صور مفقودة منذ 90 عاماً تكشف وجهاً جديداً للإيزيديين في العراق

صور مفقودة منذ 90 عاماً تكشف وجهاً جديداً للإيزيديين في العراق
2025-11-08T13:44:56+00:00

شفق نيوز- ترجمة خاصة

من خلال صور فوتوغرافية تعود إلى ثلاثينيات القرن الماضي، وكانت مهملة، تعيد مجلة "نيولاينز" الأميركية رسم مشاهد من حياة الأقلية الإيزيدية في العراق واحتفالاتهم وعاداتهم، والتي لم تكن معروفة، خصوصا في سهل نينوى.

وقالت المجلة الأميركية، في تقرير ترجمته وكالة شفق نيوز، أن "العالم يشهد الآن شيوع التقاط ونشر الصور من خلال تطبيقات مثل (انستغرام)، و(سناب تشات)، لتوثيق اللحظات اليومية"، مبيناً أن "الكاميرا لم تكن شائعة خلال ثلاثينيات القرن الماضي". 

وخلال الفترة من العام 1931 حتى العام 1938، عمل فريق أثري بقيادة منظمة "المدارس الأميركية للأبحاث الشرقية" غير الربحية التي تتخذ من الولايات المتحدة مقرا لها، في مناطق تلال تبه غورا وبيلا في شمال العراق، بحثاً عن الفخار والخرز ورؤوس السهام من العصر البرونزي، والتقط علماء الفريق وقتها صورا نادرة للإيزيديين الذين عاشوا بينهم في القريتين التوأمتين بعشيقة وبحزاني، وفقاً للتقرير.

وتابع: "ما أن اكتملت عمال التنقيب، جرى توثيق ونشر البيانات الأثرية في المنتديات الاكاديمية، إلا أن نحو 300 صورة للإيزيديين اختفت في أرشيف في جامعة بنسلفانيا وتم نسيانها، وهي كانت صور للحياة والمجتمع والاحتفالات الإيزيدية، والتي لم يكن يعرف فيها سوى قلة من الناس". 

ومع ذلك، لفت التقرير، أنه في العام 2022، عثر الباحث في جامعة بنسلفانيا مارك مارين وب، بالصدفة على مخزون الصور هذه، عندما كان يجري بحثاً حول الحفاظ على التراث بعد مقتل الإيزيديين على يد تنظيم داعش، في العام 2014، وتبين له فوراً أهمية هذه الصور، حيث قام بنسخ بعضها على هاتفه المحمول، وخلال عمله الميداني في بعشيقة وبحزاني وسنجار، عرضها على الإيزيديين. 

ونقل التقرير عن الباحث مارين وب، قوله إنه أراد التأكد من صحة التعليقات التوضيحية للصور في الإرشيف، ووجد أنها ساعدت في بناء علاقة ودية مع الناس في منطقة يسودها انعدام الثقة بشكل كبير، على حد قوله. 

وقال أحد الشخصيات الايزيدية التي عملت مع مارين وب، إنه بعد تدمير منازل الإيزيديين على يد تنظيم داعش، تزايدت أهمية العثور على القطع الأثرية البصرية ومشاركتها وحفظها، موضحاً أن "الجميع كان يحاول جمع صور من اجدادهم، صور قديمة وعائلية، ولهذا، فانه عندما عرض عليهم مارك هذه الصور القديمة، والتي بلغ عمرها 90 سنة، كانوا سعداء فعلا". 

وبالإضافة إلى ذلك، نقل التقرير عن المؤرخ الثقافي البريطاني بيتر بورك، القول إن الصور هي "شهود صامتون". 

بينما أوضح التقرير، أن مارين وب توصل إلى أن الصور التي شاركها مع الإيزيديين في بعشيقة وبحزاني تتحدث عن الكثير، حيث أنها فتحت نافذة على حقبة من الماضي، وأصبحت خيطاً يربط العائلات والمجتمعات، ويوطد الشعور بالهوية والتضامن ويحقق الفرح لسكان عانوا من الاضطراب والصدمات.

وأجرى مارين وب، مقابلة مع مؤرخ محلي في بعشيقة، وتعرف على شخص في إحدى الصور، تبين أن اسمه بشير صادق، الذي كان أبن المختار في القرية، وهو كان خلال فترة تنقيب الباحثين الأميركيين، يعمل كمنسق محلي لصالحهم وتعلم تحميض الصور وقيادة السيارة من الأميركيين انفسهم. 

وبين التقرير، أن مارين وب ذهب إلى منزل عائلة صادق التي كانت فرّت إلى ألمانيا في العام 2009، وعادت مؤخراً للاحتفال بـ عيد "سر سال" الايزيدي، حيث عرض على العائلة صور زواج صادق من نعمة سليمان قبل قرن تقريباً، بالإضافة إلى موكب الزفاف والموسيقيين المدربين والضيوف المجتمعين وهم يؤدون رقصات شعبية. 

