السوداني بنظرة أمريكية: "طرف ثالث" غير ثوري وهذا ما ينتظره
شفق نيوز- ترجمة خاصة
رسم موقع "وور أون ذا روكس" الأمريكي المتخصص بالشؤون العسكرية والاستراتيجية، مشهداً لمرحلة الانتخابات العراقية المقبلة التي تمثل لحظة للتغيير، وفرصة لرئيس الوزراء محمد شياع السوداني لتعزيز حضوره السياسي، وإدخال التغييرات حتى ولو لم يكن رجلاً ثورياً.
وأشار التقرير الأمريكي، الذي ترجمته وكالة شفق نيوز، إلى أن العراق في ظل الوضع الإقليمي المتميز حالياً بالاستقطاب، بمقدوره أن يكون جسراً بين القوى المتنافسة، مما يقلص من حدة التوترات الإقليمية وتعزز بغداد مكانتها كمنتج رئيسي للطاقة ودولة تنمو بمحورية جيوسياسية.
ومع اقتراب موعد الانتخابات المقررة في 11 تشرين الثاني/ نوفمبر المقبل وتصاعد الترقب السياسي والنقاشات في العراق، رأى التقرير أن الأجواء توحي بوجود فرصة للتغيير، حتى وإن لم يكن جذرياً، إذ تبدو طاقة الناخبين متجددة، وهناك توقعات بارتفاع نسبة المشاركة.
لهذا، فإن الحكومة التي ستنبثق من هذه الانتخابات، بحسب توقعات التقرير، ستحظى بتفويض شعبي أقوى وقد توفر الاستقرار السياسي الضروري لتطبيق سياسات متسقة، وإصلاحات تتمتع بالمصداقية، وسلوك أكثر قابلية للتوقع على الساحة الدولية.
كما نبه التقرير الأمريكي، إلى أن العراق في ظل منطقة الشرق الأوسط التي تعاني من الاستقطاب، بمقدوره أن يكون بمثابة جسر بين القوى المتنافسة، مما يحد من حدة التوترات الإقليمية، ويستفيد من مكانته كمنتج رئيسي للطاقة ودولة محورية جيوسياسياً.
أما ما يتعلق بالولايات المتحدة، فإن الرهانات عالية بشكل خاص، وفق التقرير، لأن عراقاً أكثر مرونة واستقلالية، سيكون بمثابة مكسب طال انتظاره بعد عقود من الاستثمار والتعاون الاستراتيجي والسياسي والعسكري.
ومع ذلك، ذكر التقرير أنه في ظل كل التفاؤل، فإنه من غير المرجح أن تؤدي الانتخابات إلى قطيعة عميقة مع النظام السياسي الذي عرف العراق منذ العام 2003، لأن نظام المحاصصة بين المجموعات الرئيسية الثلاثة لا يزال راسخاً بشكل عميق.
لذلك قد لا يلغي التصويت نظام المحاصصة، إلا أنه قد يغير التوازن الداخلي للسلطة، ويعيد ضبط النخب التي ستسيطر على مقاليد الحكومة، بحسب استنتاج التقرير.
طريق شيعي ثالث؟
وفي ظل انسحاب لاعبين شيعة رئيسيين مثل "التيار الوطني الشيعي" بزعامة مقتدى الصدر، و"تحالف النصر" بزعامة حيدر العبادي، فإن "البروز هو للسوداني" الذي وصفه التقرير بأنه "شخصية محورية ومرشح بارز في الانتخابات، وتعود شعبيته إلى سمعته كزعيم عملي وإداري ومعتدل، مما أكسبه قبولاً نادراً من مختلف الأطياف في ساحة سياسية منقسمة".
ولفت التقرير إلى أن السوداني أظهر "قدرته على الموازنة بين المصالح المتنافسة مع تقديم رؤية وطنية موحدة"، وقدرته أيضاً على "إدارة التناقضات"، وموازنته بين واشنطن وطهران، وخطابه الجذاب وغير الطائفي، وسجله في تقديم الخدمات العامة، وهي جميعها عوامل أكسبته مصداقية حتى في المناطق غير الشيعية، وهو ما عزز موقفه كقائد عملي في مشهد سياسي شديد التشرذم.
ونتيجة لذلك، يمثل السوداني لكثير من العراقيين "الأمل في طريق شيعي ثالث، يقع في مكان ما بين المحافظين من (الإطار التنسيقي) المؤيد لإيران، وبين الشيعة الأكثر وطنية-دينية مثل مقتدى الصدر"، وفق التقرير.
