بمشاركة العراق.. عملية "دوما السورية" تفتح الباب لتحالف رباعي ضد تجارة المخدرات (صور)
شفق نيوز- دمشق
في عملية وصفت بـ"النوعية"، أعادت وزارة الداخلية السورية، يوم الخميس، فتح أحد أكثر الملفات حساسية في المنطقة، بعدما أعلنت ضبط مزرعة لإنتاج نبات "الحشيش المخدر" في مدينة دوما بريف دمشق، لتسلط الضوء مجدداً على تصاعد نشاط شبكات المخدرات التي تتوزع خطوطها بين سوريا ولبنان والأردن والعراق.
العملية التي أسفرت عن مصادرة أكثر من 240 كيلوغراماً من المواد المخدرة وإلقاء القبض على المتورطين، تأتي مع عمليات ضبط جرت في سوريا، الأردن، لبنان والعراق، الأمر الذي رأه مختصون، قد يشكل نواة لتحالف إقليمي لمكافحة المخدرات.
وذكرت وزارة الداخلية السورية، في بيان أطلعت عليه وكالة شفق نيوز، أن "فرع مكافحة المخدرات في محافظة ريف دمشق، وبالتعاون مع قيادة الأمن الداخلي في مدينة دوما، ضبط مزرعة على أطراف المدينة تحتوي على غراس من نبتة القنب التي تُستخدم في صناعة مادة الحشيش المخدر".
وأوضحت أن "العملية أسفرت عن مصادرة كميات كبيرة تقدّر بـ240 كيلوغراماً من المواد المخدّرة، وإلقاء القبض على أصحاب المزرعة، وإحالتهم إلى الجهات المختصة لاستكمال الإجراءات القانونية اللازمة بحقهم".
وتأتي هذه العملية في وقت يتصاعد فيه نشاط شبكات تهريب وإنتاج المخدرات في المنطقة، في ظل جهود حكومية متزايدة للحد من انتشار هذه التجارة غير الشرعية التي تمتد من سوريا إلى لبنان والأردن والعراق.
وتمثل سوريا النقطة الأساسية للإنتاج والارسال، حيث ازدادت صناعة المواد المخدرة، خلال النظام السابق بشكل كبير، والتي تستخدم طرق متعددة للإخفاء، تتنوع من معامل سرّية في الأرياف إلى استخدام مواد أولية مُستوردة أو مُموّهة.
وبعد سقوط النظام السابق، ظهرت شبكات تتكيّف مع التغيرات الأمنية والسياسية، حيث تنقل خطوط الإنتاج أو التوزيع، وزادت عمليات الإخفاء، مستخدمة المنافذ الحدودية الأقل رقابة والمسالك غير الشرعية، وصولاً إلى الموانئ.
كما يعد السوق الخليجي هدفاً رئيسياً لهذه الشحنات، وكذلك تركيا وأوروبا في بعض الحالات. الطلب المرتفع يُحفّز ازدهار هذه التجارة.
وفي هذا الإطار، رأى الخبير الأمني السوري مازن خلف، أن "ملف المخدرات في المنطقة لم يعد مجرد قضية جنائية، بل أصبح ملفاً أمنياً واستراتيجياً يرتبط بتمويل جماعات محلية ومسلحة، ويؤثر مباشرة على استقرار الحدود والعلاقات السياسية بين الدول".
وأضاف في حديثه لوكالة شفق نيوز: "إننا نواجه اليوم شبكات تمتلك قدرات مالية ولوجستية هائلة، وتستفيد من هشاشة بعض المناطق الحدودية وضعف التنسيق الاستخباراتي".
وأشار خلف، إلى أن "نجاح أي خطة إقليمية لمكافحة التهريب يتطلب تحالفاً أمنياً حقيقياً بين سوريا ولبنان والأردن والعراق، إضافة إلى دعم دولي تقني واستخباراتي، فالحدود وحدها لا تكفي، ما لم يُستهدف رأس المال المنظّم والمستفيدون السياسيون من هذه التجارة".
ومع تصاعد عمليات تهريب وضبط الكبتاغون في المنطقة، صدرت خلال الأشهر الماضية تصريحات رسمية من مسؤولين في سوريا ولبنان والأردن والعراق تؤكد خطورة الظاهرة وضرورة التعاون الإقليمي لمواجهتها.
ففي العراق، أعلن اللواء خالد المحنا، المتحدث باسم وزارة الداخلية، في 30 آب/أغسطس 2025، بأن الحدود الغربية مع سوريا باتت تحت مراقبة أمنية مشددة بعد ضبط شحنات ضخمة من المواد المخدّرة، مضيفاً أن العراق يعمل على تنسيق استخباراتي مع دول الجوار لتجفيف منابع التهريب وملاحقة رؤوس الشبكات المنظمة.
