العراق يفتح "كنوزه" أمام الاستثمار رغم الحاجة لـ"الإصلاحات"

العراق يفتح "كنوزه" أمام الاستثمار رغم الحاجة لـ"الإصلاحات"
2025-08-14T18:26:36+00:00

شفق نيوز- بغداد

مع تحسن الأوضاع الأمنية في العراق خلال السنوات الأخيرة، بدأت تتشكل ملامح بيئة أكثر جاذبية للاستثمار، مدفوعة بانخفاض مستوى التهديدات الإرهابية واستعادة الاستقرار في معظم المحافظات.

ويرى خبراء ومسؤولون اقتصاديون، أن هذا التحول شكّل نقطة انطلاق حقيقية نحو إعادة بناء الثقة في السوق العراقية، لاسيما في القطاعات الحيوية كالبنى التحتية والطاقة والمعادن والخدمات اللوجستية.

ومع أن التحسن الأمني يشكل ركيزة أساسية لجذب رؤوس الأموال، إلا أن متخصصين يؤكدون أن الأمن وحده لا يكفي لتحقيق نمو اقتصادي مستدام، إذ يظل استكمال الإصلاحات الاقتصادية، وتحسين بيئة الأعمال، وتحييد العراق عن التوترات الإقليمية، وتفعيل أدوات الحوكمة ومكافحة الفساد، من الشروط الأساسية لتحويل المؤشرات الإيجابية إلى تدفقات استثمارية حقيقية.

الاستقرار يعزز الثقة  

ويؤكد المستشار المالي لرئيس الوزراء، مظهر محمد صالح، أن "الأمن يُعد أحد الركائز الجوهرية لنجاح الاقتصاد"، مشدداً على أن "الحديث عن بيئة استثمارية جاذبة لا يمكن أن يتم دون استقرار أمني وسياسي حقيقي".   

ويوضح صالح لوكالة شفق نيوز، أن العراق يمتلك ثروات طبيعية وموقعاً استراتيجياً، ومع التحسن الأمني الكبير الذي تحقق في السنوات الأخيرة، بات يوفر بيئة أعمال مستقرة تتيح للمستثمرين التخطيط على المدى الطويل، وتقليل المخاطر المتعلقة بتعطل المشاريع أو فقدان الأصول".  

ويضيف أن "تصفير معدل العمليات الإرهابية في العراق ساعد في تعزيز ثقة المؤسسات المالية الدولية، ما شجّع العديد من الشركات الأجنبية الكبرى على العودة إلى البلاد، خاصة في قطاع الطاقة والبنية التحتية، بالإضافة إلى إطلاق مشاريع استثمارية متنوعة في مختلف المحافظات، الأمر الذي يعكس تحسّن التنسيق بين الجهات الأمنية والحكومات المحلية".   

ويعتبر صالح أن "الاستثمار في الأمن هو استثمار مباشر في مستقبل العراق، وهو ما تتبناه الحكومة الحالية ضمن برامجها الاقتصادية".   

كما يشير إلى أهمية تحديث الأجهزة الأمنية، وتعزيز دور الهيئات المستقلة الرقابية على المشاريع الاستثمارية، إلى جانب تفعيل المناطق الاقتصادية الخاصة، وتحسين بيئة الأعمال من خلال تبسيط الإجراءات وتقليل البيروقراطية باستخدام الحوكمة الرقمية. 

ويؤكد المستشار، على "ضرورة التعاون الدولي لتوفير ضمانات أمنية إضافية، تسهم في طمأنة المستثمرين الأجانب وتعزيز وجودهم في السوق العراقية".   

استثمارات بـ70 ملياراً دولاراً

من جهته، يقول الخبير الاقتصادي صفوان قصي، لوكالة شفق نيوز، إن "العراق يشهد تحسناً ملحوظاً في مناخ الاستثمار، بفضل الاستقرار الأمني والإصلاحات الحكومية"، مشيراً إلى أن "الحكومة نجحت في جذب استثمارات تتجاوز 70 مليار دولار خلال الفترة الماضية".  

ويبيّن قصي، أن "أبرز التحديات السابقة التي واجهت المستثمرين كانت غياب الضمانات السيادية، إلا أن الحكومة الحالية وفّرت ضمانات تغطي 85% من قيمة الاستثمار، مما رفع ثقة المستثمرين المحليين والأجانب على حد سواء". 

ويتابع أن "فتح نافذة الاستثمار في قطاع المعادن عبر وزارة الصناعة، أسهم في تحريك ملفات استثمارية كبيرة في مجالات مثل الإسمنت، الفوسفات، الكبريت، والسيليكا، وهي قطاعات تُعد ركيزة لتنشيط الصناعة المحلية".

وينوّه قصي إلى النظرة الإيجابية المتزايدة حول قدرة العراق على الاندماج في المنظومة الاقتصادية العالمية "خصوصاً بعد إطلاق مشروع طريق التنمية الذي يسعى لتحويل العراق إلى مركز لوجستي إقليمي لتصدير السلع المنتجة محلياً".

ويشير إلى أن "فرض سلطة القانون على المنافذ الحدودية، ووقف سياسة الإغراق، ومكافحة الفساد، وتبني التكنولوجيا، كلها إجراءات تبنتها الحكومة لرسم خريطة واضحة للاستثمار في العراق".

ويوضح أن "البلاد تمر بمرحلة شبه اكتمال لملف الأمن، ما أتاح الانتقال من مرحلة مكافحة الإرهاب إلى مرحلة تعزيز التنمية، مع مشاركة فعالة من المواطنين في تثبيت دعائم الاستقرار".

