معهد أميركي يحذر من إعادة إنتاج "نموذج المالكي" في العراق
شفق نيوز- ترجمة
طرح معهد "المركز العربي في واشنطن" تساؤلاً عما إذا كان محمد شياع السوداني يتمتع بفرصة تولي ولاية حكومية ثانية، وفي الوقت ذاته وصفه بأنه "منبهر بزخارف السلطة" ولديه ميل لـ"انتهاك الحقوق المدنية"، ويثير مخاوف من تكرار تجربة نوري المالكي، ولهذا لا يستبعد تشكل ائتلاف واسع كالذي أتى بالحكومة العراقية الحالية، مضيفا أن النظام السياسي العراقي ليس مثاليا، إلا أن العراقيين يراهنون على استمرار الاستقرار في ظل الاضطرابات الإقليمية.
وفي 11 تشرين الثاني/نوفمبر 2025 صوّت العراقيون في سابع انتخابات برلمانية لهم منذ سقوط نظام صدام حسين عام 2003، ووفقا للمفوضية العليا للانتخابات العراقية شهدت الانتخابات نسبة إقبال بلغت 56%، وهي نسبة أعلى بكثير من الانتخابات السابقة، ورغم أن السلطة القضائية لم تؤكد النتائج بعد، لم يحقق أي حزب فوزا حاسما.
وذكر المعهد الأميركي في تقرير له، ترجمته وكالة شفق نيوز، أن النتيجة الأكثر ترجيحا لانتخابات 11 تشرين الثاني/نوفمبر الحالي هي تشكيل حكومة ائتلافية واسعة، بحيث أن مجموعة مختارة من الأحزاب الشيعية ستحدد من سيتولى منصب رئيس الوزراء، مضيفا أن النظام السياسي العراقي فيما بعد العام 2003 ليس مثاليا، إلا أن العراقيين الذين عاشوا عقودا من الدكتاتورية والعنف دفعوا ثمنا باهظا لإقامة هذا النظام.
ولفت التقرير الأميركي إلى أن العراق حقق مؤخرا نوعا من الاستقرار النسبي، موضحا أنه تجنب بصعوبة الانجرار إلى الحرب بين إسرائيل وإيران. ولهذا اعتبر التقرير أنه لكي تتمكن الحكومة من تطبيق الإصلاحات الداخلية الضرورية، فإن العراقيين يعولون على تواصل الاستقرار في ظل الاضطرابات الإقليمية.
ورأى التقرير أن ما لا يقل أهمية عن ذلك بالنسبة للعراقيين المنتمين إلى خلفيات عرقية وطائفية متنوعة وعانوا عقودا من حكم الحزب الواحد في ظل نظام البعث، هو تجنب تثبيت السلطة بيد فرد أو حزب واحد.
وبحسب التقرير فإنه من الناحية العملية طور العراق خلال العقدين الماضيين نظاما توافقيا غير رسمي قائم على الهوية العرقية الطائفية، مشابه لنموذج لبنان الذي تكون الرئاسة فيه لماروني، ورئاسة الوزراء لسني، ورئاسة البرلمان لشيعي.
وبعدما لفت التقرير إلى أنه لم يسبق لأي حزب أن فاز بأغلبية المقاعد في الانتخابات العراقية التي جرت بعد العام 2003، وأن أقرب من وصل إليه أي حزب كان في العام 2014 عندما فاز ائتلاف بقيادة نوري المالكي بـ92 مقعدا، أوضح التقرير أنه حتى لو فاز حزب واحد بـ51% من المقاعد فإن الديمقراطية البرلمانية في العراق تتمتع بحواجز متينة تحول دون احتكار حزب واحد، حيث يتطلب انتخاب رئيس الجمهورية أغلبية الثلثين في البرلمان، ثم يكلف الرئيس باختيار رئيس وزراء مكلف من أكبر كتلة في البرلمان، مشيرا إلى أن ذلك تم تضمينه في الدستور لحماية دولة ما بعد البعث من هيمنة الأغلبية وفرض نظام واسع لتقاسم السلطة.
