الكتابة المسمارية في الهدايا... شباب عراقيون يرتدون الماضي بلباس الحاضر (صور)
شفق نيوز- بغداد
مع التطور الكبير الذي دخل عالم التسويق والتجارة، حيث أصبح العالم عبارة عن سوق إلكتروني كبير، وصغير في الوقت ذاته من خلال الوصول إليه بهواتفنا النقالة، انفتح الشباب العراقي على تجارب مختلفة عبر مهن وصناعات يدوية تعبر عن مواهبهم والمشاركة في عالم التسويق.
ولعل الانفتاح على الماضي والغوص في أسراره ولغاته، يحرك الطاقات الشبابية ويدفعها الى سوق العمل ذاك، ولكن بآليات ووسائل مختلفة، خاصة مع محاولة البعض حفر التاريخ السومري وإعادة اللغة المسمارية إلى الواجهة عبر إنتاج لوحات وميداليات وتحف تحمل كتابات سومرية أصبحت تتصدر واجهات المحال والبازارات ويتم تسويقها سريعاً، اذ تستخدم للزينة او يتم تقديمها كهدايا.
وفي هذا المجال، يبرع عدد من الشباب ممن درسوا التاريخ والحضارة السومرية، واستفادوا من دراستهم الأكاديمية، بصنع نقوش وكتابات مسمارية، تحمل أسماء ورموزاً وعبارات وفق طلب المتبضعين.
ويعد الشاب براق عبد الكريم عادل الرديني، أحد المهتمين باللغة السومرية ودارسيها، إذ تعلم طريقة كتابتها واستخدامها في إنتاج لوحات وميداليات وغير ذلك من حُلي وأكسسوارات.
ويقول الرديني، لوكالة شفق نيوز: "درست في قسم الآثار لأنني شغوف بالآثار والتاريخ والكتابات القديمة والألواح الطينية، ومازلت أواصل دراستي بجامعة بغداد للحصول على شهادة الماجستير بهذا الاختصاص".
ويضيف: "تمكنت من إجادة الكتابة المسمارية، وأجريت نحو ثماني رحلات تنقيبية بغية تعميق تجربتي ومعرفتي بالآثار واللغة".
ويؤكد الرديني، أنه شارك "ببعض المعارض التي تقام في الجامعة، إضافة إلى معرض الكتاب الدولي مع مجموعة من النحاتين"، مضيفا " قد أنيطت بي بهذه المشاركات مهمة تصنيف مواضيع الكتابة المسمارية ومراحلها من الصورية والمقطعية والرمزية ونحتها على النصب".
ويوضح، أن "أعمالي هي محاولة لإعادة الكتابة المسمارية، بسبب حبي لهذه اللغة التي حاولت في البدء كتابتها بمختلف الأدوات، ومنها استخدام الخلطات، حتى توصلت إلى نوع الطين والقصبة التي كانت تكتب بها تلك اللغة".
ويشير إلى أن "الكتابة المسمارية هوية تعبر عن الأصالة والثقافة والانتماء، وأن اهتمامي بها ونشرها وتسويقها يهدف إلى توعية الآخرين، وخاصة الشباب، وتعريفهم بتاريخ العراق الذي يعد منبع الثقافة والحضارة والعمارة والفنون".
محاولات إحياء اللغة المسمارية لا تخلو من أهداف تجارية مشروعة، فالطابع القديم من النقوش والكتابة المسمارية التي تكتب على القلائد والميداليات التي يتم إنتاجها دون إضافة طابع عصري عليها، تلقى رواجاً من قبل كثيرين، وهو ما يدفع الرديني، وغيره للاشتغال عليها وتسويقها.
ووفق الرديني فإن جميع الكتابات المسمارية التي ينتجها مطلوبة في السوق ولا يتأخر بيعها، وإن مشاركاته في المعارض والبازارات، تسفر دائما عن بيع جميع معروضاته من التحف والميداليات التي تحمل نقوشا واسماء مكتوبة التي باللغة المسمارية".
وتستهوي الهدايا المكتوبة باللغة السومرية العديد من الشباب والفتيات، لأنها، وفق مختصين، تمثل اشباعاً لرغبات نفسية عميقة تتعلق في البحث عن الجذور.
وفي هذا الصدد، تقول أستاذة علم النفس بمعهد الفنون الجميلة مناهل الصالح، لوكالة شفق نيوز: "لاحظت خلال دراسات، السلوك الرمزي في اختيار الهدايا، والإقبال المتزايد على اقتناء أو إهداء منتجات تحمل رموزاً مسمارية".
