المال والشهرة على "السوشيال ميديا": ليس كل ما يلمع ذهبا

المال والشهرة على "السوشيال ميديا": ليس كل ما يلمع ذهبا
2020-11-06T08:13:43+00:00

شفق نيوز/ كأنما الحياة صارت بأكملها داخل العوالم الافتراضية في "النيوميديا". ولم تعد مواقع "السوشيال ميديا" مجرد أدوات للتعارف ومعرفة ما يدور حول العالم، بل تحولت أيضا الى أدوات لتحقيق أرباح، لا بالنسبة إلى الشركات وحدها، وإنما بالنسبة الى الاشخاص العاديين أيضا في ظاهرة باتت تثير التساؤل والحيرة. 

صحيح ان وباء كورونا دفع ملايين اضافية من الناس الى "السوشيال ميديا"، وجعل قرابة اربعة مليارات انسان يعيشون ساعات عديدة يوميا في العالم الافتراضي، بحكم التباعد الاجتماعي ومخاطر الوباء وظروف العمل او لتمضية الوقت وهم قيد الاحتجاز القسري في منازلهم، إلا أن ظاهرة تحول الافراد المغمورين الى منصات "النيوميديا" (الاعلام الجديد) وشهرتهم عبرها، تصاعدت بشكل لافت، حتى صاروا بديلا بالنسبة لملايين الناس عن الاعلام التقليدي (التلفزيون، الاذاعة، الصحف والمجلات). 

وبسبب نجاح العديد من الأفراد المغمورين على منصات "السوشيال ميديا"، كالانستغرام او اليوتيوب او سناب شات، وتويتر وغيرها، فقد شجع ذلك كثيرين ليحذو حذوهم، لا لمجرد الحب بالشهرة، وانما ايضا بسبب العائدات المالية التي يمكن أن يحققها الفرد اذا عرف كيف يشق طريقه في هذا العالم الافتراضي.

ومن الواضح ان الحسابات التي يمكن تصنيفها تحت إطار الترفيه والتسلية والموسيقى والموضة والطعام، هي الأكثر رواجا على مستوى العالم، وفي منطقة الشرق الاوسط ايضا، بينما تتراجع شعبية الحسابات التي تهتم بشؤون سياسية، اقتصادية، اجتماعية او علمية. وتطرح هذه الحقيقة تساؤلات جدية عن التحولات الكبرى في أمزجة الشعوب وحول أنماط الاهتمام العالمي الذي تفرضه "النيوميديا" على المجتمعات والأفراد، وبالتأكيد على سياسات الحكومات، وتأثير كل ذلك على الحياة البشرية. 

سلاح ذو حدين

ولهذا، فإن ظاهرة غزو منصات "النيوميديا" ليست مجرد حالة اجتماعية عابرة، وتحتاج الى الكثير من التدقيق والفهم. الصحافية ملاك خليل، وهي أيضا مسؤولة تواصل اجتماعي، تقول لوكالة شفق نيوز، ان عالم السوشيال ميديا سلاح ذو حدين، فهو من جهة يؤمن لك مدخولا ماليا، وإن كان ليس بشكل بسيط أو سهل، لكنه ايضا سمح ببروز ناشطين على السوشيال ميديا، وهم لا يتمتعون بالخبرة والمؤهلات الكافية". 

وقالت خليل ان الاشكالية القائمة تتمثل في ان مشاهير السوشيال ميديا يجب ان تتوفر لديهم بعض المهارات الخاصة التي تميزهم كصوت المطرب مثلا، وان يتمتعوا ببعض الكاريزما، لكن في عالم السوشيال ميديا أصبح في أحيان كثيرة يتيح الفرص الواسعة لمن لا يتمتع بصوت جميل ليقدم نفسه كمطرب مستفيدا من مجموعة من الخطوات التي تتطلبها النيوميديا، وتتيح له فرصة التقدم والشهرة، بغض النظر عن طبيعة هذه الشهرة وحقيقتها. 