وفي حين ذكر التقرير بتشكيل ائتلاف الإطار التنسيقي بعد انتخابات 2021 والذي رشح السوداني لتولي الحكومة، قال إنه رغم التحديات الاعتيادية التي تواجه رئيس الوزراء، بما فيها تحقيق التوازن بين ضغوط التنافس من واشنطن وطهران، بالإضافة إلى حكم ائتلاف من منافسين محتملين، فإن ولاية السوداني سيتم تذكرها بدرجة كبيرة بنجاحه في منع العراق من الانجرار إلى حروب إقليمية بعد حرب اسرائيل في غزة بعد 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023.
ولهذا رأى التقرير أن السؤال الآن يتعلق بما إذا كان السوداني سيتمكن من إقناع حلفائه السياسيين بمنحه ولاية ثانية، وذلك على اعتبار أن الولاية الثانية ستتيح له المضي قدما في مشاريع الإعمار والتنمية.
لكن التقرير لفت إلى أن السوداني منجذب بشكل شخصي إلى كل زخارف السلطة، وهو ميال إلى "انتهاك الحقوق المدنية"، وفي حال نجح بالفوز بولاية ثانية، وهي حالة نادرة في السياسة العراقية، فإن ذلك من شأنه إثارة مخاوف من أنه قد يستغل الفرصة لترسيخ سلطته، مثلما فعل نوري المالكي قبله، وهو ما سيعرقل التحول الديمقراطي الهش في العراق.
وتابع التقرير قائلا إنه في حال فشل السوداني فإنه من المرجح أن يكون رئيس الوزراء المقبل مرشحا توافقيا مقبولا من كل الأحزاب السياسية التي ستحتاج أيضا إلى الحفاظ على أمن العراق.
وبحسب التقرير فإن السوداني يعتقد أن شعبيته ستقنع الإطار التنسيقي بدعمه لولاية ثانية، مشيرا إلى أنه يعول بوضوح على مشاريع البنية التحتية التي نفذها وعلى تطلعات الشعب العراقي للخدمات الأساسية، إلا أن التقرير أشار إلى أن كسب الأصوات الانتخابية ليس سوى جزء من معادلة النجاح السياسي.
وبعدما لفت التقرير إلى أن المالكي كان رئيس الوزراء الوحيد الذي نجح في تحقيق ولايتين في المنصب منذ العام 2003، أشار إلى أن قصة المالكي تشكل تحذيرا بالمخاطر التي قد تمثلها ولاية ثانية في المنصب، بما في ذلك التراخي والفساد والتوغل في السلطة.
وتابع التقرير أن هذا الخطر يتزايد حدة في ظل وجود ديمقراطية ناشئة كالعراق، مضيفا أنه برغم الآثار الناتجة عن الجوار المضطرب اللاديمقراطي، فإن العراق تمكن من تنظيم عدة انتخابات تنافسية مع انتقالات متعددة للسلطة.
وأضاف التقرير أنه بالإمكان القول إن العراق كان أكثر نجاحا من تونس، التي كانت تمثل سابقا أفضل مثال على التحول الديمقراطي بعد "الربيع العربي" ولكنها عادت إلى الاستبداد في عهد الرئيس قيس سعيد.
وفي حين قال التقرير إن رئاسة الوزراء لولاية واحدة هي بمثابة ضمانة مهمة ضد تراجع الديمقراطية في العراق، أشار إلى أن السوداني هو أول رئيس وزراء بعد العام 2003 لم يكن مقيما في المنفى خلال حكم نظام البعث.
وبحسب التقرير فإن تمضية السوداني حياته كلها في العراق جرى النظر إليها على أنها نقلة نوعية في مسيرة التحول الديمقراطي، مضيفا أن السوداني على غرار ملايين العراقيين العاديين عانى من العقوبات الدولية ووحشية حزب البعث، ولم يكن يمتلك جواز سفر ثان يسمح له بمغادرة العراق.
