مؤسسة أميركية عن انتخابات العراق: تعهدات بـ"التطبيع" الإسرائيلي وابتعاد عن النفوذ الإيراني
شفق نيوز- ترجمة خاصة
سلط معهد "مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات" الأميركي، الضوء على عنصريّ إسرائيل وإيران اللذان يؤثران في أجواء الانتخابات العراقية المقبلة، على الرغم من الإشارة إلى أن قيادات سنية وشيعية قدمت "سراً ضمانات للتطبيع المجاني" مع تل أبيب، وأن نفوذ طهران انحسر.
وأشار المعهد الأميركي، في تقرير ترجمته وكالة شفق نيوز، إلى الانتخابات الحرة السابعة التي سيخوضها العراقيون منذ سقوط صدام حسين العام 2003، موضحاً أن المرشحين يتحركون بحذر والتعهد بالحياد في الصراع الجيوسياسي بين الولايات المتحدة وإيران، في حين يستخدمون اتهامات "التطبيع مع إسرائيل" كسلاح، لتشويه سمعة منافسيهم.
وبعدما لفت التقرير إلى أن شبح إسرائيل يظهر بقوة في الخطاب الانتخابي العراقي، برغم أن لا علاقات رسمية مع هذه الدولة، نقل عن النائب إبراهيم الصميدعي، وهو عضو كتلة الإعمار والتنمية التي يتزعمها رئيس الوزراء محمد شياع السوداني، قوله إن "هناك قادة من الشيعة والسنة قدموا ضمانات للتطبيع المجاني مع إسرائيل"، مضيفاً أن "هناك شخصيات سياسية بدأت تغازل واشنطن وتقدم ضمانات سرية لها".
وبحسب الصميدعي الذي يخوض الانتخابات مجدداً، فإن "الحكومة المقبلة تواجه ضغوطاً للانضمام إلى الاتفاقات الإبراهيمية" لتطبيع العلاقات مع إسرائيل، إلا أنه اعتبر كما نقل عنه التقرير القول، إن السوداني وحده من هو قادر على منع السلام العراقي مع إسرائيل.
ولفت التقرير إلى أن تصريحات الصميدعي تعكس الحساسية المحيطة بهذه القضية، لأن أي انفتاح على إسرائيل، يكون بمثابة انتحار سياسي في بلد تتجذر فيه المشاعر المعادية لإسرائيل.
وتابع التقرير أن تهمة "الضمانات" هذه مؤذية بسبب وجود قانون صدر العام 2022، يجرم التطبيع والعلاقات مع إسرائيل.
وقال التقرير إن مثل هذه الاتهامات طالت رئيس الوزراء السابق أياد علاوي، الذي وصفه التقرير بأنه شيعي علماني متحالف مع السوداني وله علاقات مع المملكة السعودية، إلا أن مكتبه نفاها تماماً قائلاً إن "علاوي لم يُدع، ولن يُدع، إلى التطبيع مع الكيان الصهيوني".
وذكر التقرير أن إسرائيل لا تمثل اللاعب الإقليمي الوحيد الذي يشوه الخطاب الانتخابي في العراق، مشيراً إلى أن إيران، المهيمنة بقوة في السياسة العراقية، لطالما كانت تلحق "ضرراً ساماً" بنفس الدرجة بالمرشحين.
وأوضح التقرير أنها كانت من المسلمات سابقاً أن تهيمن الفصائل الموالية لإيران، خصوصاً بين السياسيين الشيعة، إلا أن هذا الوضع لم يعد كذلك الآن، لأن المرشحين، حتى من المتحالفين تاريخياً مع طهران، صاروا يدعون إلى الحياد لحماية العراق من الصراعات الإقليمية، بما في ذلك الحروب المحتملة والتي قد تشمل إيران أو الولايات المتحدة أو إسرائيل.
وتابع التقرير أن النائب ضياء الناصري، وهو عضو كتلة دولة القانون بزعامة نوري المالكي، أشاد برئيس الوزراء الأسبق، لأنه "انقذ العراق من الضربات والحرب الاقليمية".
ولفت التقرير إلى أن ائتلاف المالكي، الذي كان حليفاً قوياً لإيران، أعرب علناً عن النأي بالنفس عن إيران.
ونقل التقرير عن الناصري، المرشح مجدداً في الانتخابات المقبلة، قوله إن "النفوذ الإيراني أصبح أقل حضوراً في الواقع العراقي الجديد".
ورأى التقرير أن هذا الوضع يمثل تغييراً عما كان عليه الوضع في الانتخابات الخمس الماضية، التي كانت عادة ما تشهد توحد الفصائل الشيعية الموالية لإيران وبرعاية من طهران.
إلا أن التقرير لفت إلى أن ضعف النفوذ الإقليمي لإيران خصوصاً منذ هجوم حماس في تشرين الأول/ أكتوبر 2023 والحملات الإسرائيلية اللاحقة ضد حماس ووكلاء إيرانيين آخرين مثل حزب الله اللبناني، أدت إلى تفكيك هذه التحالفات.
