من التهجير إلى الإبداع الرياضي.. عندما أسهم الكورد الفيليون في نهضة كرة القدم بمهران

من التهجير إلى الإبداع الرياضي.. عندما أسهم الكورد الفيليون في نهضة كرة القدم بمهران
2025-02-20T09:08:50+00:00

شفق نيوز/ تقع مدينة مهران على الحدود الإيرانية العراقية، وتُعَدّ اليوم واحدة من أشهر المدن الحدودية وأكثرها ازدحامًا. قبل أكثر من نصف قرن، كانت مهران مدينة صغيرة بدأت تتشكل فيها أولى البنى التحتية الحضرية، ومنها ملعب رياضي متواضع.خلال موجات تهجير الكورد الفيليين في السبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي، وفدت أعداد منهم إلى هذه المدينة بعدما صادر نظام البعث ممتلكاتهم، وقد أسهم وصولهم إلى محافظة إيلام ومدينتَي مهران ودهلران في إدخال مظاهر جديدة للحياة الحضرية، أبرزها الرياضات الحديثة مثل كرة القدم ورفع الأثقال وكمال الأجسام والتنس وكرة الطاولة وغيرها بشكلٍ احترافي.

في هذا الحوار، نلتقي الكابتن جواد صيفي، المدرب ومدير كرة القدم، الذي كان لاعبًا أساسيًّا وقائدًا لفريق مهران لأربعة أو خمسة عقود ماضية. يحدّثنا عن جذور العلاقة بين مهران والمدن العراقية، وكيف أسهم الكورد الفيليون في تطوير كرة القدم بالمنطقة.

لنعد إلى خلفية هذه العلاقات، هل من الممكن الإشارة إلى تاريخ هذا الارتباط؟

جواد صيفي:إذا عدنا إلى ما قبل خمسين أو ستين سنة، بل ربما قبل ذلك، نجد أن سكان مهران اعتادوا السفر إلى المدن العراقية، مثل بغداد والكوت وخانقين والعمارة والبصرة، فضلًا عن المدن المقدّسة ككربلاء والنجف والكاظمية وسامراء. كانت تلك المدن أكثر تطوّرًا نسبيًّا، وكان الوصول إليها أسهل من الوصول إلى المدن الكبرى في إيران في تلك الفترة.نتيجةً لهذه الزيارات، حصل تفاعل ثقافي واجتماعي واقتصادي، فتعرّف المهرانيون على مظاهر حياة حضرية مختلفة، ومنها كرة القدم التي يمكن القول إنّها نشأت في مهران تحت تأثير التفاعل مع الكورد الفيليين العراقيين. صحيحٌ أنّ كرة القدم في مهران تأثرت لاحقًا بما يجري في عبادان وخوزستان، لكن بداية هذه الرياضة في المدينة يُعزى قسمٌ كبيرٌ منها إلى ذلك التفاعل مع العراقيين عامةً والكورد الفيليين خاصةً.

- أخبرنا المزيد عن ذلك الزمان ودور الكورد الفيليين تحديدًا.

جواد صيفي:قد لا أبالغ إذا قلت إن تهجير الكورد الفيليين من العراق ومجيئهم إلى محافظة إيلام، ولا سيما مدينتي مهران ودهلران، أدّى إلى حضور شخصياتٍ بارزة مثل البروفيسور محمد هيوري، وهو من عشيرة "الكوردلية" المقيمة في العراق. قدِم إلى مهران وأسهم في تعليم جيلٍ من الناشئة والشباب، بما فيهم أنا وابن عمه. تشرفتُ بأن أكون تلميذه؛ إذ كان قائد فريق مهران الأول لسنواتٍ طويلة، ومدرّبًا ومديرًا لفِرق المدينة في مختلف الفئات العمرية.كان لوجوده تأثيرٌ كبيرٌ في الارتقاء بمستوى كرة القدم في مهران؛ فجيله الثاني من التلامذة وصلوا إلى مرحلةٍ أصبحوا يمثّلون ما يقرب نصف لاعبي المنتخب الوطني الإيراني للشباب والكبار خلال العقود الماضية. والأمر ذاته تكرّر في مدن أخرى وصولًا إلى مركز محافظة إيلام.