ويضيف أن "عقوداً مهمة أُبرمت مع شركات عالمية كبرى مثل توتال، بريتيش بتروليوم، جنرال إلكتريك، جنرال موتورز، وسيمنز، ما يعكس حجم الثقة بالوضع الاستثماري، خصوصاً وأن هذه الشركات لا تضع أموالها في بيئات غير مستقرة". 

وفي جانب آخر، يشير إلى أن "الاتفاقات الثنائية التي وقعتها حكومة السوداني مع دول الاتحاد الأوروبي، والصين، ودول الخليج، ساعدت على طمأنة المستثمرين"، مؤكداً أن "العراق بات محطّ أنظار تنافس إقليمي على الفرص الاستثمارية المتاحة".

كما يلفت إلى "الاستقرار النقدي، وثبات سعر صرف الدينار، وانخفاض معدلات التضخم كعوامل إضافية أسهمت في تعزيز بيئة الاستثمار".

إلى جانب ذلك، يشهد قطاع السكن نشاطاً متزايداً مع العمل على إنشاء 15 مدينة جديدة، ويتوجه المستثمرون نحو مدخلات قطاع البناء مثل الحديد والإسمنت ومواد الإنشاء.

ويؤكد قصي أن "العراق يستورد ما بين 60 إلى 70 مليار دولار سنوياً من السلع، جزء كبير منها يمكن إنتاجه محلياً، لا سيما في قطاعي الزراعة والصناعة"، داعيا إلى "استثمار هذه الفجوة لتشجيع الإنتاج المحلي، وخلق فرص حقيقية في الزراعة الذكية وإدارة المياه وتقنيات الري الحديثة".

ويلفت إلى "أهمية تطوير قطاع النقل والخدمات اللوجستية"، مشيراً إلى "إمكانية تأسيس أسطول نقل حديث ومراكز تخزين تسهم في تحويل العراق إلى نقطة محورية في التجارة الإقليمية".

ويرى أن "عوائد الاستثمار في العراق باتت مجزية، والمنافسة على الفرص تتصاعد، ومن يدرك أهمية العراق الاقتصادية سيحرص على الحضور المبكر قبل أن تضيق الفرص".

الأمن وحده لا يكفي

أما الخبير الاقتصادي منار العبيدي، فقد اعتبر أن "التحسن الأمني ساعد على خلق بيئة جاذبة للاستثمار، لا سيما في قطاعات مثل التجارة والسياحة، لكنه شدد على أن الأمن وحده لا يكفي ما لم تُستكمل الإصلاحات الاقتصادية والهيكلية".

ويقول العبيدي لوكالة شفق نيوز، إن "الأمن يعزز ثقة المواطن، ويسهم في خلق فرص العمل، ما يدعم بشكل غير مباشر الدورة الاقتصادية"، مشيرا إلى "الحاجة الملحّة لتطوير البنية التحتية وتحسين مناخ الأعمال لضمان استمرارية النمو".

ويلفت إلى أن "المستثمر الأجنبي يولي اهتماماً كبيراً بالبيئة الشفافة والمستقرة اقتصادياً، وهو ما يستدعي إزالة المعوقات الإدارية والتشريعية التي تقف أمام تدفق رؤوس الأموال".

ويعدّد العبيدي بعض المؤشرات التي تدل على دخول استثمارات أجنبية جديدة، مثل ارتفاع حجم الاستثمار الأجنبي المباشر (FDI)، وزيادة عدد الشركات الأجنبية المسجلة، ونمو تحويلات رؤوس الأموال، وارتفاع العقود مع مستثمرين دوليين في قطاعات مختلفة.

توترات تعرقل الاستثمار

من جانبه، يشير أستاذ الاقتصاد الدولي نوار السعدي، إلى أن "التحسن الأمني في العراق وفّر بيئة أكثر استقراراً"، لكنه يقول إن "هذا العامل لا يمكنه وحده تحويل العراق إلى وجهة استثمارية رئيسية ما لم يترافق مع إصلاحات اقتصادية جذرية واستقرار سياسي فعلي".

ويوضح السعدي لوكالة شفق نيوز، أن "الاستثمارات الأجنبية تحتاج إلى بيئة آمنة ومستقرة، لكنها تتأثر أيضاً بعمق الإصلاحات، ومستوى الشفافية، ووضوح الرؤية المستقبلية للسوق".

ويذكر أن "العراق سجّل نمواً في قطاعات غير نفطية مثل الاتصالات، البناء، والخدمات اللوجستية، وهي عادة من أوائل القطاعات التي تستجيب لتدفق الاستثمارات".

ويشير إلى ارتفاع التبادل التجاري وزيادة عدد الشركات الأجنبية، لكنه نوّه إلى أن "حجم الاستثمارات ما زال أقل بكثير من الإمكانات الحقيقية".

ويلفت السعدي إلى أن "البيئة الاستثمارية في العراق ما تزال مرتبطة بشكل وثيق بالمعطيات الإقليمية"، مبيناً أن "الصراع بين إسرائيل وإيران، والضغوط الاقتصادية التي تمارسها الولايات المتحدة للحد من النفوذ الإيراني، خصوصاً عبر مراقبة التحويلات المصرفية والعقود الحكومية، تؤثر سلباً على قرار الشركات الكبرى بالاستثمار في العراق".

وختم بالقول إن "تعزيز جاذبية العراق يتطلب مزيجاً من الاستقرار السياسي، وتحييد البلاد عن صراعات المحاور، وتنفيذ إصلاحات شاملة"، مشدداً على أن "ذلك هو الشرط الأساسي لتحفيز المستثمرين الدوليين على دخول السوق العراقية بشكل مستدام".

 

 

Shafaq Live
Shafaq Live
Radio radio icon