وفي الأردن، قال اللواء حاتم الزوايدة، مدير إدارة مكافحة المخدرات، في 5 أيلول/سبتمبر 2025، إن القوات المسلحة والأجهزة الأمنية الأردنية لن تتهاون في حماية الحدود الشمالية من محاولات التهريب القادمة من الأراضي السورية، مشيراً إلى أن عمليات التهريب باتت تنفّذها شبكات منظمة تمتلك معدات متطورة وأسلحة تهدف لإغراق السوق المحلي والإقليمي بالمخدرات.
أما في سوريا، فقد أعلنت وزارة الداخلية السورية، في 22 آب/أغسطس 2025، أن الجهات المختصة كثّفت حملاتها لضبط معامل تصنيع المخدرات والقبض على المتورطين، بالتنسيق مع الجانب اللبناني والأردني”، مؤكدة أن الملف بات أولوية أمنية واقتصادية عليا للدولة السورية".
وحول لبنان، فقد أكد وزير الداخلية بسام المولوي في مؤتمر صحفي عقده ببيروت، في 18 تموز/يوليو 2025، أن الجهود الأمنية تتواصل لتفكيك معامل تصنيع الكابتاغون غير الشرعية وضبط الشحنات المهرّبة إلى الخارج، مشيراً إلى أن لبنان يتضرر من استغلال أراضيه كممر لهذه التجارة المحظورة التي لا تمثل الدولة اللبنانية ولا مؤسساتها.
وعلى الصعيد الدولي ، فقد رحّبت الأمم المتحدة بجهود دول المنطقة، إذ أكّد تقرير مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة (UNODC) لعام 2025 أن الشرق الأوسط يُعدّ اليوم أكبر مصدر للكبتاغون في العالم، داعياً إلى تعاون استخباراتي مستدام وتبادل للمعلومات بين الدول المنتجة والممرّات والمستهلكة.
ومن أبرز المضبوطات والعمليات الأخيرة التي تم الإعلان عنها، مؤخراً، فقد أعلنت السلطات العراقية، في 16 آذار/ مارس 2025، عن ضبط حوالي 1.1 طن من أقراص الكِبتاغون مخفية داخل شاحنة قادمة من سوريا عبر تركيا، حيث يُعتبر هذا من أكبر العمليات في العراق.
في أواخر آذار/ مارس تمّ أيضاً ضبط نحو 3 ملايين قرص كبتاغون في مدينة حلب السورية، بعد متابعة استخباراتية، مع توقيف عدد من المهربين.
كما ضبطت السلطات السورية، في تشرين الأول/ أكتوبر 2024، حوالي 600 ألف قرص كبتاغون كانت متجهة إلى العراق، تمّ احتجازها بعد مداهمة في ضواحي دمشق.
وفي منتصف تموز/ يوليو 2025، بتنسيق استخباري بين لبنان والعراق، دُمّر أحد أكبر معامل التصنيع في منطقة اليمونة/البقاع الشرقي (لبنان) بعد تزويد لبناني من المعلومات العراقية.
وفي العراق، سجّل كميات ضبط كبيرة، تمثلت بأكثر من 4.1 أطنان من أقراص الكبتاغون في عام 2023، وفق تقرير الأمم المتحدة، مع ارتفاع ملحوظ في المضبوطات خلال السنوات الأخيرة.
الجدير بالذكر أن ذلك، جاء مع إستمرار الجهود الحكومية من قبل العواصم الأربعة في القضاء على هذه الآفة الخطيرة.
وقد سجل العراق أيضا، عمليات ضبط قياسية في العامين الأخيرين، ففي عام 2023 وحده، ضبطت السلطات أكثر من 24 مليون قرص كبتاغون، مع تنسيق استخباراتي متزايد مع سوريا ولبنان والأردن لتحديد مصادر التمويل وخطوط النقل، وملاحقة المطلوبين عبر الانتربول.
وفي لبنان وجّهت الأجهزة الأمنية اللبنانية جهودها نحو تفكيك معامل التصنيع في مناطق البقاع، أبرزها مصنع اليمونة الذي تم تدميره منتصف تموز/ يوليو 2025، وتشير تقارير أمنية إلى أن لبنان ما زال يُستخدم كـ”ممر تخزين وعبور” للشحنات القادمة من الداخل السوري.
وتُبرز هذه التصريحات، تحوّل التعاطي الرسمي في المنطقة من التعامل مع المخدرات كجريمة داخلية إلى اعتبارها تهديداً أمنياً إقليمياً يتطلب تنسيقاً سياسياً واستخباراتياً واسعاً بين الدول الأربع.