- ماذا عن الذكريات المريرة والحلوة خلال تلك الحقبة؟

جواد صيفي:أدرك سكان المناطق الحدودية بين إيران والعراق أنّه لا ينبغي لهم إلقاء اللوم على بعضهم البعض جرّاء الحروب والتهجير وما ارتكبته الأنظمة السياسية من تجاوزات. إنهم يرون أنّ الذكريات الجميلة هي ملكٌ لهم، فيما تعود الذكريات السيئة إلى دعاة الحرب مثل صدام حسين. ولذا لم يسعَ أحدٌ لنشر الكراهية أو الأحقاد بينهم، ولن يفعلوا ذلك أبدًا.بعد الحرب، لعب فريق مهران لكرة القدم مباراة ودية مع فريق السليمانية في إقليم كردستان العراق، وأجرينا أيضًا مباريات ودية مع فريق العزيزية العراقي في العراق ومهران. كان هذا دليلًا على أنّ السلام هو الإرث الحقيقي الذي نعيشه اليوم بين سكان الحدود، فبدلًا من الحروب والعداوة، أصبحنا نمارس منافسات رياضية ودية ونتبادل السلع والمعاملات الاقتصادية.

- ما هي اقتراحاتكم في هذا الصدد؟

جواد صيفي:في الوقت الحاضر، تُقام أكثر من مباراة ودية خلال العام بيننا وبين الفرق العراقية؛ إذ يمكننا أن نكون ضيوفًا لديهم أو مضيفين لهم. وعندما يأتي إخوتنا العراقيون إلى مهران، نستقبلهم -في ظلّ نقص المرافق والرعاة- في بيوتنا، حيث يحرص لاعبو فريق مهران على احتضانهم كضيوف عزيزين.

من جهة أخرى، لو أنّ شركاتٍ عراقيةٍ قوية تكفّلت برعاية مسابقات كرة القدم المتعدّدة الأطراف، فسوف يقدّمون بذلك خدمة جليلة للشباب الإيراني والعراقي على حدٍّ سواء. فالبطولات والمباريات الودية المنظّمة، برعايةٍ احترافية، يمكن أن ترتقي بالمستوى الرياضي وتوطّد العلاقات الودية بين البلدين.

- ما هي ذكرياتك بشكل عام بهذا الخصوص؟

جواد صيفي:أودّ أن أروي قصةً توضّح دور كرة القدم في التعريف بالكورد الفيليين بالعراق. قرأ أحد أصدقائي قصيدةً للشاعر "كوران"، الذي يُعرَف بأنّه أبو الشعر الكوردي الحديث والصحفي المنحدر من السليمانية. تحدّث الشاعر في معرض شرحه لهذه القصيدة عن مواجهته الأولى مع الكورد الفيليين قبل ستين أو سبعين عامًا، والتي أثارت اهتمامي كلاعب كرة قدم.

ذكر الشاعر كوران أنّه عندما جاء فريقٌ من بغداد إلى السليمانية للمشاركة في مباريات الأندية، لاحظ أنّ معظم لاعبيه يتحدثون فيما بينهم بلهجةٍ كورديةٍ غير معروفة بدلًا من العربية. فسألهم عن لغتهم ليفاجأ بأنّهم كورد، وتحديدًا من الكورد الفيليين في بغداد.

بهذه المناسبة، أودّ أن أحيّي ذكرى 22 ألف شابٍ كوردي، لا سيّما لاعبي كرة القدم الشباب من الكورد الفيليين، الذين استُشهِدوا في العراق على يد صدام حسين. أتمنى أن تُنظّم مسابقاتٌ متعدّدة الأطراف في الكوت وبغداد لتكريم هؤلاء الأحباء، وأن تشارك فيها فرقٌ من محافظة إيلام، خاصةً فريق مهران، بكلّ فخر.

إنّ مثل هذه المنافسات تُعمّق أواصر الصداقة بين البلدين الجارين، وتعزّز في نفوس الشباب قناعةً بأنّ السلام أفضل من الحرب والاقتتال، وترسّخ الأمن والاستقرار في المنطقة.

Shafaq Live
Shafaq Live
Radio radio icon