وأشار مارين وب، إلى أنه اكتشف الكرم العفوي للإيزديين، وأنه عرض عليهم نسخ من ارشيف الصور على هاتفه كتعبير عن تقديره لكرمهم، مضيفاً أن "الجميع كان يصر على أنه يريد نسخاً، كان لدي ملفات بصيغة (PDF)  وكنت أرسلها للأشخاص، وأحبوا ذلك، إلا أن الأمر لا يماثل الحصول على نسخ أصلية مطبوعة". 

وذكر التقرير، أن الموظفين في متحف بنسلفانيا بدأوا عملية ترميم الصور ورقمنتها، في حين صار مشروع آخر أكبر يتبلور، لافتاً إلى أن وارين وب تعاون مع الباحث في جامعة فيكتوريا ناثانيال برونت الذي يركز عمله على حفظ المواد البصرية في مناطق النزاع، مبيناً أن هذا العمل في شمال العراق، صار يتضمن جمع مواد أرشيفية غير تقليدية، تتراوح بين الصور العائلية والتاريخ الشفوي وصور ومشاهد الفيديو على الهاتف المحمول.

كما تحدث التقرير، قائلاً إن مارين وب وبرونت صارا يتعاونان أيضاً مع إيزيديين آخرين، من العراق ومن الشتات، لإقامة "مشروع سرسال"، وذلك بهدف "إعادة" صور الارشيف إلى المجتمعات الإيزيدية، وبينهم احفاد للأشخاص الأصليين في الصور القديمة، وجرى عرض هذه الصور في شوارع بعشيقة وبحزاني وسنجار، مشيراً إلى نشر جميع الصور مرفقة برمز "كيو.ار"، وهو ما يساعد على تحديد المناطق التي يتم تنزيل الصور فيها انطلاقاً من شمال العراق، وهي بشكل أساسي أوروبا والولايات المتحدة وكندا واستراليا، مع ظهور الصور لاحقاً في منشورات وسائل التواصل الاجتماعي. 

واستطرد أن المشروع شارك أيضاً في معرض أربيل الدولي للكتاب، بدعم من "معهد غوته" الالماني في العراق، حيث تم عرض نسخ عالية الدقة لصور ثلاثينيات القرن الماضي، مشيراً إلى أن الإيزيديين شعب غير معروف إلى حد ما. 

ونقل التقرير عن عالمة الانثروبولوجيا كريستين أليسون، قولها إن "الروايات من خارج المجتمع، تميل الى أن تكون مثيرة، وتفتقر إلى الدقة أو أسوأ من ذلك، حيث يصور البعض الإيزيديين على أنهم غريبو الأطوار أو غامضون، بينما ينشر آخرون اكاذيب حول عقيدتهم وطقوسهم، وهم احياناً موضع شائعات وافتراءات في داخل العراق بناء على هذه الأكاذيب، وخاصة وسط الاضطرابات التي نشأت بعد الغزو الأميركي في العام 2003". 

وأشار التقرير، إلى أن أول سجل للإيزيديين كمجتمع متميز ظهر في كتاب "الشرفنامة"، حول تاريخ انساب الكورد، والمنشور في العام 1597، مؤكداً أن الراهب ميشيل فايفر الذي تنقل عبر الأراضي العثمانية في ثمانينات القرن الـ 17، كان أول من لفت انتباه أوروبا إليهم.

وتابع أن مسؤولاً في شركة الهند الشرقية في بغداد قال في عشرينات القرن الـ 19 أن الإيزيديين يعيشون بشكل طبيعي حتى عمر 100 عام في معاقلهم الجبلية، وتستمر النساء في إنجاب الأطفال حتى سن الستين، وهم أوصياء على كنز مخبأ في بر داخل كهف.

ولفت إلى أن الإيزيدين تعرضوا للاضطهاد خلال الحكم العثماني للمنطقة، وصولاً إلى الهجمات العنيفة التي قام بها داعش في العام 2014، مبيناً أن الصور في جامعة بنسلفانيا تعكس فترة من الهدوء النسبي.

وذكّر التقرير، بأن العراق بعدما كان تحت إدارة البريطانيين بموجب سلطات الانتداب من العام 1921، نال استقلاله العام 1932، بينما قدم فيصل الهاشمي، الذي عين كأول ملك للعراق، ضمانات بحماية الأقليات العرقية والدينية، لافتاً إلى أن الصور مواكب الزفاف والرقصات الجماعية واللقطات العابرة للحياة القروية في الأرشيف الفوتوغرافي تظهر الإيزيديين وهم يمارسون حياتهم في هذا المناخ السياسي، عندما كانت هناك أجواء من التفاؤل.

ولهذا، قال التقرير إن "مشروع سر سال" الذي يقوده مارين وب وبرونت، يمثل قطعة أثرية مهمة لتلك الحقبة تحديداً، وهو أيضاً يصور الإيزيديين في ظروف لا علاقة لها بكونهم ضحايا للاضطهاد والعنف.

ونقل التقرير عن برونت قوله: "من دوافع تنظيم المعرض في أربيل هو عرض الصور على جمهور أوسع من الإيزيديين، من العراقيين السنة والكورد والمسيحيين الذي يجب أن يروا الإيزيديين في مواقف أخرى وليسوا مجرد ضحايا ابادة جماعية".

Shafaq Live
Shafaq Live
Radio radio icon