"طلسم اليونسكو" المستمر منذ 17 عاماً.. إدراج طاقبستان العالمي ضحية الإهمال الإداري
شفق
نيوز- ترجمة خاصة
منذ
17 عاما، يقبع موقع "طاقبستان" في القائمة المؤقتة لليونسكو دون أن يرى
النور. غياب التنسيق وعدم وجود إرادة جادة شكلاً عائقاً أمام إدراج هذا التحفة
الساسانية على لائحة التراث العالمي، وإنهاء هذا الطلسم يتطلب تحركا عاجلا وتكاملا
في الجهود.
وجاء
في تقرير لوكالة "مهر" الإيرانية وترجمته وكالة شفق نيوز، في قلب جبال
زاغروس، وفي الشمال الشرقي من مدينة كرمانشاه الكوردية، حيث تتعانق الجبال الشامخة
مع الينابيع المتدفقة، ترقد مجموعة فريدة من الفن والتاريخ تعرف باسم "طاقبستان".
هذا
المعلم المهيب، الذي يعد إرثا من العصر الذهبي للإمبراطورية الساسانية، لا يعرف
فقط بوصفه رمزاً للهوية التاريخية لغرب إيران، بل يعد كذلك أحد روائع فن النحت
الصخري في العالم القديم، وقد أسر أنظار كل من شاهده على مر القرون.
"طاقبستان"
ليس مجرد أثر حجري؛ بل هو كتاب مصور مفتوح لحضارة إيران، امتزجت فيه رهافة الفن
بقسوة الصخر لتروي للأجيال مشاهد خالدة من السلطة والدين والحياة اليومية لملوك
العصور القديمة.
إن
التآلف المدهش بين الإيوانات الصخرية والعناصر الطبيعية كالجبل والأشجار المعمرة
والبحيرة المقابلة، قد أوجد مشهداً ثقافياً يصقل روح كل زائر، ويشهد على ذكاء
المعماريين الساسانيين في اختيار الموقع الأمثل لخلق هذا العمل الفني.
وتتجاوز
الأهمية الفنية لـ"طاقبستان" الحدود الجغرافية. ففي قلب هذه الأقواس
الصخرية نحتت مشاهد تتويج أردشير الثاني وشابور الثاني والثالث وخسرو برويز بمهارة
فائقة، وكأن الزمن قد توقف عند تلك اللحظة.
غير
أن ذروة الإبداع الفني تتجلى في الجدران الجانبية للإيوان الكبير، حيث صورت مشاهد
صيد الخنازير البرية في القصب وصيد الغزلان بتفاصيل مدهشة.
إن
الدقة في نحت ملابس الشخصيات وزينتهم وآلاتهم الموسيقية، وحتى تعابير الوجوه
وحركات الحيوانات، جعلت من "طاقبستان" كنزاً لا مثيل له لدراسة تاريخ
الأزياء والموسيقى والأنثروبولوجيا في العصر الساساني.
وتعد
هذه النقوش البارزة وثيقة حية عن فخامة البلاط الملكي وأسلوب الحياة الأرستقراطية
في إيران القديمة، نادراً ما يوجد لها نظير في العالم.
ورغم
هذا الغنى الثقافي والتاريخي الذي لا يمكن إنكاره، ما زال "طاقبستان"
عالقاً منذ سنوات في "برزخ القائمة المؤقتة" لليونسكو. فقد قدم ملف هذا
الموقع إلى اليونسكو عام 2007، إلا أنه وبعد قرابة 17 عاماً لم يحصل بعد على الختم
النهائي للإدراج.
ويستمر
هذا الانتظار الطويل والمرهق في وقت كان فيه الإدراج العالمي كفيلاً بتغيير مصير
هذا الموقع الأثري. فالإدراج على قائمة التراث العالمي ليس مجرد لقب شرفي، بل هو
ضمانة للحماية الدولية، وجذب للتمويل العالمي لأعمال الترميم والصيانة، فضلاً عن
تدفق السياح الأجانب إلى محافظة كرمانشاه.
لكن
للأسف، وقفت خلال هذه السنوات عوامل عدة عائقاً أمام عالمية الموقع، من بينها
التدخلات غير الأصولية في الحرم البصري، والبناء الحضري غير المتناسق، ومرور خط
المونوريل، وعدم استكمال تنظيم الموقع بشكل شامل.
إن
حالة عدم الحسم التي يعيشها "طاقبستان" تعد جرحاً قديماً في جسد التراث
الثقافي الوطني.
ويرى
الخبراء والمهتمون بالتراث أن إضاعة الفرص في تسجيل هذا الموقع عالمياً لم تعق فقط
تطوير السياحة المستدامة في غرب البلاد، بل زادت أيضاً من المخاطر التي تهدد
حمايته. فالتعرية الطبيعية الناتجة عن العوامل المناخية من جهة، وضغوط التوسع
العمراني من جهة أخرى، تهدد وجود هذه الجوهرة الصخرية.
وتضع
اليونسكو معايير صارمة للتسجيل النهائي تتعلق بـ"الأصالة" و"السلامة"
و"إدارة الحرم"، وهي معايير لا يمكن بلوغها إلا عبر الخروج من روتين
الإدارة اليومية واعتماد سياسات إدارية شاملة.
