إن أكرمت اللئيم تمردا
جلال شيخ علي
في ميزان القيم الإنسانية، يبقى الوفاء من أسمى الصفات التي تميز الإنسان النبيل عن غيره
فالوفاء ليس مجرد ردّ جميل، بل هو انعكاس لأخلاق رفيعة وشيم أصيلة، تعكس الامتنان لمن مدّ يد العون في وقت الشدة.
ومن المؤسف أن نرى في واقعنا من يتنكر للجميل، ويقابل الإحسان بالجحود، وكأن الكرم الذي غمره صار مدعاة للتمرد والتطاول.
لقد فتحت كوردستان أبوابها للنازحين العرب "السنة" مع تحفظي على المفردة، حين ضاقت بهم الأرض في مشارف بغداد، وأُغلقت في وجوههم جسور النجاة، وعلى رأسها جسر "بزيبز" الذي تحوّل إلى رمز للخذلان الرسمي. في تلك اللحظة، لم يتردد الكورد في استقبالهم، وإيوائهم، وتقديم ما استطاعوا من دعم، رغم التحديات الاقتصادية والسياسية التي تعصف بالإقليم.
الكوردستانيون لم يسألوا عن الانتماء، ولا عن الخلفية، بل تصرفوا بما تمليه عليهم الأخلاق الكوردية الأصيلة، التي لا تميز بين من ضاقت به السبل. لكن ما يثير الاستغراب، بل الأسى، هو أن نرى من يدعي بأنه صوت للنازحين، يتطاول على الكورد دون رادع، وينسى أو يتناسى من وقف إلى جانب أهله في أحلك الظروف.
تصرف هذا الشخص لا يمكن وصفه إلا بأنه بعيد كل البعد عن الخلق العربي الأصيل، الذي يقدّس ردّ الجميل، ويستنكر الجحود.
فعندما يتنكر الإنسان لمن أحسن إليه، ويجعل من الكرم منصة للهجوم، فذلك هو التمرد الحقيقي على القيم، وهو ما عبّر عنه المثل العربي الخالد: إن أكرمت اللئيم تمردا.
ومن المثير للاستغراب أن نرى من يدّعي بأن النازحين العرب السنة دخلوا بأموالهم إلى كوردستان وأحيو الاقتصادها، متناسياً أن هذه الأموال هي في الأصل أموال الشعب العراقي، وأن الكوردستانيون هم من فتحوا أبوابهم لهم واستقبلوهم بكرم ووفاء.
فإذا كانت هذه الأموال قد ساهمت في إنعاش الاقتصاد الكوردستاني، فهذا يعود إلى حكمة وكرم الكوردستانيين، لا إلى غنى النازحين أو قدرتهم على شراء الولاءات. لماذا لم يصرف هؤلاء النازحين أموالهم في بغداد، ولماذا لم تسعفهم أموالهم في عبور جسر بزيبز؟
ألم يكن الأجدر بهم أن يستثمروا أموالهم في مناطقهم بدلاً من الاتهام بالجحود والتمرد على من أحسن إليهم؟ إن هذه الإدعاءات الباطلة لا تخدم إلا مصالح ضيقة، وتزيد من تفرقة الشعب العراقي، بدلاً من أن تساهم في بناء جسور التواصل والتفاهم بين مختلف مكوناته. فالكوردستانيون لم يفتحوا أبوابهم للنازحين من أجل انتظار الشكر أو المديح، بل فعلوا ذلك من منطلق الواجب الإنساني والأخلاقي، وسيبقون على هذا النهج النبيل، مهما تعرضوا للجحود والتمرد.