وضربت ملاك خليل مثلا عن سيدة اشتهرت على وسائل التواصل الاجتماعي في الفترة الاخيرة بصفتها شاعرة، وهي تبدو مقتنعة بذلك وتروج لنفسها في النيوميديا على هذا الأساس، وصارت معروفة لعامة الناس على نطاق واسع، لكن أحدا لا يقر لها بكفاءة شعرية او أدبية. 

وظيفة الخدعة

ومن جهتها، قالت أسمهان شقير، وهي مديرة مواقع تواصل اجتماعي، لوكالة شفق نيوز، إن "الفيديوهات على يوتيوب والصور على انستغرام تخدعنا ولا تمثل حياة المؤثرين اليومية، بل هي وظيفة يجيدونها". 

ولا تحتاج المسألة أحيانا عديدة الى أكثر من انشاء حساب على يوتيوب أو انستغرام ثم اتباع الخطوات الترويجية اللازمة باستخدام "الهاشتاغات" الملائمة وإنفاق المال على الترويج لمنشوراتك ومشاركتها مع عدد كبير من الناس، ولكن الاهم ايضا اختيار محتوى جذاب للمشاهدين او المتابعين المحتملين، سواء كان في مجال الترفيه او الطبخ او النشاطات العائلية الخاصة التي تزدهر حساباتها على مواقع السوشيال ميديا لقدرتها على جذب جميع افراد العائلة من خلال ازالة الحواجز الاجتماعية بين الناشر والمتلقي وإدخال المتابعين في صلب حياتك الخاصة. 

فكم من مرة تفاجأ الناس بأخبار صادمة عن مشاهير في السوشيال ميديا. قبل ايام على سبيل المثال انتحر اليوتيوبر البريطاني لاندون كليفورد الذي أنشأ قناة يتابعها اكثر من مليون شخص، وذلك بسبب الاكتئاب والقلق و"قلة اللايكات"، بحسب ما نعته زوجته على "اليوتيوب" ايضا. 

وفي يونيو الماضي، انتحرت نجمة "التيك توك" الهنديّة سيا كاكار عن عمر ناهز 16 عاماً في نيودلهي. واشتهرت كاكار على "انستغرام" و"يوتيوب"، و"سناب شات"، لكنها عرفت أكثر من خلال مقاطع الفيديو الراقصة على تيك توك، حيث أصبح لديها أكثر من مليون و 100 ألف متابع. وفي مايو الماضي، انتحرت نجمة برنامج تلفزيون الواقع الياباني "ترّاس هاوس" الذي تعرضه منصة "نتفليكس"، هانا كيمورا، بعدما أشارت تقارير إلى تعرضها للمضايقات عبر وسائل التواصل الاجتماعي.

مافيا التواصل الاجتماعي

وحوادث انتحار المشاهير في العالم الافتراضي كثيرة. لكن هناك شكل آخر من مفارقات هذا العالم. فمؤخرا ضجت الكويت مثلا بفضيحة تبييض الاموال التي تورط فيها شخصيات مشهورة على مواقع التواصل الاجتماعي، ونشرت صحف عدة أسماء أكثر من عشرة منهم، اتهمتهم السلطات الكويتية باقتناء مجوهرات وساعات ثمينة ويخوت وسيارات فارهة وغيرها مما يتباهى به هؤلاء المشاهير، واتضح أن كثيرا منها جاءت بفعل شبكة غسيل أموال منظمة ساهمت في تضخم حساباتهم المصرفية بشكل غير منطقي ما لفت أنظار السلطات الامنية تجاههم. 

وقد تم التحفظ على اموال هؤلاء المشاهير ومنعهم من السفر. وتبين ان حجم معاملات بعضهم تجاوزت الخمسة ملايين دينار سنويا (اكثر من 16 مليون دولار). وكتب مواطن كويتي معلقا على "تويتر" بالقول "سقط الذين حاولوا إفساد شبابنا. ماديا وأخلاقيا وسلوكيا. سقط الذين أوهموا الناس أن الوظيفة الشريفة مهانة وأن الكسب الحلال مذلة.. سقطت القدوات المزيفة". 

