هدوء يرافق انتخابات العراق.. تفاؤل في الشارع وتردد في التصويت
شفق نيوز- ترجمة
يخوض العراقيون تجربتهم الانتخابية وهم يتعايشون مع أطول فترة من الاستقرار منذ أكثر من 20 سنة، وذلك في ظل أجواء من التفاؤل بأن البلد على الطريق الصحيح، لكن موقع "دويتشه فيله" الألماني (DW)، تساءل عما إذا كانت هذه الإيجابية ستترجم في صناديق الاقتراع في 11 تشرين الثاني/نوفمبر الحالي، وستجلب التغيير.
واستعاد الموقع الألماني في تقرير له، ترجمته وكالة شفق نيوز، الاستطلاع الأخير لمؤسسة "غالوب" الأميركية، الذي أظهرت نتائجه أن إيمان العراقيين بالمؤسسات السياسية والوطنية وصل إلى مستويات قياسية، حيث أعرب 55٪ من المجيبين عن ثقتهم في الحكومة، مشيرا إلى أن هذا أمر استثنائي في الشرق الأوسط، حيث إن الإيرانيين والأردنيين فقط هم الأكثر رضا عن قياداتهم.
كما لفت التقرير الألماني إلى ما قاله رئيس بعثة الأمم المتحدة لدعم العراق محمد الحسن، لمجلس الأمن الدولي مؤخرا، حيث أعلن أن "العراق اليوم ليس مثل العراق قبل 20 عاما، أو حتى قبل 5 سنوات"، مضيفا أنه برغم استمرار العقبات، إلا أن "العراق اليوم أكثر أمنا واستقرارا وانفتاحا".
ونقل التقرير عن الشاب العراقي خضير العلي، الذي يعمل في شركة نفطية، قوله إن "العراق في أفضل حالاته على الإطلاق"، مضيفا أن "هناك مشاكل كالحفر في الشوارع التي تحتاج إلى إصلاح، بالإضافة إلى العدد الكبير للسيارات في بغداد، وحاجة العراق إلى ممرات للدراجات".
لكن التقرير لفت إلى أن عدم توفر الممرات الخاصة للدراجات كان في يوم من الأيام إحدى أقل مشاكل العراق أهمية، لافتا إلى أن العراق كان يحتل لوقت طويل عناوين الأخبار بالحرب والعنف، إلا أن ذلك تغيّر كثيرا خلال السنوات الماضية، حيث صار يشهد أطول فترة من الاستقرار منذ الغزو الأميركي في العام 2003.
ونقل التقرير عن الموظف المدني مصطفى حسين، وهو يتناول الطعام في مطعم راق في بغداد، قوله إن "الفساد لا يزال كما كان دائما، إلا أن الأمور تنجز بالفعل"، موضحا أنه اضطر إلى تسجيل سيارته للحصول على لوحة ترخيص جديدة وفعل ذلك عبر الإنترنت، وفي وقت لاحق ظهر رجلان أمام منزله لوضع لوحة الترخيص. وتابع قائلا وهو يعبر عن مفاجأته: "لقد جاءوا بالفعل إلى منزلي... رائع".
وبحسب الصحفي إبراهيم عياش، فإن "الأمر نفسه يحدث بالنسبة لجوازات السفر... الأمور تجري بشكل أفضل هنا الآن".
وأشار التقرير إلى أن كل هذا جعل حسين وعياش أكثر ميلا للتصويت في انتخابات 11 تشرين الثاني/نوفمبر. وكان حسين، الموظف المدني، قد صوت آخر مرة في العام 2005، وهي المرة الأولى التي يصوت فيها العراقيون بعد إسقاط نظام صدام حسين.
وتناول التقرير تجربة المواطن "حداد" الذي لم يصوت منذ العام 2005 لأن "شيئا لم يتغير"، إلا أنه هذه المرة يعتزم الإدلاء بصوته "بسبب هذا الرجل"، مشيرا بذلك إلى رئيس الحكومة محمد شياع السوداني.
