إخلاء طهران خيار مطروح.. كشف مفصل لأزمة المياه في إيران
شاب يشرب الماء من نافورة في حديقة ملت في طهران (أ ف ب)
شفق نيوز- طهران
سلط تقرير غربي موسّع الضوء على الأزمة المائية التي تواجهها إيران، في وقت تتصاعد فيه التحذيرات الرسمية من احتمال نفاد المياه في طهران خلال الأسابيع المقبلة، واقتراب عشرات السدود من الجفاف، وسط نقاشات داخل الحكومة وصلت إلى حد طرح خيار "إخلاء" العاصمة بسبب تدهور الوضع المائي.
وتواجه إيران واحدة من أسوأ أزماتها المائية في تاريخها الحديث، لأسباب لا تقتصر على الجفاف الذي يضرب البلاد منذ خمس سنوات ونقص الأمطار التاريخي فقط، وإنما تمتد جذورها إلى عقود من السياسات الزراعية التي ركزت على تحقيق الاكتفاء الذاتي الغذائي، وفق ما نشرته صحيفة "واشنطن بوست".
وبحسب تقرير الصحيفة فإن هذه السياسات التي تضمنت دعماً واسعاً للزراعة والري، قادت إلى استنزاف واسع للموارد المائية الجوفية وتدهور خصوبة التربة.
ومنذ الثورة عام 1979، ضاعفت إيران مساحة الأراضي المروية إلى أكثر من 22 مليون فدان، مدفوعة بسياسات تدعم زراعة محاصيل كثيفة الاستهلاك للمياه، مثل التفاح والأرز.
وسمحت الحكومات المتعاقبة، خصوصاً إبان فترة الرئيس محمود أحمدي نجاد، بحفر آلاف الآبار، المرخصة وغير المرخصة، ما أسهم في استنزاف المياه الجوفية بسرعة غير مسبوقة.
ويقول مدير معهد المعلوماتية الهيدرولوجية في جامعة هامبورغ، الخبير نيما شكري، إن الحكومة "باعت رأسمالها الطبيعي" لتحقيق مكاسب قصيرة الأمد في الإنتاج الزراعي.
ولم يكن الاعتماد على الزراعة خياراً اقتصادياً فقط، لكنه ضرورة سياسية بسبب العقوبات الغربية التي أعاقت قدرة إيران على تنويع اقتصادها.
وتشير بيانات مشروع "إيران 2040" في جامعة ستانفورد إلى أن القطاع الزراعي وفّر ما يصل إلى ربع الوظائف في البلاد خلال فترات معينة، ما جعل أي تقليص له محفوفاً بمخاطر اجتماعية وسياسية كبيرة.
وزير الزراعة السابق ورئيس هيئة البيئة الأسبق، عيسى كلانتري، قال في مناظرة علنية إن إيران "تدمر حقوق الأجيال القادمة لأسباب سياسية دولية"، متسائلاً: "من قال إن علينا أن نكون في صراع مع العالم كله؟".
وعلى مستوى المزارعين، تبدو آثار الأزمة جلية، ففي سفوح جبال زاغروس، يروي مزارع يدعى سجّاد كيف حفرت عائلته بئراً بعد سماح حكومة أحمدي نجاد بذلك، لكنه جف خلال 18 شهراً فقط. هذا العام، انهار محصول التفاح بالكامل. الثمار كانت صغيرة ورديئة، واضطرت العائلة لاستخدامها كعلف للماعز، فيما لجأ سجّاد لعمل إضافي لتغطية نفقات أسرته.
وتفيد تقارير محلية بأن 32 سداً في إيران تقل فيها معدلات التخزين عن 5%، فيما سجلت نسبة الهطول خلال الخريف انخفاضاً وصل إلى 83% مقارنة بالمعدل التاريخي.
يؤكد خبراء المياه أن الجفاف وتغير المناخ فاقما الأزمة، لكنهما ليسا المسؤولين الوحيدين.
ويقول المدير السابق لهيئة المياه والبيئة في إيران، كاوه مدني، إن البلاد "لا تستطيع فصل اقتصادها عن المياه" طالما بقيت الزراعة حلاً رئيسياً لتوفير الوظائف.
من جانبه، يرى الباحث محسن مسكران من جامعة كاليفورنيا ديفيس أن انخفاض الأمطار لا يفسر وحده "الحجم الكارثي" الذي وصلت إليه أزمة المياه.
وشهدت إيران خلال السنوات الماضية موجات احتجاج مرتبطة بالمياه، خصوصاً عندما نقلت الحكومة الموارد المائية من أقاليم إلى أخرى.
ورغم تسجيل احتجاجات محدودة منذ الصيف الماضي، إلا أنها لم تتوسع لتصل إلى مستوى انتفاضة واسعة، لكن الخبراء يحذرون من أن استمرار الأزمة قد يغير ذلك.
ورغم التحذيرات المتصاعدة، لا تزال الحكومة متمسكة بسياسة الاكتفاء الذاتي الغذائي، حيث أقر البرلمان العام الماضي خطة تلزم البلاد بإنتاج 90% من المواد الغذائية الأساسية محلياً.
ويرى مؤيدو هذا النهج — مثل عضو البرلمان بيمان فالسفي — أن الاعتماد على الخارج في ظل "تسليح الغذاء عالمياً" يشكل خطراً استراتيجياً، مستشهدين بظروف الحصار المفروض على غزة والهجمات الإسرائيلية على إيران خلال النزاع الأخير.
وبينما تُظهر السياسات الحكومية ثباتاً على المسار ذاته، تشير الطبيعة إلى اتجاه مغاير، كفشل المحاصيل، جفاف الآبار، ارتفاع ملوحة التربة، وهبوط الأرض بمعدلات خطيرة كلها مؤشرات إلى أن استمرار النهج الحالي لم يعد ممكناً.
ومع غياب حلول جذرية وارتفاع التوتر الاجتماعي وتدهور البنية البيئية، يواجه الإيرانيون عاماً يعد الأخطر من حيث الأمن المائي منذ عقود وربما منذ تأسيس الجمهورية الإسلامية.