قراءة تركية للانتخابات العراقية: السوداني الأوفر حظاً بمظلة إقليمية ودولية
شفق نيوز- ترجمة خاصة
في قراءة تركية للانتخابات العراقية المقبلة، قالت صحيفة "ديلي صباح" إن عملية الاقتراع في 11 تشرين الثاني/ نوفمبر الجاري، ستحدد ما إذا كان العراق سيبقى تحت "سيادة مزدوجة"، مرجحة أن فوز محمد شياع السوداني بولاية ثانية، إذا حصد نتائج قوية في الانتخابات.
وأشارت إلى أن السوداني قد يتلقى المساعدة من الولايات المتحدة التي ستوفر مظلة أمنية، ومن تركيا التي ستطبق ترتيبات تقاسم المياه، ومن دول الخليج التي ستوفر الاستثمارات.
وبحسب "ديلي صباح" التركية في تقرير ترجمته وكالة شفق نيوز، فإن هناك توقعات بتراجع نسبة الإقبال من الناخبين إلى 30% فقط، لافتاً إلى أن الأحزاب الرئيسية لا تطرح برامج تستقطب جيل الشباب.
وحذر التقرير من أن العراق قد يجد نفسه في مأزق مالي إذا لم يؤمن إيرادات جديدة ومستقرة، وأن السوداني "التكنوقراطي القادر على التوازن بين واشنطن وطهران، سيتحتم عليه الاختيار ما بين الشعبية وبين الإصلاح".
وبعدما لفتت الصحيفة التركية إلى أنه للمرة الأولى منذ سنوات، يدخل العراق الانتخابات في ظل هدوء نسبي، مع انخفاض العنف الإقليمي والمحلي، اعتبرت أن ذلك يمنح الكتل السياسية مساحة للتركيز على القضايا الداخلية بدلاً من الأزمات الأمنية، إلا أنها رأت أن تجربة احتجاجات العام 2019 أظهرت أن تظاهرات الشوارع بإمكانها هز النظام، إلا أن صناديق الاقتراع هي وحدها كفيلة بتغييره.
ومع ذلك، قال التقرير إن هذا الأمل يقوضه نظام يستفيد من ضعف نسبة المشاركة في الانتخابات، مذكراً بأن 70% فقط من البالغين يمتلكون بطاقات انتخابية بيومترية، وهو ما يترك 9 ملايين محرومين من حقهم في التصويت، مضيفاً أنه في حال التزم الصدريون وناخبو "الجيل زد" والسنة المحبطينن منازلهم، فإن نسبة المشاركة قد تنخفض إلى 30%.
ولفت التقرير إلى أن الأحزاب الرئيسية لا تقدم أي برامج تتمتع بالمصداقية لجيل الشباب في حين أن أكثر من 60% من العراقيين دون سن الثلاثين، ونسبة البطالة بين الشباب تصل إلى 25% بينما يقترب معدل الفقر من 30% في بعض المحافظات.
ووصف التقرير السوداني بأنه أعاد تسمية الدولة بـ"حكومة خدمات"، حيث ركز على الطرق والكهرباء والمدارس والبنية التحتية، مصوراً نفسه كجهة توازن بين واشنطن وطهران، وبين الفصائل الشيعية، وبين العرب والكورد، مشيراً إلى أنه تجنب التصعيد خلال حرب غزة والحروب الإسرائيلية الإيرانية.
وأشار التقرير إلى أن رسالته اتسمت "بالوطنية والبعد عن الطائفية"، مما أكسبه سمعة جيدة لدى السنة.
وبعدما أشار التقرير إلى "بعض السلبيات" في سياسته الاقتصادية، حيث زاد رواتب موظفي الدولة بنحو مليون وظيفة، ورفع الدعم لإلى مستويات غير مستدامة، قال التقرير إنه من دون تأمين إيرادات جديدة ومستقرة، فإن العراق يواجه خطر الوقوع في مأزق مالي.
ولفت إلى أن السوداني يقترب من اللحظة التي يتحتم عليه فيها الاختيار ما بين الشعبية وبين الإصلاح.