ومع ذلك، اعتبر أنه إذا حكمنا على أداء السوداني على مدى العامين الماضيين، وبرغم نهجه العملي والشعبي، فإنه يتضح أنه لا يمثل سوى وجه جديد وأصغر سناً للإطار التنسيقي، حيث كانت هناك دائماً منافسة شديدة بين السوداني وأعضاء آخرين في الإطار التنسيقي.
وأشار إلى أن السوداني لا يزال يعمل ضمن نظامهم الراسخ من القواعد الرسمية وغير الرسمية التي تحددها، بما في ذلك شبكات المحسوبية، والطائفية، وهيمنة الفصائل السياسية والمسلحة التي حكمت المشهد طويلاً.
ورأى أن "فوز السوداني قد يؤدي إلى إعادة تشكيل سياسات النخبة دون أن يؤدي بالضرورة أو رسمياً إلى تعطيل النظام".
وإلى جانب الحسابات البرلمانية، فقد رجح التقرير أن تشكل الانتخابات سياسات التحالفات التي تحدد السياسة الداخلية للعراق وتوجه سياسته الخارجية، ولهذا، فإنه من المتوقع أن تؤثر النتيجة على دور العراق في منطقة الشرق الأوسط التي تشهد إعادة صياغة بفعل تحولات التحالفات والتوترات الإقليمية.
وفيما يتعلق بالمراقبين في الخارج، فإن الانتخابات المقبلة ستوفر نافذة لمعرفة ما إذا كان بإمكان العراق أن يعزز قدراً من الاستقرار السياسي، وما إذا كان سيبرز كلاعب إقليمي أكثر ثقة أو يستمر في التخبط تحت وطأة تقاليده السياسية، أو ما إذا كانت صفقات النخبة ستخفف مجدداً من الوعود بالتغيير.
وبالتالي قد يجد العراق نفسه مرة أخرى على مفترق طرق مألوف: تطلعات إصلاحية تصطدم بالسلطة المترسخة، بحسب التقرير، وإلى جانب سياسات "البيت الشيعي"، يعيد "البيتان السني والكوردي" أيضاً معايرة استراتيجياتهما في ظل التنافس بين القوى داخل كل بيت منهما.
تطلع نحو المستقبل
ورجح التقرير إلا يؤدي انتصار السوداني المحتمل إلى إدخال ثورة في الهيكل السياسي للعراق، موضحاً أن "السوداني معروف بأنه مدير وسطي أكثر من كونه ثورياً، ولهذا فإنه من المحتمل أن تؤدي فترة ولايته الثانية إلى فترة من التوطيد بشكل حذر عوضاً عن التغيير الجذري".
ورغم أن التقرير وصف النظام بأنه مثقل بالعيوب، إلا أنه اعتبر "حتى التقدم التدريجي يمكن أن يمثل نقطة تحول"، مشيراً إلى أن التقدم التدريجي يمكن أن يكون آلية إصلاح معقولة، حيث لا ينبغي التعامل مع الإصلاح على أنه حتمي أو مستحيل.
وتابع قائلاً إن إعادة توزيع السلطة، على الرغم من حدوثها ضمن إطار نظام المحاصصة، وبرغم أنها ليست ثورية، إلا أنها قد تكون مهمة خصوصاً في حال تمكن السوداني من تعزيز قاعدته الانتخابية وتهميش العناصر المتشددة والأكثر معارضة للإصلاح.
وبحسب التقرير فإن الاختبار الحقيقي سيكون ما إذا كان هذا التقدم التدريجي، لضمان الاستقرار، يمكن أن يحقق مكاسب ملموسة كافية لبث الحياة في وضع قائم يعتبره الكثيرون "مريضاً سريرياً"، وهذا يتوقف على ثلاثة عوامل مهمة، هي صمود مؤسسات العراق، وتعبئة الدعم الشعبي، والدعم الاقليمي والدولي.
واستبعد أن تتخلى النخب الراسخة عن مكاسبها دون قتال، وبدون دعم مجتمعي ودولي واسع، إلا أنه شدد على أن مسار الإصلاح في العراق يجب أن يتم تقريره في بغداد.
وخلص التقرير الأمريكي إلى أن استمرار التقدم التدريجي، قد يفتح ليس استقراراً أكبر في الداخل فقط، وإنما فرصاً جديدة لمنطقة تبحث عن مرتكزات.
ترجمة: وكالة شفق نيوز