ولهذا قال التقرير إن السوداني كان معتادا على سياسات الرعاية الاجتماعية التي كانت قائمة في العراق لسنوات عديدة، مشيرا إلى أن توسيع هذه السياسات الممولة من النفط وخصوصا التوظيف في القطاع العام لم تعد مجدية في ظل تزايد السكان.
وتناول التقرير كيف أن السوداني لم يظهر خلال أول مئة يوم من توليه منصبه أي بادرة لمواصلة الإصلاحات المحددة في الورقة البيضاء التي أعدتها حكومة مصطفى الكاظمي، والتي شكلت خريطة طريق للحد من اعتماد العراق على النفط وتحويل اقتصاده وحمايته من انهيار أسعار النفط، حيث إن السوداني واصل طريق التوظيف الجماعي في القطاع العام، معتمدا على أسعار النفط العالية طوال فترة رئاسته للوزراء.
والآن يقول التقرير إن السوداني بسبب هامش فوزه الضئيل سيتحتم عليه تحويل تركيزه من إقناع الناخبين بالتصويت له، إلى إقناع النخبة السياسية بمنحه فرصة تشكيل حكومة جديدة.
وتابع قائلا إنه ربما يكون السوداني قد حكم خلال أكثر فترات العراق استقرارا منذ عقود، إلا أنه لم يخل من خلق أعداء له، حيث اتهم بأفعال غير قانونية مثل التنصت على خصومه السياسيين وتطوير شبكة محسوبية من خلال تعيين إخوته وأبناء عمومته في مناصب في مكتب رئيس الوزراء، وهو ما قد يستغله خصومه ضده إذا شعروا أن مساعيه لرئاسة الحكومة جريئة للغاية أو أنه لا يخصص لهم مناصب كافية في الحكومة الجديدة.
وبحسب التقرير فقد تراجع النفوذ الخارجي خلال تشكيل الحكومة في العراق في السنوات الأخيرة، مع تراجع التدخل المباشر من كل من الولايات المتحدة وإيران، مضيئا أن تراجع التدخل الأميركي سببه إرهاق الولايات المتحدة من العراق، مضيفا أن ضعف إيران نتيجة الهجمات الإسرائيلية المباشرة على أراضيها، والهزيمة العسكرية لحزب الله اللبناني، وسقوط نظام الأسد في سوريا.
وتابع قائلا إنه يمكن لإيران الضعيفة أن تصب في مصلحة السوداني، إذ أنه عزز علاقاته مع الغرب، وبرهن على قدرته على العمل مع دول الغرب رغم تحالفاته السياسية مع أحزاب مقربة من إيران.
وأضاف قائلا إنه يتحتم متابعة ما إذا كانت الولايات المتحدة ستسعى للتأثير على تشكيل الحكومة الجديدة، وما إذا كان وافد جديد على الساحة السياسية العراقية مثل المبعوث الخاص مارك سافايا سيحقق ثماره.
وأكمل التقرير بالقول إن التحول الديمقراطي في العراق أظهر مرونته، حيث أفرز العديد من القادة الذين قادوا البلد خلال سلسلة من الأزمات المحلية والإقليمية. وتابع قائلا إن دور رئيس الحكومة من التعامل مع الحكومات الائتلافية الواسعة وصولا إلى إدارة العلاقات بين المتنافسين اللدودين في طهران وواشنطن ليس سهلا.
وأشار التقرير إلى أن السوداني استكمل فترة ولايته، إلا أنه لم يحقق ما يكفي لتمييز نفسه عن السياسيين العراقيين الآخرين، مضيفا أنه رغم أدائه القوي في الانتخابات، إلا أن سجله لم يكن ممتازا بما يكفي لإغراء الناخبين ومنح حزبه الأغلبية.
وختم بالقول إنه سواء عاد السوداني الآن كرئيس للوزراء أو تولى وجه جديد المسؤولية، فإن رئيس الوزراء القادم سيبقى معتمدا على الإطار التنسيقي والائتلاف الأكبر الذي يضم أحزابا سنية وكوردية، وهو اعتماد يثير شكوكا حول ما إذا كانت الحكومة الجديدة ستكون مختلفة تماما عن سابقتها.