وفي حين أوضح التقرير أن قائمة السوداني قد تفوز بما بين 50 و60 مقعداً، ما سيجعله متمتعاً بأفضلية إستراتيجية، اعتبر أن التأييد من جانب رجل الدين الشيعي مقتدى الصدر قد يجعل من ذلك بمثابة فوز ساحق، واصفاً الصدر بأنه من أكثر الشخصيات نفوذاً في العراق، وأنه بانسحابه من العملية السياسية أخذ معه ملايين الأصوات من الناخبين.
وتابع التقرير أن السوداني متمسك بضرورة دخول الميليشيات إلى الساحة السياسية و"نبذ السلاح"، مضيفاً أن إبعاده لقادة كتائب حزب الله كان رمزياً، إلا أن الرمزية لا تساهم في تفكيك الجيوش الموازية.
واعتبر أن هذه النتيجة ستحدد ما إذا كان العراق سيظل تحت سيادة مزدوجة، أو ما إذا كانت بغداد قادرة على تأكيد احتكار القوة من جانب الدولة.
وقال التقرير إن الانتخابات لن تقضي على "المحاصصة" العرقية الطائفية التي حكمت العراق لعقدين من الزمن منذ العام 2003، مشيراً إلى أن العراق انتقل من ديكتاتورية الفرد إلى مجموعة من الزعماء الطائفيين والعرقيين.
وأوضح التقرير أنه في حال أعيد انتخاب السوداني من خلال أداء قوي في الانتخابات، فإن واشنطن وأنقرة وعواصم الخليج مستعدة لتقديم دعمها له، شريطة أن يضمن الخدمات الأساسية والاستقرار الجيوسياسي.
وأشار إلى أن السوداني ملائم تماماً لهذا الدور، حيث أنه من خلال شخصيته التكنوقراطية وقدرته على الموازنة بين واشنطن وطهران، تجعله مقبولاً لدى جهات متعددة، مبيناً أن القوى الخارجية التي أنهكها عدم الاستقرار العراقي تسعى إلى القدرة على التنبؤ، لا إلى التحول.
وتابع التقرير قائلا إنه "يبرز تقاسم ضمني للعلاقات الدبلوماسية، بحيث ستوفر الولايات المتحدة مظلة أمنية، وستقدم تركيا ترتيبات لتقاسم المياه، وستوفر دول الخليج الاستثمارات"، لكنه أضاف أن جميعها ترتكز على أن يقوم الزعيم القادم بإصلاحات كافية للحفاظ على التقدم.
إلا أن التقرير لفت إلى أن هذه الإستراتيجية تتجاهل القضايا الهيكلية التي لا يمكن لأي ضمان خارجي أن يحلها.
وتطرق التقرير إلى النفوذ الإيراني وإلى أن سيادة العراق ما تزال عرضة للخطر من جانب الفصائل الموالية لها، لكنه قال إن إيران الضعيفة "ليست مهزومة"، وهي ما إن تستعيد توازنها، ستعيد تنشيط أصولها، بما في ذلك من خلال الميليشيات العراقية.
وتابع التقرير أنه في حال "انهار السوداني"، فإن القوى الغربية والخليجية قد تواجه سؤالا حول ما إذا كان إبرام صفقة مع الصدر، الذي لا يمكن التنبؤ بتصرفاته، أفضل من المتشددين المتحالفين مع إيران؟.
وخلص التقرير إلى القول إنه بإمكان حكومة ذات حكم جوهري أن تنجز الإصلاح، وذلك من خلال كبح جماح الميليشيات، وحماية المؤسسات، والاستثمار في الشباب، وتحقيق المصالح العراقية.
وتابع قائلاً إن العراق في ظل شرق أوسط ممزق، بإمكانه أن يكون جسراً بين القوى المتنافسة ويستغل الموارد لتحقيق مكاسب وطنية، إلا أن ذلك يستدعي كسر التقاليد التي تحكم العراق منذ العام 2003 كالانقسام الطائفي، وتقبل السيادة الموازية، وإمكانية الإصلاح بظل المحاصصة، محذراً من أن أكبر تهديد لمستقبل العراق ليس العدو الخارجي، وإنما النظام الذي يبقي على دولة منقسمة، وشعب منهك ووطن لم يكتمل.