واليوم
يتساءل الرأي العام: لماذا، رغم الإمكانات الواضحة، لم تتشكل بعد إرادة حاسمة
لإزالة العقبات وإنهاء هذا الانتظار المرير؟.
إن
تحقيق حلم الإدراج العالمي لـ"طاقبستان" يتطلب تجاوز الرؤى القطاعية
الضيقة. فهذا الملف الوطني يحتاج إلى تكامل شامل بين المحافظة والبلدية، والمديرية
العامة للتراث الثقافي، ونواب البرلمان.
إن
تحرير الحرم، وإصلاح المشهد الحضري المحيط بالموقع، وإزالة الإضافات البصرية
المزعجة، ووضع خطة إدارية شاملة، كلها متطلبات أساسية لا يمكن تحقيقها دون تعاون
بين جميع الجهات المعنية.
ويظل
"طاقبستان" بانتظار إرادة جادة تخرجه من دائرة النسيان العالمي، ليأخذ
مكانته الحقيقية على خريطة السياحة العالمية بوصفه تراثاً إنسانياً مشتركاً.
مفتاح
قفل اليونسكو
وفي
هذا السياق، نقل التقرير عن مدير القاعدة الوطنية لـ"طاقبستان"، محمد
مهدي فيضآقايي، تأكيده على ضرورة تغيير الإستراتيجية لتسريع عملية الإدراج
العالمي، موضحاً آخر مستجدات هذا الملف.
وأشار
إلى أن البقاء طويل الأمد في القائمة المؤقتة منذ عام 2007 يستدعي تشخيصاً دقيقاً
للمشكلات، موضحاً أن التسجيل الرسمي لـ"طاقبستان" ليس مشروعاً يقتصر
على إدارة الموقع وحدها، بل يتطلب إرادة راسخة من الإدارة العليا للمحافظة، ودعماً
حاسماً من نواب البرلمان، وإعطاءه أولوية قصوى من قبل المديرية العامة للتراث
الثقافي في كرمانشاه.
وأضاف
فيضآقايي، مقدماً حلاً فنياً وذكياً لكسب موافقة اليونسكو: "من أجل تسهيل
وتسريع عملية التسجيل، نقترح إعداد ملف شامل تحت عنوان (المحور الساساني–الأشكاني)،
بحيث يشمل، بشكل تسلسلي وربما عابر للحدود، مواقع بارزة مثل معبد آناهیتا في
كنغاور، ومجموعة طاقبستان، وآثار قصر شيرين، وصولا إلى إيوان المدائن في العراق.
وفي هذا السيناريو، يقدم طاقبستان بوصفه القلب النابض والمحور الرئيسي للملف، ما
يضاعف فرص نجاحه".
كما
شدد على عدم وجود طريق مسدود، قائلاً: "لا يوجد عائق في مسار التسجيل العالمي
لا يمكن حله. فإذا توفرت الإرادة على مستوى المحافظة، يمكن معالجة أي ملاحظات
يطرحها مفتشو اليونسكو، ولا ينبغي السماح للخوف من العقبات بأن يوقفنا في منتصف
الطريق".
التسجيل
العالمي
من
جانبه، قال الخبير والباحث في التراث الثقافي، محسن محمدخاني، في تحليله لأهمية
هذا الموضوع: "لا ينبغي النظر إلى التسجيل العالمي لطاقبستان على أنه مجرد
فخر وطني، بل هو ضرورة لا مفر منها لبقاء الموقع وتنمية المنطقة. فإدراجه على
قائمة اليونسكو يفرض التزامات قانونية وحمائية صارمة، تشكل درعاً قوياً يمنع
الأضرار البشرية والتخريب البيئي والتدخلات غير المتخصصة في حرم الموقع".
وأشار
إلى الآثار الاقتصادية الإيجابية بالقول: "في الظروف الراهنة، يعد التسجيل
العالمي أنجع وسيلة للتعريف الدولي بكرمانشاه، وجذب السياح الأجانب، وضخ العملة
الصعبة في اقتصاد المحافظة. كما يمكن أن يشكل حافزاً قوياً لتطوير البنية التحتية
السياحية وتنشيط الأعمال المحلية. وبذلك، فإن عالمية طاقبستان تضمن الحفاظ على
هويتنا التاريخية، وتعمل في الوقت ذاته كمحرك لنمو الاقتصاد في غرب البلاد".
"لقد
حان وقت التحرك"
يقف
ملف التسجيل العالمي لـ"طاقبستان" اليوم عند مفترق طرق حاسم. فسبعة عشر
عاماً من الانتظار حرمت السياحة في كرمانشاه من فرص كثيرة، ولم يعد استمرار هذا
الوضع مقبولاً. والمطلب الجاد اليوم من قبل نشطاء التراث الثقافي وأبناء المحافظة
المحبين للثقافة هو إنهاء الوعود والبدء بإجراءات عملية. إن تشكيل فريق عمل خاص
يتمتع بصلاحيات كاملة وجدول زمني واضح لإزالة معوقات التسجيل هو الحد الأدنى من
التوقعات".
إن "طاقبستان"،
هذه الجوهرة الساسانية المتلألئة، جدير بأن يتلألأ اسمه إلى جانب أعظم منجزات
الحضارة الإنسانية على قائمة اليونسكو؛ هدف لا يتحقق إلا بالعزم، وتكامل الجهود،
والمتابعة المخلصة.