر  في هذه الازمة كون موسم الجفاف ضرب الجميع ولم يقتصر على بلد دون اخر والعراق احد دول حوضي دجلة والفرات حيث يجري التواصل مع تركيا لاطلاق كميات مناسبة من المياه في نهر دجلة فضلا عن التواصل مع سوريا لذات الغرض وهي ملتزمة بالاتفاق، لكن المشكلة تكمن في التواصل الضعيف مع الجارة ايران التي لا تستجيب لمطالب العراق بعقد اجتماعات فنية لغرض حل مشاكل الانهر المشتركة ووضع الية محددة لتقاسم الضرر بين البلدين .

وحول كمية الاطلاقات المائية التي ستسمح  تركيا بعبورها الى العراق، قال حسين ان "وفد وزارة الموارد المائية قام بزيارة السدود التركية خلال صيف العام الماضي للاطلاع على الخزين المائي لتلك السدود ووجدنا ان الخزين متواضع  لايتجاوز نصف الطاقة الاستيعابية لاسيما في سد اليسو، وعليه تعاهدت (تركيا) معنا على ضوء مخزونها المائي، وبالتالي تم تقاسم الضرر ولو كان الخزين اكبر لكنا طلبنا اطلاقات اكبر"، لافتا الى انه لايمكن الكشف عن كمية الاطلاقات المائية الواردة الى العراق من تركيا لكن ما يطلق حاليا اي الشهر الحالي، هو مساوٍ لاطلاقات السنوات الماضية.

وبخصوص قطع الجارة ايران للانهر الصغيرة الواصلة للعراق، قال حسين ان "لدى ايران انهر موسمية ونتيجة لقلة او شحة موسم الامطار جفت بعض الانهار لكن نهر ديالى الدائمية تصاريفه المائية قليلة وبحسب المعلومات المتوفرة لدينا ان هناك تحويل لمسار النهر باتجاه احواض اخرى داخل ايران وبالتالي سببت نقصان  بالتصاريف المائية الواردة  للعراق ومحافظة ديالى كانت ضحية لنقصان المياه او الاطلاقات في نهر ديالى التي اقتصرت على تأمين مياه الشرب والبساتين".

وفيما يخص الجانب السوري، اشار حسين الى ان الاجتماعات الوزارية للبلدين كل ثلاثة اشهر الى جانب الاجتماعات الفنية الشهرية مستمرة لتنفيذ الخطة المشتركة بين الجانبين وهناك التزام بالاطلاقات المائية المتفق عليها.

وحول احتمال استخدام  المفاوض العراقي لورقة تخفيض حجم التبادل التجاري مع تركيا وايران للضغط باتجاه زيادة حجم الاطلاقات المائية لصالح العراق، قال حسين "هناك لجان عراقية-تركية-ايرانية -سورية، تضم ممثلين عن وزارتي الموارد والخارجية دائما ما تضع هذه الشروط في الاتفاقات الموجودة، ولكن للاسف لايوجد تنفيذ، وهناك توجه مستقبلي باستخدام هذ الملف او هذه الورقة بالتفاوض مع دول الجوار".

وبالنسبة الى الخطوات العراقية الاخرى، قال حسين ان "وزارة الموارد المائية اتخذت الاجراءات اللازمة لاعداد الخطط التشغيلية بادارة الخزانات الموجودة عند السدود الرئيسية في البلاد اخذين بعين الاعتبار اولوية تأمين مياه الشرب وري البساتين لمدة سنة كاملة الى جانب تلبية ما  تحتاجه الزراعة بنسبة 50% من المياه فضلا عن تلبية حاجة الاهوار باعتماد التصاريف المائية القليلة".

واكد حسين ان تلك الخطط تؤمن الحاجة الفعلية من المياه الصالحة للاستخدام البشري لمدة عام على الاقل على اعتبار ان الازمة مازالت مستمرة، ويبدو ان الامطار شحيحة هذا الموسم مما يفاقم الحاجة لتقنين استخدام الخزين الاستراتيجي من المياه.

ولا يبدو ان الحلول ستقتصر على ما ستقوم به وزارة الموارد المائية، اذ يوضح حسين انه "يجب ترشيد الاستهلاك فضلا عن الالتزام بالحصص المقررة بالنسبة للمزارعين وعدم التجاوز على الانهر الى جانب التوصية باعتماد الطرق الحديثة في الري بما يسهم بتقنين استخدام المياه وعدم الاسراف.

ولفت الى ان من بين المعالجات والتدابير التي لجأت لها الوزارة، حفر أكثر من 150 بئرا جديدة وتأهيل عشرات الآبار، ونصب محطات ضخ لإيصال الماء إلى المناطق المتضررة، وتنظيف قنوات الري وتطويرها لتقليل الهدر والتجاوزات.

وتحدث حسين ايضا عن التحديات الفنية التي تواجه وزارة الموارد المائية نتيجة انخفاض التخصيصات المالية اللازمة، بالاضافة الى زيادة الترسبات الطينية الكامنة في نهري دجلة والفرات حيث يوجد في بغداد وحدها أكثر من 20 مليون طن من الترسبات الطينية في قاع نهر دجلة، يتطلب نقلها خارج حوض النهر شمالا وجنوبا.

ويرى كبير خبراء الإستراتيجيات والسياسات المائية رمضان حمزة محمد ان تقليص المساحات الزراعية إلى النصف كان متوقعا بسبب قلة المخزون الإستراتيجي في السدود، والتجاوزات على الأراضي الزراعية وحصص المياه، فضلًا عن استخدام المُزارع العراقي الطرق التقليدية في الري، وتملُّح الأرض نتيجة عدم صيانة المبازل، وغيرها".

وأضاف محمد أن "تقليص المساحات الزراعية ليس حلًّا، وإنما ينبغي إلزام المزارعين بالحصص المائية المقررة، ورفع التجاوزات وأحواض الأسماك، وصيانة مشروعات الري والمبازل، ومعالجة مشكلة الأهوار بجدية.

Shafaq Live
Shafaq Live
Radio radio icon