وبغض النظر عن مدى دقة تقييم هذا المواطن الكويتي، الا ان ذلك لا يغير في حقيقة ان مشاهير السوشيال ميديا، صار لهم حضورهم القوي وتأثيرهم الكبير على الناس العاديين. 

وتقول ملاك خليل لشفق نيوز "ان بعض الناس لا يتمتعون بالقدرة على التحول الى مشاهير في عالم الموضة مثلا لانه يفرض عليهم أعباء مالية ثقيلة بما يتعلق بالنفقات والكماليات وهذا يسلط عليهم الكثير من الضغوط"، مشيرة الى ان "هذه الظواهر الإعلامية تخلق اعباء وضغوطا على الناس الراغبين في دخول هذا العالم نظرا لتأثرهم بهم، وهم ربما لا يملكون ما يكفي من المال، ويجعلهم ذلك احيانا كثيرة على استعداد للقيام بأي شيء من اجل تحقيق هدفهم بالشهرة. هذا جنون". 

اما أسمهان شقير فتقول لشفق نيوز ان "البعض ينجر لنسخ محتوى الخمس دقائق الذي يشاهده، على ساعات يومه الأربع والعشرين. وعدم القدرة على تحقيق ذلك، يصيبه بخيبة ويشعره بعدم الرضا تجاه حياته". 

وبكل الاحوال فان منصة "نيتفلكس" بدأت مؤخرا عرض الفيلم الوثائقي "ذا سوشيال ديلاما" الذي له تأثير الصدمة من خلال تناوله التأثير السلبي للسوشيال ميديا على الناس والأفكار والتوجهات، بما في ذلك على استقرارهم النفسي والعقلي، وذلك بلسان كبار العاملين السابقين في ابرز المنصات الالكترونية في العالم. 

لكن يبقى سؤال مهم يتعلق بالدافع المالي الذي جعل العديد من الناس في أنحاء العالم يتخلون عن وظائفهم واعمالهم من أجل التفرغ لتحقيق أرباح مالية عبر منصات العالم الافتراضي. 

وتقول أسمهان شقير لشفق نيوز ان "مواقع التواصل الاجتماعي تعود بأرباح تقدر بملايين الدولارات سنوياً لأصحاب الحسابات الأكثر شهرة، حيث احتل اليوتيوبر ريان كاجي المرتبة الأولى عالمياً عام 2019 للمؤثرين الأكثر ربحاً ب26 مليون دولار". 

اما الاميركي رومان آتوود فقد حقق ايرادات بلغت ثمانية ملايين دولار بعدما نشر مشاهد فكاهية صورها أنتجها بنفسه، وشوهدت مجموعة فيدوهاته أكثر من مليار مرة، بنيها فيديو شوهد لوحده 83 مليون مرة. 

لكن شقير استدركت بالقول "ليست مهمة سهلة. الحسابات الناجحة تتطلب مجهودا متواصلا بدوام عمل كامل لكتابة النصوص والتصوير والمونتاج، والأهم، الموهبة بالفطرة".

ارباح

وتشير دراسات عديدة الى ان معدل الربح من اليوتيوب يتراوح في المتوسط ما بين 30 سنتا و 3 دولارات اميركية لكل ألف مشاهدة. الا ان ذلك تحدده مجموعة من العوامل الاخرى من بينها الموقع الجغرافي للمشاهدين والوقت الذين يمضونه في مشاهدة الفيديو ومستوى تفاعلهم معه بالاضافة طبعا الى محتوى الفيديو نفسه، ونجاح صاحبه في الترويج له. 

