خارطة العراق السياسية.. بعد مئوية مس بيل
صلاح شمشمير البدري
بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى عام 1914، وملامح انتهاء حقبة الحكم العثماني مع ازدياد حركات المعارضة وجلا واضحا ملامح تأسيس الدولة العراقية عام 1917 مع دخول الاحتلال البريطاني وتعيين المندوب السامي بيرسي كوكس الذي عين جير ترودبيل سكرتيره لتواجدها ضمن البعثة البريطانية كعالمة آثار ومستشارة إجادتها اللغة العربية الى جانب اللغة الفارسية لترددها الى طهران حيث عمها فرانك السفير البريطاني وزيارتها المتكررة الى الحائل بالسعودية.
ومع بدء الانتداب تم تقسيم العراق الى ولايات الموصل وبغداد والبصرة واعلان دولة العراق رسميا عام 1921 بعد مؤتمر القاهرة الذي حضرته مس بيل وأعلن فيه تشرتشل وزير المستعمرات البريطانية إقامة مملكة العراق وتنصيب فيصل الاول ملكا على العراق وتعيين المندوب السامي بيرسي كوكس.
لعبت مس بيل دورا محوريا في العملية السياسية رغم انها بدأت حياتها مستكشفة آثار ، لكن تأثيرها السياسي على تأسيس دولة العراق كان واضحا ورسم خارطة دولة العراق الحديثة التكوين ،أما فيما يخص اتفاقها مع الضابط بالجيش البريطاني وعالم الآثار توماس إدوارد أو (لورنس العرب )كما هو معروف بجمع وتحليل المعلومات الاستخبارية حول كل مايتعلق بالوضع العراقي والعشائر وتقديم تلك المعلومات الى الادارة البريطانية ، واقتراحها بقيام مجلس تأسيس الدولة العراقية ، مس بيل او (الخاتون)كما كان يلقبها البغداديون وآخرون وصفوها بالجاسوسة ، عملت على تأسيس المتحف العراقي عام 1923 الذي أسهم بالحفاظ على الآثار العراقية البابلية لشغفها بالاثار الشرقية وساهمت بأنشاء المكتبة الوطنية ببغداد ، ومما يذكر عنها انها كتبت لوالدها رسالة مفادها انها وضعت اليوم خارطة للحدود الصحراوية للعراق من جهة الاردن ونجد (السعودية )، خاتون بغداد حيث لُقبت ايضا بصانعة الملوك فهي من أشارت لتنصيب الامير فيصل ملكا على العراق ربطتها علاقة وطيدة بنوري السعيد الذي عينته عضوا في المجلس التأسيسي ووصفته بالقوة الجبارة المرنة وساهمت في صعوده السياسي وصار من الشخصيات الحليفة لبريطانيا ،كما وعُرف عنها عن تقييمها للشخصيات العراقية من خلال أقامة المجالس وتواصلها معهم وكانت من أهم المؤثرين في تخطيط السياسة العراقية لثقة الادارة البريطانية بطروحاتها ، ومايعرف عن العراق بخارطته الجغرافية والسياسية الحالية التي صارت جزء مهم من الشرق الاوسط لايمكن الحديث عنها دون ذكرها ، انتهت حياة خاتون بغداد عام 1926 بظروف غامضة وليكون مثواها الأخير في مقبرة الانكليز بجانب الرصافة ببغداد ،وليكون مع نهاية عام 2025 مرور مائة عام على رحيل مس جير ترود بيل التي واكبت خطوات تشكيل دولة العراق وكانت اهم الشخصيات التي عملت على تشكيل حكوماتها وخارطتها السياسية ومازالت رسائلها موثقة في المكتبة البريطانية ، واليوم وبعد قرن من الزمن وتحول السلطة من بريطانيا الى أمريكا القطب الاوحد ، رغم ان الانكليز مازال لهم دور لايمكن التغاضي عنه وان كان يبدو مخفيا ،فحكومة العراق اليوم بعد توالي النظام الملكي والجمهوري والنظام البرلماني من بعد 2003 ، تغير شكلها السياسي واصبح العرف المتفق عليه في تشكيل الحكومة وتقسيم السلطات الى حكم المكونات الشيعة الاغلبية والسُنة والكورد ، وعشرات الاحزاب لكل مكون وأقليات مازالت تابعة للاحزاب السياسية دون أن يكون لها هوية مستقلة
كما أن دول التحالف الاطلسي مازالت لها اليد الطولى ،مع هيمنة امريكا على منطقة الخليج تحديدا وتأثيرها على منطقة الشرق الاوسط الا أن الاتفاقات والمصالح الاقتصادية لدول أوربا من جهة والحلف المناوئ لها متمثلة بالصين وروسيا ،ومبعوثي امريكا وبريطانيا في العراق ليسوا مس بيل فلا الظروف ولا المساحة السياسية تسمح لهم بتكرار ماجرى قبل مائة عام ،حيث كانت بداية نشأة دولة،
ولكن هل هناك تغيير للخارطة الجغرافية والسياسية ، العام المقبل ومايليه من أحداث على مستوى الدولي والأقليمي ،سيشهد تلك التغييرات حسب المصالح الاستراتيجية الاقتصادية والسياسية تباعا ،ولكل حادث حديث .