وتابع التقرير أن العديد من العراقيين يرون أن السوداني تكنوقراط ذكي، نجح في تحقيق التوازن بين المصالح المتنافسة في السياسة العراقية، ويعتبرونه مسؤولا عن تطوير خدمات الدولة والعديد من الاستثمارات في البنية التحتية.
إلا أن التقرير تساءل كيف سيترجم كل الإعمار والسلام والإيجابية في الانتخابات المقبلة، وربما الأهم من ذلك، إقبال الناخبين؟ مذكّرا بأن نسبة إقبال الناخبين كانت 80٪ في العام 2005، لكنها راحت تتراجع في ظل تزايد إحباط الناخبين.
ونقل التقرير عن الباحث في مركز "تشاتهام هاوس" البريطاني ريناد منصور، قوله إن "العديد من العراقيين يشاهدون ما يجري في بغداد من تطوير وإعمار البنية التحتية، وأيضا ما يحدث في أماكن أخرى من المنطقة، مع كل هذه الصراعات في سوريا ولبنان واليمن وإيران وفلسطين، ثم يقولون: إننا، لمرة واحدة، نبدو مستقرين نسبيا".
وتابع منصور قائلا، كما نقل التقرير عنه، إنه "بسبب ذلك، هناك شعور بالارتياح. ولكن بعد عقدين من التصويت، يعرفون أيضا أنه حتى لو فاز السوداني، أو من سيصوتون له، فإن تصويتهم ليس هو الذي يحدد كيف ستكون الحكومة القادمة".
وبحسب منصور أيضا، فإن الانتخابات في العراق هي بمثابة استفتاء على السياسيين المحليين، إلا أنها أكثر من ذلك باعتبارها وسيلة أمام النخب للعودة إلى الطاولة كل 4 سنوات وإعادة التفاوض على مواقفهم وحصصهم في الدولة، مضيفا أن "المقاعد التي يتم الفوز بها في صناديق الاقتراع ستكون بمثابة أوراق مساومة، تحملها النخب جنبا إلى جنب مع أوراقهم الأخرى في السلطة، بما في ذلك العنف وتحشيد الشوارع، وذلك للتنافس بين الأحزاب على المناصب الحكومية العليا".
وأضاف التقرير أن المسألة تتطلب شهورا من المفاوضات لتشكيل الحكومة العراقية، حيث يتم اختيار الوزراء ورئيس الحكومة من خلال المفاوضات، وليس مباشرة من قبل الناخبين، ولهذا فإنه حتى لو تمكن السوداني من الفوز، فقد لا يتم اختياره رئيسا للحكومة مجددا.
ونقل التقرير عن المحلل في "مركز أبحاث القرن الدولي" الأميركي سجاد جياد، قوله: "حقيقة أن لدينا بعض الاستقرار لا تترجم بالضرورة إلى أشخاص يرغبون في التصويت"، مضيفا: "أنظر إلى استطلاع الرأي، فإن رئيس الوزراء هذا يحظى بتأييد كبير، وربما يكون أعلى مستوى من أي رئيس وزراء خاض الانتخابات، لكن هل هذا يعني أن هؤلاء الناس سيصوتون له في ذلك اليوم؟ هل سيأتون فعلا؟".
وبحسب جياد، فإن معظم العراقيين العاديين الذين يتحدث إليهم يقولون له إنهم لن يشاركوا في التصويت، موضحا أن "الأشخاص الذين تحدثت إليهم والذين سيدلون بأصواتهم هم من ضباط الشرطة وموظفي الخدمة المدنية".
وأشار جياد إلى أنهم ممن يعرفون مرشحهم أو مستفيدين من النظام، لافتا إلى أن الغالبية العظمى لا ترى في الانتخابات وسيلة للتغيير.
ونقل التقرير عن الباحث منقذ داغر قوله إنه "إذا استمرت الاتجاهات الحالية، فقد يكون الإقبال في العام 2025 هو الأدنى في تاريخ العراق بعد العام 2003"، مضيفا أن هذا قد يمثل مشكلة خطيرة بالنسبة للاستقرار، حيث إن الإقبال ليس مجرد إحصائية، وإنما هو أساس الشرعية الانتخابية".