وتضيف، أن "ذلك لا يرتبط بالاهتمام التاريخي أو الجمالي، بل يعكس في جوهره نزعة نفسية عميقة نحو البحث عن الجذور وإعادة الاتصال بالماضي الجمعي"، مشيرة إلى أن "الرموز المسمارية، بوصفها أولى انظمة الكتابة البشرية، تمثل للفرد الذاكرة الأولى، وعندما يختار شخص ما هدية تتضمن هذه الرموز، فإنه في الغالب يسعى على نحو غير واع إلى استحضار الشعور بالأصالة والامتداد الزمني، وهو مايعزز لديه الإحساس بالهوية والاستمرارية في عالم يتسم بالمتغيرات السريعة".
وتتابع، "من الناحية النفسية، يمكن القول إن هذا السلوك يحمل سمة تعويضية، فهو يلبي حاجة داخلية إلى الثبات والمعنى في مقابل القلق الوجودي المرتبط بزوال الأشياء وفناء الإنسان"، منوهة، أن "الرمز المسماري يصبح وسيطاً بين الفرد والتاريخ، وبين الحاضر والذاكرة الجمعية".
وتلفت إلى أنه "لا يمكن أيضاً إغفال الجانب الجمالي والرمزي في هذا الاختيار، فالإنسان يميل طبيعته إلى الرموز الغامضة لأنها تحفز خياله وتمنحه شعوراً بالتميّز والتفرّد"، مؤكدة، أن "الكتابة المسمارية بطابعها الفني المجرد، تمنح المتلقي إحساساً بأنه يمتلك شيئاً أكبر من مجرد هدية، شيئاً يرتبط بالزمن القديم والحكمة والإنسانية الأولى".
وتشير إلى أنه "انطلاقا من ذلك يمكن اعتبار شراء وتبادل الهدايا ذات الرموز المسمارية تعبيرا عن الحنين الوجودي وعن رغبة دفينة في إيجاد قنوات أو وسائل اتصال بين الذات المعاصرة وجذورها العميقة".
وبعيداً عن البعد المعرفي والدلالات الوجودية والرمزية للهدايا والتحف المنقوشة والمكتوبة باللغة السومرية، يركز كثير من هواة التحفيات والميداليات المكتوبة بهذه اللغة على الغموض والبعد الجمالي.
تقول الطالبة طيبة حسن هادي، (23 عاماً)، أنه "من الجميل أن ارتدي قلادة مكتوب عليها اسمي باللغة المسمارية، دون أن يتمكن أحد من قراءة الاسم".
وتضيف لوكالة شفق نيوز، إن "من يرى الكتابة يجد انها أشبه بالكلمات المتقاطعة الغامضة، ويثير ذلك الفضول عند الآخر لمعرفة معنى الكتابة دون جدوى".
وتشير، إلى أن "الغموض الذي تتسم به الكتابة السومرية وخطوطها المتداخلة، تمنح القلائد أو الميداليات والتحفيات بعدا جماليا، فضلا عن كونها تعد مغايرة وغير مألوفة لما هو سائد، ما يجعل هذه اللغة جديدة رغم قدمها".
أما الشاب رعد محمود فيقول لوكالة شفق نيوز: انه "أعجبت كثيرا بالكتابة المسمارية، وأن الغموض بهذه اللغة بحد ذاته يجعلها أكثر جمالاً وأكثر جذباً، ويمكن تقديمها كهداياً او الاحتفاظ بها".
وهناك الكثير من الشباب، من يرى في الهدايا التي تحمل كتابات مسمارية عمقاً تاريخياً يرتبط بأولى عبارات الحب والتعبير ذ، عن العاطفة الإنسانية النبيلة.
وفي هذا الخصوص، تقول الشابة داليا قاسم، إن "خطيبي اهداني ميدالية مكتوبة باللغة المسمارية تحمل هذه الكلمات " كي مورانجن- प्रेरणात्मक".
وتوضح داليا، لوكالة شفق نيوز: "اعجبتي هذه الهدية وتمنيت أن أعرف مضمون الكتابة ، فأخبرني خطيبي بأنها تعني (أنا أحبك) باللغة المسمارية القديمة".
وتضيف، أن "خطيبي فسر لي سبب اختياره هذه الكلمات باللغة المسمارية، بأنها تعبير عن شرارة العاطفة الأولى في الذات الإنسانية، وأن هذه العبارة تربط الماضي بالحاضر، وتحمل من العمق والأصالة ما تعجز اللغة المعاصرة عن البوح به".