وأوضح التقرير أن الفصائل الشيعية، التي كانت متماسكة في السابق، أصبحت مبعثرة على لوائح انتخابية متنافسة، تتصارع فيما بينها في إشارة إلى تزايد البراغماتية مقابل الولاء الإيديولوجي لإيران.
وبين التقرير أن "هذا يعكس اتجاهاً أوسع نحو سياسات مدفوعة بالمصالح، حيث تحظى المخاوف المحلية وديناميكيات القوة بالأفضلية على الولاءات الخارجية".
وبحسب التقرير، فإن تراجع نفوذ إيران يظهر أيضاً من خلال المشاكل المرتبطة بميليشيات الحشد الشعبي، مشيراً إلى أنها برغم قوتها ومواردها الكبيرة، إلا أنها في ظل إضعافها بسبب الخسائر وافتقارها إلى قيادة قوية، فإنها صارت تكافح للحفاظ على قبضتها على امتيازات الدولة.
وتابع التقرير أنه جرت تحت الضغوط الأميركية، عرقلة مشروع قانون لإضفاء الطابع الرسمي على الميليشيات كقوات حكومية، وتوفير تمويلها، وهو ما أجبر قادة الميليشيات على التنافس انتخابياً للحفاظ على وصولهم إلى موارد الدولة.
وأشار التقرير إلى أن قيادات بارزة من الميليشيات تتعامل مع هذا الواقع الجديد من خلال السياسة الانتخابية، حيث يترشح فالح فياض، وأحمد الأسدي، وهما عضوان بارزان في الحشد الشعبي، على لائحة السوداني الانتخابية، بينما يقوم هادي العامري بإدارة حملته الانتخابية بشكل مستقل تحت راية الفتح، في حين يقود اثنان آخران من كبار قادة الميليشيات، هما قيس الخزعلي وعمار الحكيم، قائمتهما الانتخابية الخاصة، مما يعكس بشكل أكبر انقسام الفصائل الموالية لإيران التي كانت موحدة سابقاً.
وبرأي التقرير، فإن نموذج تقاسم السلطة العرقي الطائفي الذي هندسته الولايات المتحدة، والذي قسم النفوذ بين الشيعة والسنة والكورد، آخذ بالتآكل، إذ أن كل طائفة انقسمت إلى فصائل متنافسة، لتشكل تحالفات طائفية تستند على المصالح السياسية عوضا عن الهوية العرقية أو الدينية.
واعتبر التقرير أن العراق رغم أنه لم يعد يشكل تهديداً إقليمياً كما كان في عهد صدام حسين، إلا أنه لا يزال بعيداً عن الديمقراطية الليبرالية، مضيفاً أنه برغم ذلك، فإن غياب الديكتاتورية أو الحرب الأهلية، وظهور انتقالات سلمية للسلطة، يشير إلى حدوث تقدم.
وختم التقرير الأميركي بالقول إن انتخابات العام 2025 تبرز المشهد السياسي العراقي المتطور، موضحاً أن تركيز المرشحين على الحياد يعكس رغبة في منح الأولوية للمصالح الوطنية بدلاً من الارتباطات الخارجية.
وأضاف قائلاً: "بينما قد يحقق تطبيع العلاقات مع إسرائيل فوائد اقتصادية، كما يتضح من المكاسب التجارية والتكنولوجية التي حققتها الاتفاقات الإبراهيمية، إلا أن الرأي العام، الذي تشكل من خلال عقود من المشاعر المعادية لإسرائيل، ما يزال يمثل عائقا"، مبيناً أنه "بينما انحسر تدخل إيران في الشؤون العراقية، فإن طهران تخطط بالتأكيد للعودة إلى العراق وباقي دول المنطقة".
وذكر التقرير أن "التنويع الاقتصادي الذي يعتبر مسألة بالغة الأهمية لتخطي الاعتماد على النفط، يعكس سياسات براغماتية بالإمكان أن تسهلها العلاقات الطبيعية مع إسرائيل وإيران، إلا أن الخطاب العاطفي غالباً ما يلقي بظلاله على هذه الاعتبارات العملية".
وخلص المعهد الأميركي إلى القول إنه بالرغم من أن الديمقراطية العراقية ما تزال ناشئة، إلا أنها آخذة في التجذر، مضيفاً أن الانتخابات تسلط الضوء على تحول نحو تحالفات براغماتية وتراجع النفوذ الخارجي، وهو ما من شأنه أن يمنح الأمل بمستقبل أكثر استقراراً واستقلالية.
وتابع قائلاً إنه في "حال استمر هذا المسار، فإن الغزو الذي قادته الولايات المتحدة في عام 2003، والذي ينظر إليه في كثير من الأحيان باعتباره كارثة، قد ينظر إليه في نهاية الأمر، باعتباره نقطة تحول نحو الأفضل".