مفاوضات السلام بين أنقرة والعُمّاليين تقترب من الحسم
شفق نيوز- أنقرة
أنهت لجنة السلام البرلمانية في تركيا، يوم السبت، أربعة أشهر من الاجتماعات والنقاشات المكثفة، في خطوة تمهد لعرض إطار قانوني جديد على البرلمان يهدف إلى إنهاء صراع مسلح مستمر منذ نحو نصف قرن بين أنقرة وحزب العمال الكوردستاني.
وجاءت هذه التطورات وسط أجواء سياسية حساسة وتصاعد في الخطاب المناهض للعملية، ما دفع الحكومة لإبداء حذر أكبر في المرحلة الانتقالية، بينما أكد عبد الله أوجلان من سجنه دعمه للمسار السلمي دون شروط انفصالية.
وتستهدف عملية السلام التي انطلقت في تشرين الأول/ أكتوبر من العام الماضي، حل حزب العمال الكوردستاني وإلقاء مقاتليه للسلاح مقابل وضع إطار قانوني يحدد من منهم يمكنه العودة لتركيا والانخراط في الحياة السياسية والاجتماعية فيها.
وقال رئيس لجنة السلام، التي تضم ممثلين عن 11حزباً في البرلمان، نعمان كورتولموش، خلال جلسة حملت الرقم 19، إن "اللجنة ستعرض النتائج التي حققتها على البرلمان".
وأوضح كورتولموش، وهو رئيس البرلمان التركي أيضاً، أن "لجنة السلام أوفت بمسؤولياتها، حتى وصلت عملية السلام إلى المرحلة الحالية، وأن عمل اللجنة هو جزء من تلك العملية، وليس كل العملية".
والتقت اللجنة خلال جلساتها الـ19 منذ تأسيسها في 5 آب/ أغسطس الماضي، 134 فرداً ومنظمة من المجتمع المدني، تمثل عائلات ذوي ضحايا الصراع وضباطا وجنودا سابقين، ومحامين وخبراء حل نزاعات دولية، ورجال أعمال ومستثمرين، بهدف الاستماع لوجهات النظر حول السلام المنشود.
لكن اللقاء الأبرز، كان مع الزعيم التاريخي لحزب العمال الكوردستاني، عبدالله أوجلان، الشهر الماضي، عندما زاره في سجنه القابع فيه منذ 26 عاماً، غربي تركيا، وفد يمثل ثلاثة أحزاب فقط من لجنة السلام بعد اعتراض وانسحاب وجدل حول تلك الخطوة.
وكشف لقاء وفد لجنة السلام البرلمانية، مع أوجلان، أن "القائد العسكري السابق مندفع نحو السلام وإنهاء القتال والتحول للعمل السياسي في تركيا دون شروط مسبقة باستثناء ما يتعلق منها بإقرار قانون سلام انتقالي في المرحلة الحالية".
وأبلغ أوجلان وفد الوساطة الذي يقوده حزب "الديمقراطية والمساواة للشعوب" الذي يعد أكبر ممثل للكورد في البرلمان التركي، أنه "من الضروري وضع قانون سلام قائم على قانون حقيقي وشامل خلال هذه المرحلة الانتقالية، وأطلق عليه اسم (قانون الانتقال إلى قرن من السلام)".
كما كشفت لجنة السلام البرلمانية أن "أوجلان يريد تلبية مطالب أكراد تركيا بمعايير ديمقراطية أكثر تقدماً، ولم يقدّم أي مطالبات بفيدرالية أو كونفدرالية أو دولة مستقلة، أو مناقشة المواد الأربع الأولى من الدستور التركي، التي تحدد شكل الجمهورية وهويتها وعلمها ولغتها".
وكشفت الأيام القليلة الماضية ارتفاعاً في وتيرة الخطاب المناهض للسلام من قبل قوى وأحزاب وشخصيات تمثل طرفي العملية، ما دفع أنقرة لإرسال وفد الوساطة لمقابلة أوجلان في سجنه قبيل اجتماع لجنة السلام الأخير.
وقال الوفد الذي قابل أوجلان، إنه "مدرك لوجود معارضين لاستمرار عملية السلام، في إشارة لإعلان قياديين في حزبه العمال، عبر تصريحات إعلامية، تجميد أي خطوات في عملية السلام حتى يتم إطلاق سراح أوجلان واتخاذ الحكومة التركية خطوات للاعتراف الدستوري الكامل بالشعب الكوردي".
ودعا أوجلان لـ"إقرار قانون سلام في المرحلة الحالية"، مشيراً إلى "وجود محاولات لخلق بيئة هشة وخطيرة لتعطيل عملية السلام بدلاً من الانقلاب عليها، مذكراً بفشل عمليات سلام سابقة آخرها بين عامي 2013 و2015".
ويتركز الخلاف الأساسي في عملية السلام الجارية، في نظرة أنقرة لها، والتي عبر عنها رئيس لجنة السلام البرلمانية، نعمان كورتولموش، عندما قال إنها "سياسة دولة وليس عملية مفاوضات".
وتريد أنقرة أن تتأكد من نزع حزب العمال الكوردستاني بالكامل، وأنه لم يعد يشكل تهديداً لها، قبل الانتقال لخطوة أخرى تتعلق بعودة مقاتلي الحزب وقادته الذين لم يتورطوا بجرائم أو عمليات مسلحة وفق تصنيف غير واضح حتى الآن.
وعلى الجانب الآخر، يقول قادة في حزب العمال الكوردستاني، وبينهم، آمد ملاذغيرت، وبيسي هوزات، إن "لقاء وفد لجنة السلام مع أوجلان ليس كافياً، وأنه يتوجب إطلاق سراحه، بجانب إقرار تشريعات واعتراف دستوري بالشعب الكوردي".
تصف أنقرة عملية السلام الحالية بـ"الحساسة"، حيث انتهت مرحلة النقاشات بين الأطراف، واقترب اقتراح إطار قانوني لعرضه على البرلمان، يتضمن الخطوات التي ستتخذ في الفترة المقبلة.
وقال كورتولموش في اجتماع، أمس الأول الخميس: "دخلنا مرحلة تتطلب من الجميع توخي المزيد من الحذر والتصرف بحساسية أكبر من الآن فصاعداً، واختيار الكلمات والأسلوب بعناية، لأن أي كلمة ممكن أن تؤثر على هذه العملية بالسلب أو الإيجاب".
وفي السياق ذاته، حذر وزير العدل، يلماز تونتش، من "وجود محاولات لتخريب عملية السلام في المرحلة الحالية، وعودة الإرهاب كما حدث في الماضي، ونصب الفخاخ لتركيا وشعبها، لكنه أكد أن الدولة ستواصل توخي اليقظة"، وفق قوله.
وخلف الصراع المسلح منذ عام 1984، آلاف الضحايا العسكريين والمدنيين من الجانبين، ونزوحاً من قرى وبلدات في جنوب غرب تركيا، وفشلت محاولات سلام سابقة في إنهائه.