وعلى سبيل المثال، اليوتيوبر في السعودية بامكانه تحقيق ارباح أكبر من منافسيه اليوتيوبرز في دول اخرى في المنطقة وذلك لسبب بسيط هو ان مستخدمي الإنترنت في السعودية يصل عددهم الى اكثر من 20 مليون مستخدم، وبالتالي فان فرص دخول ومشاركة ومشاهدة فيديو ليوتيوبر سعودي اكبر مثلا من يوتيوبر من البحرين. 

وجدير بالذكر ان عدد المستخدمين لموقع "يوتيوب" يبلغ اكثر من ملياري مستخدم في جميع أنحاء العالم.ويتوقع "يوتيوب" تحقيق عائدات من الإعلانات تتخطى الخمسة مليارات دولار في العام 2021. وهناك نحو 90 في المئة من مستخدمي الإنترنت في الولايات المتحدة ممن تتراوح أعمارهم بين 18 إلى 44 عامًا يستخدمون "يوتيوب". كما ان تسعة أشخاص من بين كل عشرة مشاهدين للفيديوهات الرقمية في الولايات المتحدة، يستخدمون "يوتيوب" لمشاهدة الفيديوهات الرقمية.

ويعني ذلك ايضا ان الفيديوهات التي ينتجها اليوتيوبر في الولايات المتحدة ستكون محط أنظار الشركات والمعلنين بشكل أكبر، وبالتالي تحقيق إيرادات أكبر لصاحب الفيديو.  

وعموما، فإن شركات الإعلانات هي التي تقوم باختيار الفيديوهات التي ستحمل إعلانها، ثم تقوم شركة "غوغل" التي تملك "يوتيوب"، بدفع نسبة من عوائد ذلك الإعلان للمشترك الذي وضع الفيديو. 

وفي المقابل، يقبل العراقيون على يوتيوب اكثر من غيرها من مواقع الانترنت الشائعة، وتشير التقديرات الى ان اكثر من مليوني عراقي من أصل ثمانية ملايين مستخدم للإنترنت، يمضون ساعات طويلة على "يوتيوب". 

ومؤخرا قال اليوتيوبر العراقي لؤي ساهي انه لا يحقق الملايين من الدولارات كما يشاع حوله، وانما حوالى الف دولار شهريا من الاعلانات التي تظهر في قناته. 

وبكل الاحوال، فان أسعار بث الإعلانات في فيديوهات يوتيوب تتحدد بشكل عام وفق ثلاثة معايير، هي اولا عدد المشاهدين للفيديو، وحجم الطلب على الإعلانات في هذه القناة لهذه الشخصية او غيرها، ثم سعر الإعلان وفق السوق المتاح سواء في السعودية او العراق او الولايات المتحدة او غيرها من الدول. 

اذا، فان فكرة التحول من يوتيوبر مفلس ومغمور الى مليونير ليست فكرة سهلة كما يتصور كثيرون، والطريق لتحقيق ذلك طويل وشاق ولا يكتب فيه النجاح للغالبية وانما لقلة قليلة من اصحاب الحسابات. 

وكمعيار عام، فان نسبة الربح من مشاهدات يوتيوب بالعربي، اقل من تلك الفيديوهات المنشورة باللغة الانكليزية، فجمهورها العالمي أكبر بالتأكيد وبالتالي، فاحتمال مشاهدتها اكبر بكثير. 

ويتحتم على صاحب الحساب على يوتيوب من اجل ان يبدأ بتلقي الاموال، بعد ان يراكم عددا كبيرا من المتابعين والمتفاعلين مع فيديوهاته ان يفتح حسابا على موقع "غوغل ادسينس" المخصص للمكاسب على الإعلانات الرقمية التي تديرها "غوغل" ثم ربط الحساب بقناته على يوتيوب.  ويدفع يوتيوب لك فى مقابل مشاهدة المشترك للفيديو، أي عند النقر على الفيديو ومشاهدة الإعلان المرفق بداخله. 



Shafaq Live
Shafaq Live
Radio radio icon